في العقد الأخير، عاشت كرة القدم المغربية واحدة من أكثر فتراتها ازدهارًا في التاريخ، حيث تحولت من طموحات مشروعة إلى واقع ملموس تُجسده الألقاب والإنجازات القارية والعالمية، على مستوى المنتخبات الأولى ومختلف الفئات العمرية، وصولًا إلى التتويج الأحدث بلقب النسخة الحادية عشرة من كأس العرب FIFA قطر 2025، الذي أكد أن ما تحقق لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة مشروع كروي متكامل.
مشروع استراتيجي ورؤية واضحة
بدأ التحول الحقيقي للكرة المغربية مع اعتماد استراتيجية شاملة من قبل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ارتكزت على تطوير البنية التحتية، وتكوين المواهب، والاهتمام بالفئات السنية، إلى جانب الاحتراف الإداري والفني. وقد لعب مركب محمد السادس لكرة القدم دور القلب النابض لهذا المشروع، باعتباره منصة حديثة لإعداد اللاعبين والمدربين وفق أعلى المعايير الدولية.
التألق القاري: سيطرة مغربية متصاعدة
على الصعيد الإفريقي، رسخ المنتخب المغربي مكانته كقوة كروية كبرى، بعدما تُوج بلقب كأس أمم إفريقيا للمحليين 2018 و2020 و2025، مؤكدًا عمق قاعدة اللاعبين المحليين وجودة البطولة الوطنية.ولم يتوقف التألق عند هذا الحد، إذ واصل "أسود الأطلس" حضورهم القوي في مختلف المنافسات الإفريقية، سواء على مستوى المنتخب الأول أو منتخبات الشباب والناشئين.
إنجاز تاريخي في كأس العالم 2022
بلغ الطموح المغربي ذروته في كأس العالم قطر 2022، حين كتب المنتخب الأول صفحة غير مسبوقة في تاريخ الكرة العربية والإفريقية، ببلوغه نصف النهائي واحتلاله المركز الرابع عالميًا.هذا الإنجاز لم يكن مجرد نتيجة رياضية، بل شكل نقطة تحول في نظرة العالم لكرة القدم المغربية، وأثبت قدرة اللاعب المغربي على منافسة أكبر المدارس الكروية عالميًا.
تفوق الفئات السنية: استدامة النجاح
ما يميز التجربة المغربية هو استمرارية الإنجاز عبر الأجيال. فقد تُوج منتخب تحت 23 عامًا بلقب كأس أمم إفريقيا 2023، ليؤكد أن المستقبل لا يقل إشراقًا عن الحاضر. كما حقق منتخب تحت 17 عامًا لقب كأس أمم إفريقيا 2025، في إنجاز يعكس نجاح سياسة التكوين واكتشاف المواهب مبكرًا.
وعلى الصعيد العالمي، واصل المغرب حضوره اللافت، حيث تُوج بلقب كأس العالم للشباب 2025، ليضع نفسه ضمن نخبة الدول المنتجة للمواهب الكروية.
الحضور الأولمبي والإنجاز العالمي
في أولمبياد باريس 2024، أضافت الكرة المغربية إنجازًا جديدًا بحصد الميدالية البرونزية، في تأكيد إضافي على قدرة المنتخبات الشابة على مقارعة كبار العالم في أكبر المحافل.
تتويج عربي يؤكد الزعامة
وجاء مسك الختام بتتويج المنتخب المغربي بلقب النسخة الحادية عشرة من كأس العرب FIFA قطر 2025، ليؤكد زعامته عربيًا، ويبرهن على عمق الخيارات الفنية وتنوع الأسماء القادرة على المنافسة وتحقيق الألقاب. فهذا التتويج لم يكن معزولًا عن السياق العام، بل امتدادًا طبيعيًا لمسار طويل من العمل والتخطيط.
خلاصة المشهد
إن تطور الكرة المغربية لم يعد مجرد حالة نجاح عابرة، بل نموذج يُحتذى به في كيفية بناء منظومة كروية متكاملة، تجمع بين التخطيط، التكوين، والاستثمار في الإنسان قبل كل شيء.وبين أمجاد الماضي القريب وطموحات المستقبل، تبدو الكرة المغربية اليوم في موقع متقدم، قادرة على الحفاظ على مكتسباتها، ومؤهلة لمزيد من الإنجازات قارياً وعالميًا، مدفوعة بثقة الإنجاز وروح التحدي.