بقلم: د. فاطمة متروك

تعيش البحرين في شهر ديسمبر أجواءً وطنية مبهجة تعكس روح الانتماء والولاء للوطن، حيث تتزين الشوارع بالأعلام والأنوار، وتتفاعل المؤسسات والمجتمع مع فعاليات متنوعة تحتفي بتاريخ المملكة وإنجازاتها. إلا أن ما يميز الاحتفالات في البحرين هو حرص الدولة والمجتمع على دمج مفاهيم الصحة والرفاه في هذه المناسبة الوطنية، ليصبح العيد فرصة لتعزيز السلوكيات الصحية، ونشر الوعي، وتحفيز المواطنين والمقيمين على تبنّي نمط حياة متوازن حتى في أوقات الفرح.

لقد أثبتت البحرين خلال السنوات الماضية أنّ الصحة ليست شأناً طبياً فقط، بل هي مسؤولية وطنية تشاركية. ففي ظل الأعياد الوطنية، تركز الكثير من الجهات على تنظيم فعاليات تجمع بين الاحتفال والنشاط البدني، مثل سباقات الجري، والمشي العائلي، والفعاليات الرياضية المفتوحة للجميع. هذه الأنشطة لا تعزز الروح الوطنية فحسب، بل تؤكد أيضاً أهمية ممارسة الرياضة كجزء من الحياة اليومية، خاصة في مجتمع يتجه نحو أسلوب حياة أكثر وعياً بالصحة.

كما تلعب المؤسسات الصحية دوراً بارزاً في الأعياد، عبر حملات توعوية تستهدف مختلف الفئات، تركّز على التغذية السليمة، وإدارة التوتر، والمحافظة على صحة القلب، والوقاية من الأمراض المزمنة. وتعمل هذه الحملات على ربط الرسالة الصحية بالهوية الوطنية، ليشعر الفرد بأن المحافظة على صحته هي مساهمة مباشرة في بناء المجتمع وتعزيز قوته.

من جانب آخر، أصبح للعادات الغذائية خلال الاحتفالات مساحة من الاهتمام، سواء باختيار أطباق بحرينية تراثية معدة بطرق صحية، أو بتوعية الأسر حول الاعتدال في تناول الحلويات والمأكولات الدسمة التي ترافق المناسبات. وهذا التوجه يعكس إدراكاً مجتمعياً متزايداً بأن الفرح لا يعني الإفراط، وأن الاحتفال الحقيقي يبدأ من الاهتمام بالنفس وصحتها.

ومع ازدياد المبادرات التي تدمج بين الوطنية والصحة، تظهر رسالة البحرين واضحة: الاحتفال لا يكتمل من دون مسؤولية، والمسؤولية تبدأ من صحة الفرد. فالوطن القوي هو وطن أفراده أقوياء، مدركون لأهمية الوعي الصحي، قادرون على المشاركة الفاعلة في التنمية.

وهكذا، تتحول الأعياد الوطنية من مجرد مناسبة للاحتفال إلى محطة لتعزيز القيم الصحية، وتأكيد الشراكة المجتمعية في بناء مستقبل أكثر صحة واستدامة. وفي كل عام، تثبت البحرين أنّ الفرح الوطني يمكن أن يكون أيضاً منصة لرفع مستوى الوعي، وترسيخ ثقافة العافية، وتحويل الاحتفال إلى فرصة للارتقاء بنمط الحياة الصحي.

* أخصائية طب عام - عضو جمعية أصدقاء الصحة