بعد عقد من الأبحاث، اقترب العلماء أكثر من أي وقت مضى من تحقيق إنجاز طبي قد يغيّر مفهوم الولادة والعناية بالمواليد الخدّج: تطوير رحم اصطناعي قادر على إبقاء الأجنة على قيد الحياة خارج جسم الأم، فيما يُعرف باسم جهاز "AquaWomb".

يهدف هذا الابتكار إلى مساعدة الأطفال المولودين قبل الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل، ممن تكون فرص بقائهم على قيد الحياة محدودة للغاية، ومن بينهم أطفال يولدون بوزن لا يتجاوز نصف كيلوغرام ورئتان غير مكتملتين.

تجربة غير مسبوقة

فريق بحثي من كندا والصين نجح في تحويل كلية من فصيلة دم A إلى فصيلة O، مما فتح الطريق لفكرة الأعضاء العالمية. ومن هذا المنطلق، طبّق علماء من جامعة بريتش كولومبيا تجربة مشابهة في مجال الأرحام الاصطناعية، حيث جرى اختبار الجهاز على أجنة حيوانية بنجاح قبل الانتقال إلى التجارب البشرية.

في عام 2023، ناقشت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إمكانية السماح بإجراء أول تجربة سريرية على أطفال بشريين مولودين بين الأسبوعين 22 و24 من الحمل.

كيف يعمل "AquaWomb"؟

يشبه الجهاز حوضًا زجاجيًا يُملأ بسائل يشابه السائل الأمنيوسي، يُضبط حرارته عند 37 درجة مئوية تقريبًا، ويُزوّد بأنابيب تعمل كمشيمة صناعية لتوصيل الأوكسجين والغذاء عبر الحبل السري.

يُوضع الطفل داخل كيس مزدوج الطبقة؛ الداخلي مرن يسمح له بالحركة والنمو، والخارجي يحافظ على الضغط والثبات. الهدف هو محاكاة بيئة الرحم الطبيعي بدقة، ليعيش الجنين في سائل لا يتنفس فيه الهواء، بل يتغذى ويتنفس من خلال المشيمة الاصطناعية.

تحديات تقنية دقيقة

أبرز التحديات تكمن في الرئتين، إذ أن الطفل الخديج لا يمتلك رئتين قادرتين على التعامل مع الهواء. لذلك يعمل العلماء على تأمين الانتقال من رحم الأم إلى البيئة الاصطناعية دون أن يتعرض الجنين للهواء إطلاقًا.

فشل هذا الانتقال يعني فقدان الطفل خلال دقيقتين فقط، وهي المهلة القصوى قبل أن يتعرض دماغه لنقص الأوكسجين الدائم.

من المختبر إلى الواقع

الاختبارات السابقة على أجنة الحملان في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا عام 2017 نجحت في إبقاء الأجنة حية لمدة 28 يومًا كاملة. وقد أظهرت تطورًا طبيعيًا في الرئتين والقلب والدماغ.

وتواصل شركات مثل Vitara Biomedical وAquaWomb تطوير النسخ البشرية من هذه الأجهزة، وسط جدل أخلاقي واسع حول معنى "الولادة" وحدود التدخل العلمي في الطبيعة.

أبعاد أخلاقية وإنسانية

تثير فكرة "الرحم الاصطناعي" نقاشًا أخلاقيًا عميقًا: هل سيُنظر إلى الطفل الذي ينمو في آلة كما يُنظر إلى الطفل المولود طبيعيًا؟ وهل يمكن أن يؤثر ذلك على الرابط العاطفي بين الأم والطفل؟

تؤكد الباحثة إليزابيث رومانيس من جامعة درم أن هذه التقنية "ستخلق مرحلة جديدة من تطور الإنسان لم يعرفها العالم من قبل"، ما يتطلب وضع أطر قانونية جديدة لتنظيمها.

الأمل والألم في قصص الأمهات

قصة الأم الأمريكية "بيث شافِر"، التي فقدت طفلها بعد ولادته في الأسبوع الـ23، تلخص المعضلة. تقول: "كل ما احتاجه طفلي هو المزيد من الوقت في الرحم، وهذا ما لم أستطع منحه له".

بعد تجربتها، التحقت بيث بمجموعة دعم للأمهات اللواتي فقدن أطفالًا خدّجًا. هناك، تحدثت عن شعورها بالذنب لأن جسدها لم يستطع حماية طفلها، بينما تمنّت أخريات أن تكون هذه التقنية قد وُجدت في وقتها لإنقاذ أطفالهن.

بين الأمل والمخاوف

بينما يرى العلماء في "AquaWomb" خطوة ثورية لإنقاذ الأرواح، يخشى آخرون أن تؤدي التقنية إلى استخدامات غير إنسانية أو تسويقها خارج إطارها الطبي.

ويؤكد البروفيسور فرانس فان دي فوسه، من جامعة إيندهوفن الهولندية، أن المشروع لا يهدف إلى استبدال الحمل الطبيعي، بل إلى "إعطاء فرصة حياة للمواليد الذين يولدون قبل أوانهم".

ما بعد الولادة الصناعية

إذا نجحت التجارب، فقد تفتح التقنية الباب أمام تقليل الوفيات الناتجة عن الولادة المبكرة، وتغيير مفهوم الحضانة المكثفة في المستشفيات حول العالم. لكنها أيضًا تفرض تساؤلات أخلاقية جديدة:هل سيصبح استمرار الحمل خيارًا طبيًا أكثر منه طبيعيًا؟ وهل يمكن أن تُستخدم التقنية مستقبلًا كبديل عن الحمل التقليدي؟