عقدت هيئة التنظيم المالي في الصين اجتماعاً طارئاً مع مصارف محلية وأجنبية لمناقشة كيفية حماية الأصول الخارجية للبلاد من العقوبات الغربية، على غرار تلك المفروضة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا.

ويشعر مسؤولون صينيون بقلق من إمكانية اتخاذ الإجراءات ذاتها ضد بكين، في حال نشوب نزاع عسكري إقليمي أو أزمة أخرى.

وتمسّكت حكومة الرئيس الصيني شي جين بينج بدعمها القوي لنظيره الروسي فلاديمير بوتين طيلة الأزمة، ولكن مصارف وشركات صينية لا تزال حذرة من التعامل مع مؤسسات روسية، خشية التعرّض لعقوبات أميركية، كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، الأحد.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاجتماع الذي عُقد مؤخراً ضم مسؤولين من المصرف المركزي الصيني ووزارة المال الصينية، إضافة إلى مديرين تنفيذيين من عشرات المصارف المحلية والدولية، مثل "إتش إس بي سي".

محادثات أمريكية بريطانية

ونقلت "فايننشال تايمز" عن مصادر مطلعة، أن "الولايات المتحدة أجرت محادثات رفيعة المستوى مع بريطانيا بشأن كيفية تعزيز تعاونهما لتقليص فرص نشوب حرب مع الصين بشأن تايوان، وبحث خطط طوارئ للصراع لأول مرة".

وأضافت الصحيفة أن منسق البيت الأبيض لمنطقة المحيطين الهندي والهادي كورت كامبل، وكبير مسؤولي مجلس الأمن القومي لشؤون الصين وولورا روزنبرجر، عقدا اجتماعاً في تايوان مع ممثلين لبريطانيا في أوائل مارس الماضي.

تأهب صيني

وأعلنت وزارة المال الصينية خلال اجتماع هيئة التنظيم المالي أن كل المصارف الأجنبية والمحلية الكبرى العاملة في الصين كانت ممثلة في اللقاء.

ولفتت الصحيفة أن الاجتماع بدأ بتصريحات أدلى بها مسؤول بارز في وزارة المال، أشار فيها إلى تأهب حكومة شي جين بينج نظراً لقدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تجميد أصول المصرف المركزي الروسي بالدولار.

المسؤولون والمشاركون في الاجتماع لم يتطرّقوا إلى سيناريوهات محددة، ولكن يُعتقد أن غزواً صينياً لتايوان هو أحد الأسباب المحتملة لفرض عقوبات مشابهة، إذ تعتبر الصين الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتلوّح باستعادتها، ولو بالقوة إذا لزم الأمر.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن مصدر قوله: "إذا هاجمت الصين تايوان سيكون فصل اقتصاد الصين عن اقتصادات الغرب أكثر حدة بكثير من الفصل عن روسيا، لأن البصمة الاقتصادية للصين تمسّ كل جزء من العالم".

وقال أندرو كوليير، المدير التنفيذي لشركة "أورينت كابيتال ريسيرتش" في هونج كونج، إن الحكومة الصينية محقة في قلقها لأن "لديها بدائل محدودة جداً، ولأن العواقب كارثية" للعقوبات المالية الأميركية.

3.2 تريليون دولار

وسأل منظمون ماليون بارزون، من بينهم يي هويمان رئيس "هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية"، وشياو جانج الذي ترأس الهيئة بين عامَي 2013 و2016، المصرفيين المشاركين في الاجتماع، عما يمكن فعله لحماية الأصول الخارجية للبلاد، لا سيّما احتياطاتها الأجنبية البالغة 3.2 تريليون دولار.

وتتراوح الأرصدة الضخمة للصين، المقوّمة بالدولار، بين سندات خزانة أميركية ومبانٍ لمكاتب في نيويورك بأكثر من تريليون دولار. وتمتلك "مجموعة داجيا للتأمين"، المملوكة للدولة الصينية، فندق "والدورف أستوريا" في نيويورك.

وأشار مصدر آخر إلى أن "أحداً لا يمكنه التفكير في حل جيد للمشكلة"، مضيفاً: "النظام المصرفي الصيني ليس مستعداً لتجميد أصوله بالدولار أو إقصائه من نظام سويفت للمدفوعات المالية، كما فعلت الولايات المتحدة مع روسيا".

"دمار متبادل"

واقترح مصرفيون أن يطالب المصرف المركزي الصيني المصدّرين بإبدال كل عائداتهم من العملات الأجنبية باليوان، من أجل زيادة حيازاتهم المحلية من الدولار، علماً أن السلطات تسمح للمصدّرين بالاحتفاظ بجزء من أرباحهم بالعملات الأجنبية لاستخدامها لاحقاً، بحسب "فايننشال تايمز".

واقترح آخرون إجراء خفض "ضخم" في حصة تبلغ 50 ألف دولار، يُسمح للمواطنين الصينيين بشرائها كل عام، من أجل استخدامها للسفر إلى الخارج والتعليم ومشتريات أخرى من الخارج.

سأل مسؤول صيني مسؤولين مصرفيين في بلاده إذا كانوا يستطيعون تنويع أصولهم بحيث تشمل مزيداً من الين الياباني أو اليورو، فأجابوا أن الفكرة ليست عملية.

وكان مصرفيون مشاركون في الاجتماع قد شككوا في قدرة واشنطن على تحمّل قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين، بوصفها ثاني أضخم اقتصاد في العالم، إضافة إلى أرصدتها الضخمة من الأصول بالدولار، وعلاقاتها التجارية الوثيقة بالولايات المتحدة.

وقال كوليير في هذا الصدد: "يصعب على الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات شديدة على الصين. الأمر مثل دمار متبادل أكيد في حرب نووية".