في مشهد يختصر التحول التكنولوجي الهائل الذي تشهده الصين، أصبحت المقاهي التي تعمل بالكامل بواسطة الروبوتات جزءًا من الحياة اليومية في المدن الكبرى. مقهى صغير في شنغهاي أو شنجن قد يقدم اليوم قهوتك المفضلة دون أي تدخل بشري، سوى لمسة على الشاشة.

من فكرة خيالية إلى واقع متسارع

لم يعد “الروبوت الباريستا” مجرد تجربة في مختبرات الشركات التقنية. فشركات صينية مثل Hi-Dolphin وCOFE+ نجحت في تحويل هذه الفكرة إلى مشروع تجاري متكامل، حيث تقدم الروبوتات القهوة بسرعة ودقة، دون الحاجة إلى طوابير أو أخطاء بشرية.هذه الروبوتات منتشرة الآن في مواقع بارزة، من برج لؤلؤة الشرق في شنغهاي إلى متحف جيش التيراكوتا في شيان، وتعمل على مدار الساعة.

الحل لأزمة نقص العمالة

يأتي هذا التوجه استجابة لمشكلة تواجهها الصين: نقص اليد العاملة في قطاع الضيافة. فالمقاهي التقليدية تعاني من ارتفاع التكاليف وصعوبة الاحتفاظ بالموظفين، بينما تستطيع المقاهي المؤتمتة العمل دون انقطاع وبكفاءة عالية.يقول خبراء إن الروبوتات لا تلغي دور الإنسان تمامًا، لكنها تعيد تعريفه، حيث يتولى البشر المهام الإبداعية والإشرافية، بينما تتكفل الآلات بالأعمال المتكررة.

تجربة مختلفة.. ولكن بلا “لمسة إنسانية”

ورغم الدقة والسرعة، يرى بعض المختصين أن المقاهي الروبوتية تفتقر إلى “الدفء الإنساني” الذي يميز تجربة المقهى التقليدية. فوفقًا للخبير الصيني سايمون صن، الحائز على لقب بطل الباريستا في الصين، “يمكن للروبوت أن يصنع قهوة ممتازة، لكنه لا يستطيع تقديم التجربة العاطفية التي يبحث عنها عشاق القهوة المتخصصة”.

استثمار ضخم ومستقبل واعد

تكلفة إنشاء مقهى روبوتي في الصين تتراوح بين 100 و200 ألف دولار، لكنها تظل أقل من تكاليف افتتاح مقهى تقليدي في المدن الكبرى، خاصة على المدى البعيد.ويؤكد مطورو هذه التقنية أن العائد الاستثماري يمكن أن يتحقق خلال أقل من عام، بفضل انخفاض تكاليف التشغيل واستمرار الطلب على القهوة عالية الجودة.

نحو مقاهٍ “ذكية” بالكامل

ومع التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يُتوقع أن تصبح الروبوتات قادرة على “رؤية” الزبائن و”التحاور” معهم بطريقة أكثر طبيعية. شركات صينية عدة تعمل حاليًا على تطوير نماذج جديدة من “الروبوت الباريستا الذكي” الذي يتفاعل مع العملاء ويفهم تفضيلاتهم.

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الروبوتات قد تسلب الوظائف، يرى آخرون أنها تفتح الباب أمام جيل جديد من المهن، حيث يتعاون الإنسان والآلة في تقديم تجربة أكثر كفاءة وإبداعًا.وبين مؤيد ومعارض، يبقى المؤكد أن الصين اليوم تتصدر مشهد الثورة الروبوتية في عالم القهوة، وأن المقهى التقليدي كما نعرفه قد لا يظل على حاله طويلاً.