وليد صبري

- الشكوى ليست دلالاً أو تهرباً بل تعكس اضطراباً أعمق يُعرف برُهاب المدرسة

- رهاب المدرسة نوع من القلق يجعل فكرة الذهاب للمدرسة شبه مستحيلة للطفل

- إدراك العلامات وفهم الأسباب والتعامل الصحيح الخطوة الأولى لمساعدة الطفل

- الأعراض تشمل شكاوى انفعالية وأخرى جسدية وأعراض سلوكية كالاختباء

- الخوف من التنمر والإحراج أو الخوف من الفشل الدراسي أهم أسباب الرهاب

- رُهاب المدرسة يتطلب من الوالدين اتباع نهج يجمع بين التعاطف والحزم

- العلاجات السلوكية أثبتت فعاليتها في تعويد الطفل على مواجهة مخاوفه

كشف أستاذ واستشاري طب الأطفال بالمركز الطبي الجامعي بمدينة الملك عبدالله الطبية، البروفيسور د.محمد البلتاجي، أن صباحات العودة إلى المدرسة قد تتحول لدى بعض الأسر إلى "ساحة معركة" مليئة بالدموع والانفعالات والشكاوى الصحية المفاجئة التي غالباً ما تختفي بمجرد بقاء الطفل في المنزل، مشيراً إلى أن الأمر قد لا يكون مجرد دلال أو رغبة في التهرب، بل قد يعكس اضطراباً أعمق يُعرف برُهاب المدرسة School Phobia or Anxiety.

وأوضح البلتاجي أن رُهاب المدرسة يُعد اضطراباً حقيقياً ونوعاً من القلق والتوتر، يجعل فكرة الذهاب إلى المدرسة تجربة مرهقة أو شبه مستحيلة بالنسبة للطفل. وقال إن إدراك العلامات المبكرة وفهم الأسباب والتعامل الصحيح معها يمثل الخطوة الأولى لمساعدة الطفل على استعادة ثقته بنفسه والعودة إلى مقاعد الدراسة بسلاسة وأريحية.

وأضاف أن رُهاب المدرسة يظهر غالباً في المحطات الانتقالية المهمة من حياة الطفل، خصوصاً عند بداية دخول الروضة أو المرحلة الابتدائية بين سن الخامسة والسابعة، أو عند دخول مرحلة المراهقة المبكرة بين الحادية عشرة والرابعة عشرة، حيث تتزايد التحديات الدراسية والاجتماعية. وبيّن أن الأعراض تشمل شكاوى انفعالية مثل البكاء المفرط، نوبات الهلع، التشبث بالوالدين، أو الخوف المستمر من حدوث مكروه، وأخرى جسدية مثل آلام البطن، الصداع، الغثيان، وتسارع ضربات القلب التي تختفي فور البقاء في المنزل، إضافة إلى أعراض سلوكية واضحة كرفض ارتداء الملابس المدرسية، الاختباء، نوبات الغضب، أو التوسل لعدم الذهاب.

وأشار البلتاجي إلى أن استمرار هذه الأعراض وتكرارها قد يقود إلى عزلة اجتماعية، وزيادة الغياب، وتراجع الأداء الأكاديمي. وقال إن الأسباب وراء ذلك متعددة، فقد تكون مرتبطة باضطرابات القلق مثل قلق الانفصال، أو القلق الاجتماعي نتيجة الخوف من تقييم الزملاء أو التعرض للتنمر والإحراج، أو القلق المرتبط بالأداء الدراسي والخوف من الفشل. وأضاف أن البيئة المدرسية نفسها قد تلعب دوراً محفزاً إذا عانى الطفل من صعوبة في التواصل مع المعلمين أو من ضغوط تعليمية مرهقة، كما أن الظروف العائلية الضاغطة مثل الطلاق أو وفاة أحد أفراد الأسرة أو الانتقال إلى منزل جديد قد تزعزع شعور الطفل بالأمان وتؤدي إلى رفضه الذهاب إلى المدرسة.

وأكد أن التعامل مع رُهاب المدرسة يتطلب من الوالدين اتباع نهج يجمع بين التعاطف والحزم، يبدأ بالاعتراف بمخاوف الطفل بدلاً من إنكارها، مع الحفاظ على القاعدة الأساسية بأن الذهاب إلى المدرسة أمر غير قابل للتفاوض. وشدد على أن التعاون مع المدرسة يمثل ركيزة محورية في العلاج، حيث يمكن للمعلمين والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين توفير دعم مباشر للطفل، مثل تحديد شخص موثوق يلجأ إليه عند شعوره بالقلق، أو تخصيص مكان هادئ داخل المدرسة لتهدئته، أو تعديل بعض المتطلبات الأكاديمية بشكل مؤقت لتخفيف الضغط.

وأوضح البلتاجي أن بعض الحالات تتطلب العودة التدريجية إلى المدرسة، تبدأ بزيارات قصيرة خارج أوقات الدوام، ثم حضور حصة واحدة، يليها نصف يوم، وصولاً إلى اليوم الدراسي الكامل، مع ضرورة الاحتفاء بكل إنجاز صغير لتعزيز ثقة الطفل بنفسه. كما نصح الأهل بتدريب أبنائهم على استراتيجيات مواجهة القلق مثل تمارين التنفس العميق، والتأمل الذهني، وحل المشكلات بخطوات عملية، محذّراً في الوقت ذاته من بعض الأخطاء الشائعة كإلقاء المحاضرات الطويلة صباحاً، أو جعل المنزل أكثر متعة من المدرسة، أو طرح أسئلة تشجع الطفل على التركيز في الأعراض الجسدية مثل: "هل تشعر بالمرض اليوم؟".

وأضاف أن طلب المساعدة المتخصصة يصبح ضرورة إذا استمر الوضع لأسابيع أو كان القلق شديداً، لافتاً إلى أن طبيب الأطفال يمكنه استبعاد أي أسباب عضوية، فيما يقدم الأخصائي النفسي العلاجات السلوكية المعرفية CBT التي أثبتت فعاليتها في تعديل الأفكار المقلقة وتعويد الطفل تدريجياً على مواجهة مخاوفه. كما قد يكون العلاج الأسري ضرورياً إذا كانت الضغوط الأسرية جزءاً من المشكلة.

وختم البلتاجي بتلخيص خطوات التعامل مع رُهاب المدرسة في عدة نقاط، أبرزها: الاعتراف بمشاعر الطفل وطمأنته، التعاون المباشر مع المدرسة، العودة التدريجية، بناء روتين ثابت، تعليم مهارات التكيف، تجنب المكافأة على البقاء في المنزل، تشجيع الإيجابيات، وطلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة. وشدد على أن رُهاب المدرسة ليس مجرد مرحلة عابرة، بل مشكلة قد تترك آثاراً طويلة المدى إذا لم تُعالج، مثل الغياب المزمن وتراجع المستوى الدراسي والعزلة الاجتماعية واضطرابات الصحة النفسية لاحقًا، مبيناً أن التدخل المبكر والدعم الأسري والتعاون مع المدرسة والأطباء يمكن أن يصنع فارقاً كبيراً في تجاوز الطفل لهذه الأزمة ومواصلة مسيرته التعليمية والنمائية بنجاح.