إرم نيوز + فايننشال تايمز البريطانية
خلصَ تحقيقٌ استقصائي لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الى أن ”لندن هي عاصمة الأموال القذرة في العالم بدون منازع ،بنت نظامها القانوني والمالي بتشكيلات تجعل منها مكانًا مثاليا لاستقطاب الأموال القذرة وغسلها، وجعلت من العلاقة بين الامبراطوريتين البريطانية و السوفيتية قصة ملتبسة قوامها أموال مُسمّمة للديمقراطية بتريلونات الدولارات“.

تصنيفات مثيرة للشكوك

واللافت أن ما ذكرته الصحيفة من معلومات صادمة يأتي وسط صمت كامل من الهيئات الغربية المعنية بهذه القضايا والتي تركز على دول أخرى مثل الإمارات والأردن وغيرها بينما تلوذ بالصمت تجاه الدول الغربية المؤثرة وهو ما يثير علامات استفهام كبرى حول مصداقية تصنيف هذه الهيئات.

وعلى سبيل المثال تدرج مجموعة العمل المالي “فاتف” المعنية بمراقبة الجرائم المالية العالمية، الإمارات والأردن ودول عربية أخرى على قائمتها الرمادية لكنها تلوذ بالصمت تجاه ما كشفته الصحيفة من ممارسات تجري في بريطانيا بشكل يثير الشكوك حول مثل هذه التصنيفات.

تحقيق موثق

وفي التحقيق الذي وثّقته بشريط تلفزيوني بعنوان“ هكذا أصبحت لندن عاصمة الأموال القذرة في العالم“، عرضت الفايننشال تايمز كيف أن ”لندن وعلى مدار عقود عديدة، جعلت من نفسهاحاضرة ترحيبية للفاسدين والمجرمين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الروس“ ،حتى إذا انتهى الأمر الآن الى معاقبة نظام الرئيس فلاديمير بوتين على غزوه لأوكرانيا تبيّن أن فعالية هذه الاجراءات أمرٌ مشكوك فيه“.

يعرض التقرير كيف استثمر رجال الأعمال والشركات الروسية في لندن منذ عقدين ، بتشجيع من السياسيين البريطانيين من جميع الأطياف . لم تغضّ المملكة المتحدة الطرف عن الأموال الروسية فحسب، بل رحبت بها وعززت مركزها المالي المنفتح بقواعد قانونية ومالية مطبقة جيدًا وواضحة تماما تجعل من مدينة لندن مكانًا رائعًا لجلب الأموال القذرة وغسل الثروة. وأضافت :“ يبدو أن المملكة المتحدة فقدت البوصلة الأخلاقية تمامًا.

لعبة الأفشور وغضّ النظر

ويصوّر التقرير ما حصل بأنه ”قصة إمبراطوريتين ، البريطانية والسوفيتية. فقد احتفظت الإمبراطورية البريطانية أثناء تراجعها – خلال العقود الماضية- بالعديد من بؤر الاوفشور الاستيطانية ، ومنها جزر فيرجن البريطانية ، وجزر القنال. كان الغرض توفير السرية المالية ، والشركات الوهمية ، وتمويه الشركات ، ليتاح للناس التحرك عبر الاقتصاد المعولم دون ترك بصماتهم على أي شيء، ضمن صناعة الاوفشور التي تحركها عدة تريليونات من الدولارات المحشوّة بالأموال القذرة“.

تأهيل بيئة لندن للفساد المالي

يشير التقرير الى انه على مدى العقدين الماضيين ، رحبت المملكة المتحدة فعلا بالأموال الروسية بجميع أنواعها : شركات المحاماة ، ووكلاء العقارات ، والحكومة.

وهناك تصريحات مسجلة من بوريس جونسون ، رئيس الوزراء ، منذ أن كان عمدة لندن ، تقول إنه يريد جعل لندن مركزًا للأموال الروسية. كما رحبت البورصة بالكثير من الشركات الروسية ، وأرادت منهم جعل المملكة المتحدة ولندن قاعدتهم الأوروبية.

وعرض التقرير نماذج مما كان يحصل من جلب للأموال القذرة إلى مدينة لندن ودمجها في النظام عن طريق شركات صورية متصله بمراكز الاوفشور وخلال 24 ساعة ،حيث لا تزيد كلفة العملية عن 12 جنيهًا إسترلينيًا“ ولا أحد يتحقق من المعلومات“ .

صحيح انه من المفترض أن تخبر سجل الشركات عن المالكين الحقيقيين ، والمالكين المستفيدين من الشركات لكن من الناحية العملية ، سهل جدا التهرب من هذه القواعد حيث لا أحد يلاحق الشركات التي تكذب . يمكنك طرح أي اسم وإخفاء هويتك، كما يقول التقرير.

وقد شارك في هذه العمليات ، للحصول على الثروة الفاسدة ونقلها حول العالم ،حوالي 86 بنكًا، حيث يحتمل أن تكون الأموال النقدية قبل وصولها الى لندن قد مرت بالفعل عبر اثنين من الأقاليم البريطانية فيما وراء البحار مثل جزر فيرجن البريطانية.

وتأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة عندما تريد دمج ثروتك في نظام المملكة المتحدة. في شراء الأصول ستجد وفرة من المحامين ووكلاء العقارات لمساعدتك القيام بذلك.وبمجرد حصولك على النقود في لندن ، يمكنك بعد ذلك استخدامها بشكل أساسي كما لو كانت نظيفة.

ويمكنك في بريطانيا امتلاك عقارات من خلال شركة صورية ،محلية أو خارجية. وإذا كنت تمتلكها بالفعل من خلال شركة صورية خارجية ، فلا يتعين عليك تحديد من يملك حقًا هذا العقار. فالمحامون متواجدون لتقديم المشورة بشأن هذه المعاملات المعقدة ، والتي تخلق بنية ملكية غير شفافة لبعض من أكثر المنازل قيمةً في المملكة المتحدة.

فما يقرب من 84000 منزل في المملكة المتحدة مملوكة بشكل مجهول. وقد حدد تقرير الفايننشال تايمز 6.7 مليار جنيه إسترليني من الممتلكات البريطانية التي تم شراؤها بثروة مشبوهة. ويشير الى ان حوالي 150 سند ملكية بحوالي 1.5 مليار جنيه استرليني تم شراؤها من قبل أفراد روس متهمين بالفساد أو لديهم صلات وثيقة بالكرملين. ووجد ما قيمته 830 مليون جنيه إسترليني من ممتلكات المملكة المتحدة مملوكة لأفراد روس من خلال شركات وهمية مقرها في تبعيات تاجنا وفي أقاليم ما وراء البحار.

وحتى لو أردت الدفاع عن ثروتك وسمعتك، فإن مدينة لندن هي المكان المثالي للذهاب إليه ، كما يقول التقرير. فالقوانين ودية للغاية للمدعين ، وتجعل المحكمة العليا مكانًا مثاليًا لرفع دعاوى المسؤولية الضخمة. وهذا ما حصل عندما حاول بعض الصحفيين الاستقصائيين فضح الاوليغارشية الروسية، ليجدوا أن المحامين أنفسهم حاولوا اسكاتهم، وهو ما يصفه التقرير بأنه نظام الكليبتوقراطية الذي يتحكم بالبيئة المالية البريطانية مثل الفيروس ويجعلها موصومة بغسل الأموال القذرة والمساعد في تسهيل الفساد العالمي.