بقلم: فاطمة النقي
يحتل موضوع جودة الرعاية الصحية التي تقدمها المستشفيات في مختلف القطاعات والاختصاصات أهمية كبيرة، حيث تتنافس هذه المستشفيات للحصول على الاعتمادات المحلية والدولية لضمان توافقها مع المعايير المعتمدة واستدامة تحسين وتطوير الخدمات المقدمة.
ولا يخفى على أحد حجم تزايد ثقافة الحصول على الاعتماد المؤسسي للمستشفيات، حيث يتضح ذلك من خلال افتتاح المنظمات الدولية للاعتماد مكاتب إقليمية، وزيادة عدد المستشفيات المعتمدة، بالإضافة إلى تدشين المؤسسات الرقابية المحلية لمنهجيات ومستويات اعتماد مصنفة من مرحلة التأسيس إلى مراحل متقدمة من التشغيل والاستمرارية.
يبقى السؤال المحوري في هذه الظاهرة: ما هي المقومات الأخرى الموازية لبناء مستقبل قوي للمستشفيات، خصوصاً مع تزايد التحديات الصحية والتطور السريع في التقنيات الذكية؟
أولاً: ثقافة التعلم والابتكار، لا ينبغي الاعتماد فقط على دور المشاركة العامة في الندوات وورش العمل بل يجب التوجه إلى مستوى يفوق ذلك من خلال صناعة المؤتمرات التفاعلية الدولية وربطها بواقع القضايا الصحية المعاصرة، مع التركيز على الاستثمار في البحث العلمي وتبني موقف المبادرة في خلق بيئة تشجع على دراسة التطورات الطبية وإيجاد حلول مبنية على الأدلة.
ومن الجيد الإشارة له، أن دراسة استطلاعية أجريت في البرتغال شملت 95 مسؤولاً من مجالس المستشفيات كشفت أن المستشفيات المصنفة كـ"منظمات تعلم متقدمة" لديها فرصة أكبر بخمس مرات لتطوير الابتكار مقارنةً بـ"منظمات التعلم الأساسية".
لا يقتصر التعلم على استهلاك المادة العلمية، بل تشمل عناصر أخرى مثل التعلم من الفشل، وتدشين مقاييس أداء معيارية، وتفعيل مجالس استشارية للمرضى، حيث تلعب جميعها دوراً هاماً في تعزيز توجّهات التعلم والابتكار.
ثانياً: تكاملية التكنولوجيا المتقدمة، يعتمد مستقبل المستشفيات في القرن الحادي والعشرين بشكل كبير على تكامل التقنيات الذكية، بدءاً من أنظمة التحكم الذكي في تشغيل المبنى وعمليات المستشفى إلى الطب عن بُعد والمتابعة الطبية عبر التطبيقات الذكية.
كما تساهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التشخيص وخطط العلاج، وتطبيق التكنولوجيا القابلة للارتداء لمراقبة صحة المرضى، بالإضافة إلى استخدام الروبوتات للتدخلات الجراحية أو المهام اللوجستية داخل المستشفى. كل ذلك من شأنه رفع جودة الخدمة المقدمة وخلق تجربة رعاية صحية متميزة للمرضى.
ثالثاً: تحقيق الاستقرار المالي والاستدامة، حيث تعتبر إدارة التكاليف بشكل فعال مع الالتزام بجودة الرعاية من أبرز المهام المعقدة في مشاريع المستشفيات. يزداد هذا التحدي مع توجهات الاستثمار في التكنولوجيا والتوسع في الاختصاصات الدقيقة والنادرة.
لذا، يتطلب الأمر إنشاء وتفعيل نماذج مالية تعزز الاستدامة وتتكيف مع مشهد الرعاية الصحية المتطور.
خصوصاً أن العولمة فتحت آفاق التعاون والشراكات مع المؤسسات الرائدة دولياً في الرعاية الصحية، وسهلت الوصول إلى الخبرات الفنية والتقنيات الطبية المختلفة.
كخلاصة للموضوع، يمكن القول إنه لا يمكن أن تنجح هذه المقومات دون إدارة فعّالة تعتمد على مرونة نظام المستشفى في القدرة على الاستجابة السريعة للتغيرات في احتياجات المرضى، ومتطلبات التشغيل، والعوامل الخارجية مثل التغيرات القانونية و الاقتصادية.
وأخيراً وليس آخراً، يُعتبر الاهتمام بتنمية الكوادر والكفاءات في مجالات الإدارة والقيادة الصحية، والاختصاصات الطبية والصحية من أبرز العوامل الأساسية لتحقيق الرؤى المستقبلية واستدامة النجاح.