وليد صبري

قال استشاري طب العائلة وأمراض السكري، د.فيصل بن جعفر المحروس، إن دراسات علمية حديثة عدة، كشفت عن صلة مقلقة بين داء السكري من النوع الثاني وزيادة خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، أبرزها سرطان الثدي المتقدم لجانب إحصاءات تؤكد زيادات واضحة في سرطانات البروستاتا، الكبد، البنكرياس، الرئة، والقولون، إضافة لارتفاع ملحوظ في سرطانات الرحم عند النساء، في حين لوحظ انخفاض في بعض الأورام مثل سرطان المريء والمرارة.

وأضاف د.فيصل المحروس، في تصريح لـ"الوطن" أنه وفقاً لإحدى الدراسات فإن هناك تفسيراً محتملاً لهذه الظاهرة، إذ إن "الإكسوسومات" الموجودة في دم مرضى السكري تُعيد برمجة الخلايا المناعية داخل الأورام، ما يجعلها أقل قدرة على مواجهة السرطان وأكثر مقاومة للعلاجات.

وتابع أن هذه النتائج مجتمعة تدق ناقوس الخطر، وتبرز ضرورة الفحص الدوري لمرضى السكري، إلى جانب تبني أنماط حياة صحية للحد من المخاطر، بينما يواصل العلماء بحثهم عن آليات جديدة لفهم العلاقة وتطوير استراتيجيات علاجية أكثر فاعلية.

وأشار د.المحروس إلى أن دراسة هولندية واسعة أظهرت وجود علاقة قوية بين مرض السكري من النوع الثاني وسرطان الثدي المتقدم، موضحاً أن النساء المصابات بالسكري أكثر عرضة بنسبة 28% للإصابة بأورام عدوانية مقارنة بغير المصابات، موضحاً أن الدراسة شملت 6267 امرأة جرى تشخيصهن بسرطان الثدي بين عامي 2002 و2014، من بينهن 1567 امرأة كن مصابات بالسكري من النوع الثاني.

وبيّن أن الأورام لدى هذه الفئة كانت أكثر تقدماً وانتشاراً في العقد الليمفاوية المحيطة بالثدي، ما يجعل العلاج أكثر صعوبة، بينما النساء اللاتي استخدمن الأنسولين وعددهن 388 نصفهن على الأقل لمدة تفوق 3.4 سنوات، لم يُظهرن اختلافاً ملحوظاً في خصائص الورم، ولم يجد الباحثون علاقة مباشرة بين مدة استخدام الأنسولين وعدوانية السرطان.

وأكد د.المحروس أن أبحاثاً سابقة أشارت إلى أن زيادة مستويات الأنسولين قد تدعم نمو الأورام، إلا أن هذه الدراسة لم تؤكد ذلك، مرجحاً أن السبب يعود إلى صغر حجم العينة المستخدمة في تحليل العلاقة مع الأنسولين، ولذلك أوصى الباحثون بإجراء دراسات أكبر لتوضيح الصورة.

وأوضح استشاري طب العائلة وأمراض السكري أن الأطباء ينصحون النساء المصابات بالسكري بالخضوع لفحوصات دورية للثدي عبر الأشعة السينية، وإبلاغ الطبيب فور ظهور أي كتل أو آلام، خاصة أن السكري نفسه قد يشكل عامل خطر عام للإصابة بالسرطان.

وتابع د.المحروس أن دراسة صينية تُعد الأكبر حتى الآن لفحص علاقة السكري بالسرطان، حيث شملت 410,191 مريضاً بالسكري من النوع الثاني دون أي تاريخ مرضي للسرطان، وتمّت متابعتهم من يوليو 2013 حتى ديسمبر 2017، وخلال هذه الفترة، سُجلت 8485 حالة إصابة جديدة بالسرطان.

وأضاف أن النتائج أظهرت أن خطر الإصابة بالسرطان ارتفع بنسبة 34% لدى الرجال و62% لدى النساء المصابين بالسكري مقارنة بعموم السكان.

وأشار إلى أن الرجال برزت لديهم زيادة كبيرة في سرطان البروستاتا وصلت إلى 86%، كما ارتبط السكري بزيادة خطر عدة سرطانات أخرى هي: سرطان الدم، سرطان الجلد، سرطان الغدة الدرقية، سرطان الغدد الليمفاوية، سرطان الكلى، سرطان الكبد، سرطان البنكرياس، سرطان الرئة، سرطان القولون والمستقيم، وسرطان المعدة. وفي المقابل، أظهرت النتائج انخفاضاً واضحاً في احتمالية الإصابة بسرطان المريء بين الرجال المصابين بالسكري.

وأوضح استشاري طب العائلة وأمراض السكري أن النساء ظهر الخطر الأكبر لديهن في سرطان البلعوم الأنفي حيث تجاوزت النسبة الضعف مقارنة بغير المصابات، كما ارتبط السكري بزيادة مخاطر سرطانات: الكبد، المريء، الغدة الدرقية، الرئة، البنكرياس، الغدد الليمفاوية، الرحم، القولون والمستقيم، الدم، عنق الرحم، الثدي، والمعدة، بينما كان هناك انخفاض في احتمال الإصابة بسرطان المرارة.

وبيّن أن هذه الدراسة، المنشورة في Journal of Diabetes، اعتمدت على قاعدة بيانات ضخمة جمعتها مستشفيات شنغهاي العامة والمتخصصة منذ عام 2013، ويؤكد الباحثون أن النتائج تفرض الحاجة إلى استراتيجيات خاصة للفحص المبكر عن السرطان في مرضى السكري.

وتابع أن دراسة أجرتها جامعة بوسطن الأمريكية حاولت فهم سبب إصابة مرضى السكري من النوع الثاني، خصوصًا الناتج عن السمنة، بسرطانات أكثر عدوانية، حيث وجد الباحثون أن الحويصلات الخارجية "الإكسوسومات" الموجودة في دم المصابين بالسكري تتغير وتؤثر مباشرة على الخلايا المناعية داخل أورام الثدي.

وأضاف د.المحروس أن هذه التغيّرات تجعل الخلايا المناعية ضعيفة، وبالتالي تسمح للأورام بالنمو والانتشار بسهولة أكبر، ما ينتج عنه أورام أكثر عدوانية وأقل استجابة للعلاج المناعي.

وأشار إلى أن الباحثين اعتمدوا على نماذج ثلاثية الأبعاد من أورام مأخوذة من مرضى سرطان الثدي (العضيات المشتقة من المريض) وحللوها باستخدام تقنية تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية، وقد أظهرت هذه التقنية أن السكري يعيد برمجة البيئة المناعية للورم، مما قد يفسر فشل بعض العلاجات الحالية لدى هذه الفئة.

وأوضح أن البحث المنشور في Springer Nature أكد أن هذه هي المرة الأولى التي يُربط فيها بين الحويصلات الخارجية لمرضى السكري وضعف المناعة داخل أورام الثدي البشرية، مشدداً على أن هذا يفتح الباب لتطوير علاجات جديدة أكثر تخصيصًا لملايين المرضى حول العالم.

وأشار استشاري طب العائلة وأمراض السكري إلى أنه في جانب آخر، تمكن علماء في مستشفى جامعة "ليميريك" في أيرلندا من اكتشاف عضو جديد في جسم الإنسان أُطلق عليه اسم المسراق (Mesentery)، وكان يُعتقد سابقاً أنه مجرد طية تربط الأمعاء بجدار البطن، لكن الأبحاث الحديثة أثبتت أنه عضو مستقل بخصائصه، وأُعيد تعريفه رسمياً في كتاب "غريز أناتومي".

وأضاف أن المسراق كان قد وصفه ليوناردو دافنشي عام 1508 لكنه ظل مهملاً حتى الاكتشاف الحديث، واليوم يتم تدريسه لطلاب الطب كعضو قائم بذاته.

وبيّن أن وظيفة المسراق لم تُحدد بدقة بعد، إلا أن الباحثين يرجحون أن له دوراً في أمراض مهمة مثل سرطان القولون والمستقيم، التهابات الأمعاء، السمنة، والسكري، مؤكداً أن العلماء يأملون أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى فهم أفضل لعلاقة المسراق بالأمراض المزمنة وربما تطوير طرق علاجية جديدة.

وخلص د.المحروس إلى أن النساء المصابات بالسكري من النوع الثاني أكثر عرضة بنسبة 28% لسرطان الثدي المتقدم، وفي الصين ارتفع خطر السرطان بنسبة 34% للرجال و62% للنساء المصابين بالسكري، كما أن السكري يرتبط بزيادة احتمالات الإصابة بسرطانات البروستاتا، الكبد، البنكرياس، الرئة، الثدي، والقولون، في حين أن السكري يضعف الاستجابة المناعية داخل الأورام، مما يفسر عدوانية السرطانات وصعوبة علاجها. وأضاف أن اكتشاف عضو "المسراق" قد يكشف عن روابط جديدة بين السكري والسرطان، مشدداً على أن الفحص الدوري وتعديل نمط الحياة يبقيان الوسيلة الأساسية للوقاية.