أظهرت دراسة حديثة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي باتت قادرة على اكتشاف مؤشرات الاكتئاب من خلال تحليل النصوص المنشورة عبر الإنترنت، بدقة تصل إلى 96%، في خطوة قد تمهّد لاستخدام التكنولوجيا كوسيلة مساعدة لمراقبة الصحة النفسية عبر المنصات الرقمية.

وأجرى البحث فريق من جامعة ولاية جورجيا الأميركية، ونُشرت نتائجه في مجلة Corpus-Based Studies Across Humanities، حيث استخدم الباحثون تقنيات تعلّم الآلة لتحليل آلاف المنشورات على موقع ريديت، أحد المنتديات التي يعبّر فيها المستخدمون بحرية عن مشاعرهم وتجاربهم.

وقالت الباحثة الرئيسية يونج مين كيم إن "اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي مرآة للمشاعر الداخلية، وحتى عندما لا يصرّح الأشخاص بإصابتهم بالاكتئاب، يمكن لطريقة تعبيرهم أن تكشف عن ألمهم النفسي".

واعتمدت الدراسة على تحليل أكثر من 40 ألف منشور من مجموعتين مختلفتين: الأولى تضم مستخدمين يتحدثون عن الصحة النفسية، والثانية تتناول موضوعات عامة كالعلاقات والمشكلات اليومية. وأظهرت النتائج أن مستخدمي المجموعات الخاصة بالاكتئاب يستخدمون ضمائر المتكلم مثل "أنا" و"نفسي" بوتيرة أعلى، إلى جانب عبارات تعبّر عن فقدان الأمل، ما يعكس تركيزاً مفرطاً على الذات وشعوراً بالعزلة.

كما استخدم الباحثون تقنيات نمذجة الموضوعات المعتمدة على النماذج اللغوية الضخمة (LLMs) لتحديد الأنماط المتكررة في النصوص، فبرزت موضوعات تتعلق بالعائلة والتعليم، إلى جانب ملاحظات لافتة حول المناسبات الاجتماعية مثل أعياد الميلاد والكريسماس، حيث ارتبطت هذه المناسبات بمشاعر الحزن أو الوحدة لدى البعض.

وقالت كيم: "رغم أن الأعياد تمثل للكثيرين لحظات سعادة، إلا أن بياناتنا تظهر أنها قد تكون أوقاتاً مؤلمة للبعض، وتزيد من شعورهم بالوحدة أو الضغط النفسي".

وأكدت الباحثة المشاركة أوتي رومر-بارون أن المشروع بدأ كمهمة أكاديمية قبل أن يتحول إلى دراسة علمية منشورة، مشيرة إلى أن الجمع بين علم اللغة التطبيقي وأدوات الذكاء الاصطناعي أتاح تحليل اللغة الطبيعية على نطاق غير مسبوق.

وأضافت كيم أن الهدف من الدراسة ليس تشخيص المرضى، بل تطوير أنظمة إنذار مبكر يمكنها رصد العلامات الأولى للاكتئاب عبر النشاط الرقمي، ما يدعم عمل الأطباء والمختصين في الرعاية النفسية.

واختتمت قائلة: "الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محلّ الإنسان، لكنه قد يكون أداة فعالة لتحديد من يحتاجون إلى الدعم قبل تفاقم حالتهم".

ويخطط الباحثون لتوسيع نطاق الدراسة مستقبلاً لتشمل اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة، مع مقارنة النتائج عبر لغات وثقافات مختلفة.