وليد صبري

السمية الكلوية تختلف باختلاف الدواء وتتطلب بروتوكولات متابعة خاصةالتحديات السريرية تشمل صعوبة التشخيص وقرار الاستمرار أو إيقاف العلاجاستراتيجيات المواجهة تشمل التشخيص المبكر والمراقبة المستمرة وتعديل الجرعاتنجاح علاج السرطان يُقاس بالقدرة على حماية المريض من مضاعفات الكُلى

قالت الصيدلانية الإكلينيكية وعضو جمعية أصدقاء الصحة د. ليلى العالي إن السنوات الأخيرة شهدت ثورة علاجية غير مسبوقة في عالم الأورام، موضحة أن العلاج المناعي والعلاجات الموجهة وخلايا “كار-تي” منحت المرضى فرصاً أكبر للشفاء والبقاء على قيد الحياة، غير أن هذه الطفرة جاءت محمّلة بتحديات جديدة، أبرزها إصابة الكُلى الحادة أو المزمنة، التي أصبحت من المضاعفات المهمة المؤثرة على قرارات العلاج ونتائج المرضى.

وأضافت أن الدراسات تشير إلى أن ما بين 11% و22% من مرضى السرطان يصابون بشكل من أشكال الفشل الكلوي الحاد، وترتفع هذه النسبة في وحدات العناية المركزة أو لدى مرضى الأورام الدموية، مؤكدة أن خطورة إصابة الكُلى لا تقتصر على فقدان الوظيفة العضوية، بل تمتد إلى حرمان المريض من استكمال العلاج، أو استبعاده من بروتوكولات دوائية متقدمة، مما يزيد احتمالات الوفاة والمضاعفات.

وتابعت العالي موضحة أن إصابة الكُلى الناتجة عن الأدوية تختلف باختلاف الدواء وآلية تأثيره، مشيرة إلى أن أدوية البلاتين مثل السيسبلاتين والكاربوبلاتين والأوكساليبلاتين تسبب إصابة أنبوبية حادة واعتلال النبيبات القريبة ومتلازمة الأوعية الدقيقة الخثارية، بالإضافة إلى فقدان الأملاح ونقص المغنيسيوم.

وأشارت إلى أن الميثوتريكسات قد يؤدي إلى اعتلال كلوي بلوري وانسداد في النبيبات، ما يجعل الترطيب الكافي ومراقبة تراكيز الدواء ضروريين، في حين أن جيمسيتابين يرتبط غالبًا بمتلازمة الأوعية الدقيقة الخثارية، وهي حالة صعبة العلاج، وتتطلب تشخيصاً مبكراً.

وأضافت أن البيميتريكسيد والإيفوسفاميد يسببان اعتلال النبيبات القريبة، وقد يؤدي الإيفوسفاميد إلى التهاب المثانة النزفي، ما يستدعي استخدام مادة وقائية مثل ميسنا، بينما يسبب السيكلوفوسفاميد سمية مثانية نزفية ونقص صوديوم الدم.

وأوضحت أن النيتروز يوريا مثل الستربتوزوسين تسبب التهابات كلوية مزمنة وحصى حمض اليوريك وحتى السكري الكاذب، في حين أن أدوية أخرى مثل ميتومايسين سي وميلفالان وتيرابيكتيدين ترتبط بمتلازمات خاصة مثل متلازمة الأوعية الدقيقة الخثارية، أو متلازمة إفراز هرمون مضاد لإدرار البول، أو انحلال العضلات، مؤكدة أن هذا التباين الكبير يؤكد أن التعامل مع كل دواء يجب أن يتم وفق بروتوكولات متابعة ووقاية خاصة به.

وقالت العالي إن التحديات السريرية متعددة، موضحة أن التشخيص صعب؛ لأنه يصعب التفريق بين إصابة الكُلى الناتجة عن الدواء، وتلك الناتجة عن نقص التروية أو العدوى أو انسداد المجاري البولية، مشيرة إلى أن السُمية غالباً ما تظهر متأخرة، مما يزيد صعوبة التدخل المبكر.

وأضافت أن قرار الاستمرار أو الإيقاف يمثل تحدياً أيضاً، فالتوقف عن العلاج قد يحرم المريض من فرصة السيطرة على الورم، بينما الاستمرار رغم السُمية قد يؤدي إلى فشل كلوي دائم، مشيرة إلى أن الوقاية محدودة، فباستثناء بعض الإجراءات مثل الترطيب مع السيسبلاتين أو استخدام ميسنا مع السيكلوفوسفاميد والإيفوسفاميد، فإن معظم السُميات الأخرى لا تملك تدابير وقائية مثبتة.

وأكدت العالي أن التشخيص المبكر والمراقبة المستمرة أساسيان، ويشمل ذلك تقييم وظائف الكُلى قبل بدء كل بروتوكول علاجي، ومراقبة الكرياتينين ومعدل الترشيح الكبيبي والإلكتروليتات بشكل دوري، واستخدام المؤشرات الحيوية الجديدة للكشف المبكر عن إصابة الكُلى قبل تدهور الوظيفة.

وأضافت أن الوقاية الدوائية والداعمة مهمة، مثل بروتوكولات الترطيب الوريدي قبل وبعد إعطاء السيسبلاتين، واستخدام ميسنا للوقاية من التهاب المثانة النزفي مع السيكلوفوسفاميد والإيفوسفاميد، وتصحيح اضطرابات الكهارل مثل نقص المغنيسيوم مع البلاتينات.

وتابعت أن تعديل الجرعة أو استبدال الدواء يمكن أن يكون ضروريًا من خلال إعادة تقييم جرعات الأدوية حسب وظائف الكُلى وتصفية الكرياتينين، والبحث عن بدائل أقل سمية عند الإمكان.

وأشارت إلى أن التعاون بين التخصصات أساسي أيضاً، ضمن فريق طب الأورام الكلوي الذي يضم أطباء الأورام وأطباء الكُلى والصيادلة الإكلينيكيين لتحديد أفضل الخيارات لكل حالة، ووضع بروتوكولات مشتركة لتحديد متى يجب إيقاف العلاج؟ ومتى يمكن استئنافه بعد تحسن وظائف الكُلى.

وأكدت العالي أن تثقيف المريض جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية، ويشمل تشجيع المرضى على شرب السوائل بانتظام عند عدم وجود موانع، وتنبيههم إلى الأعراض المبكرة مثل قلة البول أو تغير لونه أو آلام المثانة.

وختمت بالتشديد على أن إصابة الكُلى بسبب أدوية السرطان ليست حدثًا ثانوياً يمكن تجاوزه، بل عاملاً محورياً قد يغير مسار الخطة العلاجية، موضحة أن مواجهة هذه المشكلة تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل مراقبة دقيقة، تدخلات وقائية، تعديل الجرعات، وتعاوناً فعّالاً بين أعضاء الفريق الطبي.

وأضافت أن النجاح في علاج السرطان لا يُقاس فقط بقدرة الدواء على القضاء على الورم، بل بقدرتنا أيضاً على حماية المريض من أن يصبح العلاج نفسه سبباً لمضاعفات قد تسلبه فرصة الشفاء، مؤكدة أنه مع تطور الأبحاث واستخدام مؤشرات حيوية دقيقة، يمكن أن يصبح المستقبل أكثر أماناً لمرضى السرطان، حيث يُعالج الورم، دون أن تكون الكُلى ضحية في هذه المعركة.