للمرة الأولى في تاريخ الطب، أعلن الأطباء عن نجاح علاج مرض هنتنغتون، وهو أحد أشرس وأقسى الأمراض التي عرفتها البشرية. هذا المرض الوراثي يفتك بخلايا الدماغ بلا رحمة، ويشبه مزيجًا قاتلًا من الخرف والباركنسون والتصلب الجانبي الضموري. لكن الآن، يقول الباحثون إنهم تمكنوا من إبطاء تقدمه بنسبة غير مسبوقة بلغت 75%.

مرض يفتك بالأسر عبر الأجيال

هنتنغتون مرض وراثي ينتقل بين الأجيال. إذا كان أحد الوالدين يحمل الجين المعيب، فإن احتمال إصابة الأبناء يصل إلى 50%. تظهر الأعراض عادة في العقدين الثالث أو الرابع من العمر، ثم يتدهور المريض تدريجيًا حتى يفقد القدرة على الحركة والتفكير والاعتماد على نفسه، وينتهي الأمر بالوفاة خلال عقدين.

القصة الشخصية لجاك ماي-ديفيس تجسد مأساة هذا المرض. فقد والده فريد وجدته جويـس بسبب هنتنغتون، وكان مقتنعًا دائمًا أنه سيلاقي نفس المصير. لكن العلاج الجديد منحه أملًا غير مسبوق. يقول جاك: «المستقبل أصبح أكثر إشراقًا، يمكنني أن أتصور حياة أطول بكثير».

نتائج مذهلة للعلاج الجيني

العلاج الجديد يعتمد على تقنية علاج جيني تُعطى عبر عملية جراحية دقيقة تستمر 12 إلى 18 ساعة. يستخدم الأطباء فيروسًا آمِنًا جرى تعديله وراثيًا لحمل تسلسل DNA خاص، يتم حقنه في منطقتين أساسيتين من الدماغ (النواة المذنبة والبطامة). هذا الفيروس يعمل كساعي بريد مجهري، يوصل الشيفرة الجديدة إلى الخلايا العصبية.

بمجرد وصولها، تبدأ الخلايا بإنتاج جزيئات صغيرة من RNA، وظيفتها تعطيل التعليمات المسؤولة عن تكوين البروتين المسمم "هنتنغتون"، ما يؤدي إلى خفض مستوياته بشكل دائم بجرعة واحدة فقط.

بيانات جعلت العلماء يبكون

التجربة السريرية شملت 29 مريضًا، وأجرتها شركة uniQure. وأظهرت النتائج أن تدهور المرض تباطأ بمعدل 75% خلال ثلاث سنوات. ما يعني أن التراجع الذي يحدث عادة في عام واحد سيستغرق الآن أربعة أعوام.

البروفيسورة سارة تبريزي من جامعة لندن وصفت النتائج بأنها "مذهلة"، وأضافت: «لم نتخيل يومًا أن نحقق هذا المستوى من النجاح». أما البروفيسور إد وايلد من مستشفى الأعصاب بجامعة لندن فقال: «الأثر عظيم لدرجة أننا لم نتمالك دموعنا».

حياة أفضل للمرضى

بعض المرضى أظهروا تحسنًا مدهشًا. أحدهم كان قد تقاعد طبيًا لكنه عاد إلى عمله. آخرون ما زالوا قادرين على المشي رغم أن التوقعات الطبية كانت تشير إلى استخدامهم الكرسي المتحرك. الفحوصات أظهرت أيضًا أن مستويات مؤشرات موت الخلايا العصبية انخفضت، ما يعني أن العلاج يحافظ فعليًا على حياة الخلايا.

تحديات الجراحة والتكلفة

إجراء هذا العلاج يتطلب جراحة بالغة التعقيد، حيث يتم إدخال قسطرة دقيقة داخل الدماغ تحت مراقبة الـMRI المباشر. بعض المرضى عانوا من التهابات أو صداع أو ارتباك ذهني، لكنها اختفت أو تمت معالجتها بالكورتيزون.

التحدي الآخر هو الكلفة المتوقعة، إذ من المرجح أن يكون العلاج باهظ الثمن. ورغم ذلك، يؤكد الأطباء أنه يمثل لحظة أمل حقيقية، خاصة أن هنتنغتون غالبًا ما يضرب الناس في أوج شبابهم.

الأمل يطرق أبواب العائلات

قصة جاك مع والده فريد تختصر المأساة. فقد ظهرت أعراض المرض على فريد في أواخر الثلاثينيات، وبدأت تظهر في سلوكه وحركته حتى أصبح بحاجة إلى رعاية دائمة قبل أن يتوفى في سن 54. واليوم، يرى جاك أن ما كان قدرًا محتوما قد يتغير جذريًا.

الخطوات القادمة

شركة uniQure تعتزم التقدم بطلب ترخيص في الولايات المتحدة مطلع 2026، مع خطط لإطلاق الدواء لاحقًا في نفس العام. كما ستبدأ محادثات مع السلطات في أوروبا وبريطانيا، لكن التركيز الأول سيكون على السوق الأمريكية.

البروفيسورة تبريزي شددت على أن هذه مجرد بداية، وقالت: «هذا العلاج سيفتح الباب أمام علاجات أخرى قد تصل إلى أعداد أكبر من المرضى».

نحو الوقاية قبل ظهور الأعراض

الأبحاث تتجه الآن إلى مرحلة وقائية مع الشباب الذين يحملون الجين لكن لم تظهر عليهم الأعراض بعد، فيما يُعرف بمرحلة "هنتنغتون الصفرية". الهدف هو معرفة ما إذا كان بالإمكان تأخير أو منع ظهور المرض تمامًا.

بالنسبة إلى نحو 75 ألف مصاب في أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا، ومئات الآلاف المهددين، يمثل هذا الإنجاز أكبر بارقة أمل منذ اكتشاف المرض.