حسين الدرازي

التدريب علم وفن والناجح من يمزجهما معاً

شغفي في سنواتي الأخيرة باللعب ساعدني في التدريب

معرفة التفاصيل الشخصية للاعبين يساعد على تطويرهم

عيني على الاحتراف الخارجي وهدفي أن أصبح مدرباً محترفاً

نمتلك كوادر فنية على أعلى مستوى ولدينا أحلام وطموحات كثيرة

«ما زلت أذكر كل تفاصيل هدفي الأول في الزاوية 90، وأحتفل به في المكان الأجمل من الذاكرة، حينها كانوا يقولون موهبة كروية ولدت في الحالة (..) لكني كنت أملك هدفاً واضحاً وهو أن أصبح مدرباً لكرة القدم في سن مبكرة»، لربما تختصر هذه الكلمات بداية شغف اللاعب واستمراره كمدرب للكابتن عزام بدر قمبر الذي بات أصغر مُدرب مُساعد في البحرين للموسم الرياضي الماضي 2023-2024، في وقت يبني عمله وفق مبدأ «التدريب علم وفن.. والناجح من يمزجهما معاً».

ففي حوار مع «الوطن الرياضي» فتح الكابتن قمبر قلبه وأوراقه لنا، ليروي ما يعكس الشغف الرياضي لدى الشباب البحريني عبر قصص نجاح جميلة، تخللتها تحديات وصعاب عدة، فهو كما يقول من جاءه اتصال غير كل حياته فنقله من اللاعب الموهوب إلى عالم التدريب بتكتيكاته وعمله الشغوف، وهو ما تحدث عنه بالتفصيل بقوله: «منذ سنيني الأولى بالمدرسة تمنيت التدريب ووجدت أن منظومة «النجمة» ملائمة لفكري، إذ إن شغفي في سنواتي الأخيرة باللعب ساعدني في التدريب، خاصة أني لعبت مع لاعبين كبار وكنت أراقب كل تفاصيل لعبهم وتحركاتهم، واليوم أركز على معرفة التفاصيل الشخصية للاعبين وهو ما يساعدهم على التطور».

وهكذا غدا قمبر ممن بزغت نجوميتهم منذ الصغر، واستطاعوا أن يشقوا طريق نجاحهم نحو التميز بجهدهم وتميزهم وحبهم للرياضة وكرة القدم بشكل خاص.

وخلال هذه المساحة، نُحاور شخصية شبابية بحرينية رياضية متميزة، شقت طريقها للنجاح والنجومية في مجال التدريب الرياضي في كرة القدم، واستطاعت أن تُثبت جدارتها باستحقاق.

«الوطن» حاورت الكابتن عزام بدر قمبر، الذي يُعد أصغر مُدرب مُساعد في البحرين للموسم الرياضي الماضي 2023-2024 حيث شغل منصب المدرب المُساعد في نادي النجمة. إلى الحوار:

البدايات مع كرة القدم كيف بدأت رحلتك مع كرة القدم؟

- بدأت رحلتي في نادي الحالة كلاعب صغير، تعلق بكرة القدم والنادي منذ صغره، كنت أذهب فقط في فترة الصيف للتدريبات وأتوقف فترة الدراسة، وأكتفي باللعب في المدرسة، كنت كطفل صغير أتمنى لو تبقى إجازة الصيف للأبد، لأن الصيف يعني التمارين في النادي، وتلك بالنسبة لي هي الحياة. كنت أحلم دائماً باللعب، وأتخيل نفسي أسجل وكيف أحتفل، كنت أحتفل بكل هدف أسجله في المدرسة.

أذكر جيداً أول مباراة ألعبها في حياتي، من خلال مباراة ودية ضد نادي البسيتين، ودخلت في الدقيقة الـ60، بعد 10 دقائق من اللعب، وصلتني كرة من خارج منطقة الجزاء، وسددتها تسديدة أتذكر كل تفاصيلها إلى هذا اليوم، وستبقى في ذهني للأبد، في الزاوية الـ90. الحلم يصبح حقيقة، احتفلت وكأنني لن أسجل هدفاً بعده.

انتهت المباراة وظلت أصداء الهدف تلاحقني، أصبح الناس القريبون مني والبعيدون يتكلمون عن موهبة في نادي الحالة كيف سجل هدفاً رائعاً. تدرجت حتى الفريق الأول، وبقيت لمدة أربع سنوات، ومررت بفترات جميلة وفترات صعبة، بقيت أصداؤها في الذاكرة.

ترك الكرة.. كيف تركت كرة القدم وماذا كان هدفك؟

- ثمانية أعوام من الدراسة المستمرة للرياضة وكرة القدم لم تكن سهلة، وواجهت خلالها الكثير من التحديات. ولكن منذ أيامي في المدرسة، كنت أملك هدفاً واضحاً وهو أن أصبح مدرباً لكرة القدم في سن مبكرة. وخلال فترات لعبي، انخرطت في دورات تدريبية رسمية بتنظيم من الاتحاد الآسيوي.

وفي تلك الفترة، جاءني اتصال من صديق عزيز يعرض عليّ فكرة أن أصبح مُحللاً فنياً في أحد الأندية وأنا في سن 22 عاماً. وكان بالنسبة لي قرار صعب في ترك اللعب والتوجه إلى التحليل الفني، ولكن ما شجعني على خوض هذه التجربة هو حلمي في خوض تجربة التدريب، ثم نظرتي وشغفي في السنوات الأخيرة من فترة اللعب. فقد كنت ألعب وأحاول قراءة اللعب ومعرفة جميع تفاصيل تحركات اللاعبين.

لعبت في ذلك الوقت مع لاعبين كبار مثل يوسف زويد وفوزي عايش وإبراهيم المشخص وحمد الدوسري. حصلت على ما أردت من اللعب، عرفت الأجواء داخل غرف الملابس، ما الذي يرضي اللاعبين، ويجعلهم يلعبون براحة، وما الذي يشتتهم، وكيف من الممكن أن تكسب محبة اللاعب وتجعله يلعب من أجلك.

وكيف أن بعض التفاصيل الصغيرة يمكن أن تجعل اللاعب يحبك أو لا. أنت لا تعلم أبداً ماذا يدور في ذهن اللاعب وأفكاره، إذا عايشته يجب عليك الاهتمام به، لأنه في النهاية شخص مثلك. بعض المدربين يتعاملون مع اللاعبين وكأنهم آلات، يريده فقط أن يؤدي داخل الملعب من دون الاهتمام بأي شيء آخر، مما يعرض اللاعب للتهميش وعدم التقدير.

التعلم من كرة القدم. ماذا تعلمت خلال مسيرتك في لعب كرة القدم؟

- تعلمت من مسيرتي أهمية أن تقدر كل لاعب لديك، لا يهم العمر، وإذا أردت أخذ العمر في الحسبان، فيجب عليك أن تهتم بالشباب الذين صعدوا حديثاً للفريق الأول قبل الكبار، الكبار يعرفون الطريق، مروا بالتجارب، يعرفون ماهية الأمور وأسلوب الحياة بسبب الخبرات التي مروا بها، بينما الشباب هم الذين يحتاجون إلى التوجيه والاهتمام والاحتواء والسؤال وبناء المستقبل.

يجب أن تزرع فيهم الثقة بالنفس، لأن اللاعب يمر في مرحلة من الشك، هل هو صالح للعب أم لا؟ هل يريدني المدرب أم لا؟ عوضاً عن الأمور الفنية، فاللاعب لديه حياته الخاصة، وظروفه ومشكلاته الاجتماعية. كرة القدم تكون حينها متنفسه الوحيد، فعدم اهتمامك به وإدخال الشك فيه في هذه المرحلة سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

البدايات التدريبية.. ما هي بداياتك التدريبية؟

- تلقيت اتصالاً من الصديق المدرب عبدالله المقهوي، وعرض عليّ فكرة الالتحاق بالتدريب والتحليل الفني في نادي النجمة، لمعرفته المسبقة بشغفي لهذه المهنة بالتحديد. وافقت وجلست معه ومع المدرب إسماعيل كرامي، وعرض عليّ أسلوبه والمهام المطلوبة مني، وأحببت طريقة العمل ودوري في المنظومة ووجدت أنها ملائمة لي.

كيف تعاملت مع اللاعبين الشباب خلال هاتين السنتين؟

- أنا أعرف جيداً شعور اللاعب الشاب، لأنني مررت بنفس الشعور. كما يقول يوهان كرويف: «الفريق لا يتعلم، الأفراد الذين في الفريق يتعلمون.» التطوير هو عملية شخصية حتى عندما تكون في بيئة الفريق. في الموسمين بنيت علاقات قوية مع اللاعبين وحرصت أولاً على معرفة شخصياتهم وتفاصيل حياتهم. حرصت على الاهتمام بهم وتطويرهم من خلال النصح والإرشاد، والتمارين الإضافية داخل وخارج الملعب، ومن خلال لقطات الفيديو والتحليل.

كيف تختار اللاعب للتوقيع معه للعب؟

- من وجهة نظري، يجب أن لا توقع مع لاعب أبداً قبل أن تتعرف على أسلوبه ونظرته للحياة، ووجهة عمله، وثقافته وبيئته الاجتماعية، ووضعه المادي، وتعامله مع المواقف، وإدارته للأزمات. يجب أن تعرف كل شيء عن اللاعب. بالنسبة لي، شخصية اللاعب أهم من أدائه. يوجد لاعبون قادة، منهم المتحدث، الكريم، الاجتماعي، الانطوائي الذي يحتاج لمعاملة خاصة. يجب عليك معرفة الشخصيات التي لديك في الفريق، ومن ثم ترى المناسب لكي تكوّن المجموعة. حينها فقط سينجح العمل ويصبح كل شيء سهلاً.

ما هي المباراة التي لا تنساها؟

- في الحقيقة، لعبنا العديد من المباريات التي لا تنسى، منها ضد الرفاع وتعادلنا في المباراتين، وضد المحرق حيث خسرنا في الدقيقة الأخيرة بسبب بعض الظروف وتعادلنا في الثانية وكان بالإمكان الفوز في المباراتين لولا بعض الظروف مثل الإصابات والطرد. أما مباراة الخالدية في القسم الأول، فقد لعبنا مباراة مثالية وتعادلنا بسبب الظروف وطرد المحترف.

ولكن الأقرب لي هي مباراة الحالة في القسم الأول، حيث كانت مباراة عاطفية بالنسبة لي. حضرت كثيراً للمباراة وفزنا بخمسة أهداف وخرجنا بشباك نظيفة. الثانية هي مباراة الخالدية في القسم الثاني، حيث حضرنا جيداً في أسبوع المباراة، وكانت التشكيلة تتضمن مزيجاً من اللاعبين من أبناء النادي والشباب وعدد قليل من المحترفين. كان فخراً لنا أن ننافس الخالدية بنجومه وتمرسه على البطولات.

لعبنا بأسلوب يحد من خطورة الخالدية وحصلنا على حلول في بناء الكرة من الخلف وأوجدنا المساحات. دافعنا جيداً ووضعنا حداً لخطورتهم. لعبنا مباراة كبيرة ضدهم رغم خسارتنا. رأيت وجوه اللاعبين الشباب بعد المباراة مليئة بالفخر والاعتزاز. صحيح أننا لم نفز، لكن بالنسبة لي، أن الفوز هو إيمان اللاعبين الشباب بأنفسهم ولعبهم لهذه المباراة بهذا المستوى، وإيمانهم بالأسلوب الذي لعبناه وتطبيقهم للتفاصيل بدقة، والثمرة الأهم بالنسبة لي هم تلك الجواهر الثمينة التي حصلت على الفرصة للعب وللمنافسة في هذه المباراة بشكل خاص وفي الموسم بشكل عام.

النظرة للتدريب.. ما هي نظرتك للتدريب ورؤيتك للنجاح؟

التدريب هو علم وفن، ومن وجهة نظري، المدرب الناجح هو الذي يستطيع مزج الاثنين معاً، ووضع الأفكار المناسبة وتوظيف الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة. التدريب هو فن التأثير على الآخرين لاستخراج أفضل ما فيهم، وفن التدريب هو معرفة متى تستخدم أسلوب التعليم ومتى تلجأ لإلهام من حولك.

الهدف من التدريب هو سد الفجوة بين إمكانيات اللاعب وقدراته وأدائه في التمارين والمباريات، ومحاولة إيصال اللاعب إلى إمكاناته الكاملة. وظيفة المدرب ليست فقط تدريب التكتيك، بل الإلهام وخلق بيئة إيجابية تساعد اللاعبين على الازدهار وفهم شخصياتهم.

النجاح ليس سهلاً، يجب أن نتقبل الكفاح، والفشل ليس مضاداً للنجاح، بل الفشل جزء لا يتجزأ من النجاح. النجاح رحلة، وحلاوة النجاح تكمن في تفاصيلها، في المعيقات ومرات الفشل والليالي الطويلة بمفردك. في الحقيقة، لا توجد أسرار للنجاح؛ هو فقط نتيجة للتحضير والعمل الجاد والتعلم من الفشل، والشعور بالنجاح يكون في الرحلة وليس في الوجهة. بالنسبة لي، لا أعتبر ما حققته نجاحاً باهراً، بل هي فقط انطلاقة لي ومحطة من محطات الحياة الكثيرة.

ما هي أهدافك المستقبلية؟

- هدفي هو مواصلة التعلم، والوصول إلى أفضل نسخة من نفسي، وتطوير اللاعبين وتغيير حياة الأشخاص للأفضل. في التدريب، أود بكل تأكيد الاحتراف الخارجي، وأن أصبح مدرباً محترفاً.

نصيحتك للمدربين في الجيل القادم؟

- من يريد التدريب ويحب كرة القدم، عليه أن يبدأ الدراسة في سن مبكرة، حتى لو كان يلعب. يلتحق بالدورات التدريبية المتوفرة من الاتحادات الرياضية ولا يتوقف عن التعلم. ضع جهدك في أشياء تشعر أن مستقبلك فيها. بالنسبة لغير اللاعبين، إذا أردتم الالتحاق بمجال التحليل أو التدريب، فالمجال مفتوح من خلال دورات الاتحاد البحريني لكرة القدم. أؤكد دائماً على أهمية الدراسة في مجال التخصص، وتعلم الأشياء الجديدة، والبقاء على اطلاع دائم بكل شيء جديد. لا تركز فقط في كرة القدم وتنسى أو تهمل كل شيء آخر، بل ابحث عن كرة القدم في كل شيء. وتذكر أن النجاح سعادته في الرحلة، وليس في الوصول.

هل من كلمة أخيرة؟

- أود أن أشكر أهلي وأصدقائي على دعمهم الدائم لي، وخصوصاً والدي على وقفته الدائمة ودعمه لي في جميع الظروف والأوقات. يعجز اللسان عن وصف الفضل الكبير لوالدي الذي كان ولا يزال الداعم الأول لي، وأمي التي لها فضل كبير عليّ، ولكل من ساعدني في الانطلاق في هذه الرحلة الجميلة، منهم المدرب عبد الله المقهوي على دعمه الدائم والمستمر، والمدرب إسماعيل كرامي على إعطائي الفرصة والثقة لدخول عالم التدريب.

كما أشكر جريدة الوطن على هذا الحوار لإبراز المواهب الشبابية الصاعدة في المجال الرياضي والتدريبي بشكل خاص.

نحن نمتلك كوادر فنية على أعلى مستوى في كرة القدم، ولكن تفتقر الكوادر للدعم والتشجيع. ربما توجد أشياء قليلة، لكن لا تذكر مقارنة بالشيء الذي فعلوه وهو شيء لا يعتبر سهلاً. نحن كمدربين شباب بدأنا من أجل كرة القدم، ولدينا أحلام وطموحات كثيرة، وكلنا نسعى لتحقيق أحلامنا وطموحاتنا ورفع اسم مملكتنا الغالية في المحافل الدولية.