لم يكن الظهور الاستثنائي لأسود الأطلس في كأس العالم الماضية، سوى تجسيد لنجاح منقطع النظير يعود الفضل فيه إلى سياسة الاعتماد على استعداة المواهب المهاجرة، حيث برز 14 نجماً في تشكيل المغرب بكأس العالم الذي أقيم بقطر، ولدوا جميعا خارج البلاد.

وجاء ضم هؤلاء اللاعبين لمعسكر المنتخب في فترات زمنية مختلفة، ضمن خطة منهجية متواصلة للجامعة الملكية المغربية، في استعادة هذه الأسماء الموهوبة، مثل: أمير ريتشاردسون، وإبراهيم دياز، وآدم أزنو.

والحقيقة أن بداية هذا التوهج المغربي كان في أعقاب نسخة كأس العالم 1998، حيث تسبب الأسلوب غير المنتظم السابق في التعامل مع المواهب المغتربة، في عدم استفادة المغرب من هذه المواهب.

ولفترات طويلة كان أبناء المهجر في صفوف المنتخب المغربي، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يعدون على الأصابع، غير أنه بعد مونديال 1998 تحول ميزان الحضور القوي لفائدة اللاعبين أصحاب الجنسية المزدوجة، علما بأن الجالية المغربية واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة في أوروبا.

واستمرت تلك السياسة المغربية في استقطاب مواهب أوروبية من أصول مغربية على فترات حتى قدوم فوزي لقجع ليتقلد منصب رئيس الجامعة الملكية المغربية، ويجعل من هذه السياسة أولوية قصوى بل أحدث طفرة كبيرة بهذا الجانب.

وفي الوقت الراهن لا ينتظر لقجع والمغاربة بزوغ النجوم في سماء كبار الدوريات والأندية للبدء في محاولة إقناعهم بتمثيل بلدهم الأصلي عوضاً عن بلدهم الأم، بل إن العملية تبدأ في وقت مبكر جداً داخل الأكاديميات والفئات السنية للمنتخبات، فضلاً عن التواصل مع عائلات اللاعبين منذ الصغر لتمهيد الطريق لاختيارهم تمثيل المنتخب المغربي مستقبلاً.

ومن أجل ذلك عين الاتحاد المغربي مجموعة من الكشافين للتنقيب عن المواهب المغربية، في شتى أنحاء أوروبا، ويعد ربيع تاكاسا المغربي المقيم في مدريد منذ 2014 المسؤول الأول عن الكشافين في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا، بهدف التأكد من استيفاء اللاعبين متطلبات الحصول على جنسية مزدوجة، والتحرك سريعاً عندما تكون هناك خلافات حول الانتماء والولاء.

وعلى سبيل المثال، حكيم زياش المولود في هولندا تحدث مع الجانبين الهولندي والمغربي قبل أن يقرر وجهته الدولية ويختار المغرب، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرض لها من طرف الإعلام والجماهير الهولندية، كما تحول أمرابط الذي مثل الطواحين في فئات عمرية أصغر إلى تمثيل منتخب أسود الأطلس.

وبعيداً عن جهود الجامعة الملكية المغربية وقدرتها على الإقناع، هناك عامل آخر ربما يلعب دوراً إضافياً في استقطاب هؤلاء اللاعبين، وهو ارتباط معظمهم بالمغرب، ففي دراسة نقلتها وكالة رويترز أكدت أن 61% من المغاربة المقيمين في أوروبا، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً يزورون المملكة كل عام، وعلى الرغم من ظروف العيش وضرورة الانسجام مع ثقافة بلاد المهجر، فإنها معروفة بتمسكها بالتقاليد والأصول، وحرصها الكبير على تلقين ذلك لأبنائها.

بالنسبة للمغرب فإن الأمر يكمن قضية دولة، إذ يعتبر انتصاراً عظيماً جلب لاعبين ولدوا في إسبانيا أو هولندا وغيرهما، دون التخلي عن جذورهم العائلية باختيار الدفاع عن ألوان بلدهم الأصلي، وهي السياسة التي أتت بثمارها المنتخب أسود الأطلس الذي بات رقماً صعباً في كرة القدم العربية والإفريقية، واسماً لا يستهان به في المحافل العالمية.