تدرس الولايات المتحدة فرض عقوبات على رجل أعمال بريطاني من أصل عراقي، وشبكة من الشركات يشتبه بضلوعهم في عمليات تهريب وإعادة تصدير النفط الإيراني، وذلك كجزء من جهود واشنطن لفرض مزيد من الضغوط الدبلوماسية على طهران بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.وقالت الصحيفة في تقرير، الأحد، إن الشركات والأفراد الخاضعين للتدقيق "يستخدمون عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الواقعة بين العراق وإيران كما يزورون المستندات لإخفاء المكان الأصلي الذي خرجت منه الشحنة"، بحسب وثائق الشركات وبيانات الشحن التي اطلعت عليها "وول ستريت جورنال"، وكذلك الأشخاص المطلعين على الأمر.وأشارت الصحيفة إلى أنه "من خلال تمرير مزيج النفط على أنه عراقي، يمكن للأفراد والشركات المنخرطين في العملية تجنب العقوبات الغربية التي تستهدف النفط الإيراني".ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين مطلعين على القضية، قولهم إن "خطط استهداف هذه الأنواع من عمليات التهرب من العقوبات تمثل معضلة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي توازن بين الرغبة في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، والتعامل مع ارتفاع معدلات التضخم الذي يرجع، في جزء منه، للعقوبات الدولية المفروضة على روسيا التي تعد أحد عمالقة تصدير النفط في العالم".وقال بعض المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين إنه "على الرغم من ذلك، فإن إدارة بايدن أوقفت حملة واسعة النطاق لتفعيل العقوبات وذلك من أجل إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018" بحسب الصحيفة.وأشار مسؤول كبير في إدارة بايدن إلى أنه "طالما أن الإيرانيين لا يقبلون العرض المتاح على الطاولة للعودة إلى الاتفاق النووي، فأتوقع أننا سنستمر في رؤية تنفيذ مثل هذه الإجراءات بشكل منتظم في المستقبل".ولفتت الصحيفة إلى أن مجلس الأمن القومي الأميركي قام بتحويل الأسئلة التي طرحتها عليه إلى وزارة الخارجية الأميركية، التي قال متحدث باسمها إن "أي تكهنات بأن الإدارة ستقوم بوقف العقوبات المفروضة على إيران لتجنب ارتفاع التضخم هي تكهنات خاطئة".ومن جانبه، قال روبرت جرينواي، المسؤول السابق عن سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلال إدارة ترمب، إن "عمليات التهرب من العقوبات الإيرانية عبر العراق، من خلال مزج النفط الإيراني والعراقي لإخفاء مصدره، كانت تمثل 25٪ من صادرات طهران عندما كان في مجلس الأمن القومي عام 2020".ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن وثائق وموظفين سابقين، فإنه "تم شراء الكثير من النفط الإيراني الممزوج، والذي يشمل النفط الخام والمكرر، من قبل عملاء في آسيا"، كما شاركت شركات غربية مثل "إيكسون موبل" و"كوخ" و"شيل" أيضاً في هذه المعاملات، إذ قامت هذه الشركات إما بإجراء معاملات للشركات المشاركة في عملية خلط النفط، بصفتهم طرف ثالث يقوم بدور الوساطة للشحن، أو أنهم قاموا بشراء النفط المخلوط بأنفسهم.وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه لا توجد ادعاءات بأن هذه الشركات الغربية تعمدت انتهاك العقوبات المفروضة على طهران، ومن جانبها، رفضت كلا من "إكسون" و"كوخ" التعليق على الأمر.وقال المتحدث باسم "شل" كيرتس سميث إن "الشركة تدرس البيانات السابقة لتقييم كيف يمكن لهذه الممارسات أن تؤثر على شحناتها"، مؤكداً أن "الشركة ملتزمة بالامتثال التام لجميع القوانين الدولية المعمول بها، وضوابط التجارة والعقوبات".ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، فإن "المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الرجل الذي يقف وراء عملية مزج النفط هذه هو سالم أحمد سعيد، وهو مواطن بريطاني من أصل عراقي، وعدد من الشركات التي تشترك مع شركاته في ذات العناوين والبريد الإلكتروني، بما في ذلك شركة "العراقية لخدمات النقل والتجارة النفطية" والمعروفة باسم "AISSOT".وفي رده على رسائل بالبريد الإلكتروني، قال سعيد للصحيفة الأميركية "أملك شركتي (Ikon Petroleum) و(Rhine Shipping) ولكني لست مالك (AISSOT)، ولم تقم شركاتي بشحن النفط الإيراني أو انتهاك العقوبات الأميركية على الإطلاق، كما أن معاملاتي كافة مع العراق كانت مشروعة تماماً".ويعتقد المسؤولون الغربيون أن عمليات التهرب من العقوبات المزعومة التي قام بها سعيد، تعود إلى ما بعد وقت قصير من إعلان إدارة ترمب في منتصف عام 2017 أنها تدرس إعادة فرض عقوبات شاملة ضد إيران لإجبار طهران على الدخول في اتفاق نووي جديد.وقبل وقت قريب من ذلك الإعلان، ساعد وزير النفط العراقي آنذاك، جبار علي حسين اللعيبي، في إنشاء شركة جديدة لتكون المصدر الوحيد للنفط في البلاد.وكانت "الشركة العراقية لخدمات النقل" بمثابة مشروع مشترك بين شركة ناقلات النفط العراقية المملوكة للدولة، و"الشركة العربية البحرية لنقل البترول" والتي تضم بين ملاكها الأساسيين دولاً خليجية عدة، وفقاً للأشخاص الذين تحدثوا مع الصحيفة والوثائق التي اطلعت عليها.وقال اللعيبي في ذلك الوقت إن هذا المشروع المشترك "سيجعل العراق لاعباً دولياً رئيسياً في قطاع شحن الطاقة"، فيما يقول مسؤولون أميركيون وعراقيون حاليون وسابقون إن "المشروع كان بالفعل وسيلة لمساعدة إيران على تصدير النفط"، بحسب الصحيفة.وقال مسؤول غربي سابق مطلع على عمليات الشركة العراقية: "صحيح أنهم يصدرون منتجات الطاقة العراقية، ولكن نسبة 10 إلى 15 في المئة من دخل الشركة الحقيقي كانت من صادرات النفط الإيرانية".وفي بيان أصدرته عام 2020، نفت "AISSOT" أن تكون هي أو الشركات التابعة لها متورطة في أي أنشطة خاضعة للعقوبات، بما في ذلك تجارة صادرات الطاقة الإيرانية، ووصفت الادعاءات بأنها "كاذبة ولا أساس لها"، فيما رفضت الشركة التعليق لـ"وول ستريت جورنال".ووفقاً لوثائق الشركة، فإن سعيد غير مُدرَج كمسؤول عنها أو مالك لها، ولكن العديد من كبار الموظفين السابقين فيها قالوا إنه هو مَن يديرها.ونقلت الصحيفة عن شخص يدعى مهند علوان قال إن "سعيد هو مَن يدير الشركة بأكملها"، موضحاً أنه تم تعيينه من قبله لرئاسة عمليات الشركة في العراق حتى منتصف عام 2020، مشيراً إلى أن سعيد أخبره أن الإيرانيين لديهم حصة من ملكية "AISSOT".ووفقاً للموظفين السابقين في الشركة والوثائق والسجلات، فإن شركات سعيد، بما في ذلك "Ikon Petroleum"، كانت تشارك بشكل أساسي في عمليات "AISSOT" ولديهم عناوين مشتركة، كما أكد الموظفون السابقون أنه كان يتم استخدام شحنات النفط العراقي التابعة للشركة في بيع الخام الإيراني سراً.ووفقاً للأشخاص الذين تحدثوا إلى الصحيفة والوثائق التي اطلعت عليها، فإن "AISSOT" والشركات الأخرى التابعة لسعيد، قامت بمزج النفط العراقي والإيراني باستخدام عمليات النقل من سفينة إلى أخرى في المياه الواقعة بين البلدين.وقال الموظفون السابقون إن الناقلات كانت تتوقف عن إظهار مواقعها أثناء طريقها عبر الخليج ثم تستخدم وثائق مزورة لتسجيل الشحنة على أنها عراقية.وقال الرئيس السابق لعمليات "AISSOT" في العراق علوان إن "معظم النفط الممزوج الذي كان على متن السفن إيراني، ولكن تم إخفاء مصدره عن طريق تزييف الوثائق، إذ كان المهربون يحصلون على وثائق عراقية أو عمانية لمنتجات النفط الإيرانية المهربة".ولفتت الصحيفة إلى أن إحدى السفن التي يُعتقَد أنها متورطة في الأمر كانت ناقلة تسمى "بابل" والتي تظهر بيانات الشحن أنها تم تشغيلها في الفترة بين 2017 وأغسطس 2020 بواسطة شركة "Rhine Shipping DMCC"، وهي شركة يملكها سعيد، ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، وموظفين سابقين وبيانات الشحن فإن "AISSOT" استأجرت "بابل" لإجراء عملياتها خلال ذلك الوقت.ووفقاً لسجلات الشركة وبيانات الشحن، فإنه في مارس 2020، قامت الناقلة "بولاريس 1" المملوكة لإيران بتحميل 231 ألف برميل من النفط، تبلغ قيمتها حوالي 9 ملايين دولار، على متن "بابل"، وذلك في عملية نقل من سفينة إلى أخرى.كما تُظهر بيانات شحن منفصلة أن "بابل" قامت خلال الفترة ذاتها أيضاً بتسليم النفط في المياه العراقية إلى ناقلة مملوكة لشركة "Da Li Hu" وهي عملاقة الشحن الصيني المملوك للدولة، والتي كانت خاضعة للعقوبات أيضاً في ذلك الوقت.وبدأت عمليات "AISSOT" في الخضوع للتدقيق بعد أن بدأ مجلس مكافحة الفساد التابع للحكومة العراقية تحقيقاً في منتصف عام 2019 في الأمر، وذلك وفقاً لسجلات الحكومة العراقية التي اطلعت عليها "وول ستريت جورنال".وفي فبراير 2020، أنهت الحكومة العراقية اتفاقية المشروع المشترك مع "AISSOT"، ولكن سجلات الشحن تظهر أن شركة تسويق النفط المملوكة للدولة واصلت العمل مع الشركة حتى عام 2021 على الأقل.