استبعدت الولايات المتحدة أي خطط للإفراج عن أي من الأصول المجمدة للمصرف المركزي الأفغاني البالغة نحو 7مليارات دولار، كما علّقت محادثاتها مع حركة طالبان بشأن هذه الأموال، بعد قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول، مشيرة إلى أنها ستبحث عن "سبل لإفادة شعب أفغانستان بشكل مباشر"، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان توم ويست، قوله: "إننا لا نرى إعادة رسملة البنك المركزي الأفغاني كخيار على المدى القريب".

وأضاف ويست الذي استعان بمسؤولين بنكيين لأشهر عدة قبل التوصل لاستنتاجه: "ليس لدينا ثقة في أن هذه المؤسسة (البنك المركزي الأفغاني) لديها ضمانات ومراقبة مفعلة لإدارة الأصول على نحو مسؤول".

وتابع: "لا داعي للقول إنّ إيواء طالبان لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، يعزز مخاوفنا العميقة بشأن تحويل الأموال إلى الجماعات الإرهابية".

وقالت إدارة بايدن في وقت سابق إنها تبحث "الإفراج عن نصف مبلغ الـ7 مليارات دولار" الذي تحتفظ به لصالح الشعب الأفغاني، مع تنحية النصف المتبقي جانباً بانتظار ما ستسفر عنه دعاوى التعويض المرفوعة من قبل أقارب ضحايا 11 سبتمبر.

وبحض البيت الأبيض أيضاً استخدام صندوق ائتماني مقترح بقيمة 3.5 مليار دولار لتغطية تكاليف المساعدات الإنسانية، وضخ الأموال في البنك المركزي الأفغاني المتعثر، شرط أن يضمن البنك أوجه إنفاق هذه الأموال، لكن هذين الخيارين "غير مطروحين في الوقت الحالي"، حسب الصحيفة.

في السياق ذاته، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض، إن الحكومة واصلت إجراء محادثات طويلة الأمد مع دول أجنبية أخرى بشأن إنشاء صندوق لإدارة الاحتياطيات بما يخدم مصالح الشعب الأفغاني.

وأوضحت أنه "لم يطرأ أي تغيير على نهجنا الذي كان ولا يزال يركز على إيجاد طريقة لينتفع الشعب الأفغاني بهذه الأموال، دون حكام طالبان".

"تداعيات كارثية"

على الجانب الآخر، قال شاه محرابي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأفغاني، الذي عُين في وقت سقوط الحكومة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، إن قرار الاحتفاظ بالأموال داخل الولايات المتحدة "قد تكون له تداعيات كارثية على حياة الشعب الأفغاني" الذي يعاني بالفعل.

وأضاف محرابي، الذي يعمل أيضاً أستاذاً للاقتصاد في "كلية مونتجمري" في ميريلاند، أنه "لن يتمكن كثير من النساء والأطفال الفقراء من شراء الخبز وغيره من ضروريات الحياة"، مؤكداً أن "هذه الاحتياطيات ملك للبنك المركزي، ويجب استخدامها لخدمة السياسة النقدية".

يأتي هذا القرار على عكس المؤشرات المبكرة عن التقدم الذي أحرزته المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، كما يوجه ضربة قاصمة لآمال التعافي الاقتصادي في أفغانستان، حيث يرزح ملايين الأفغان تحت نير الجوع بعد عام من حكم الحركة.

وكشفت الغارة الأميركية، التي أسفرت عن قتل الظواهري أواخر الشهر الماضي، عن وجود انقسامات عميقة في صفوف طالبان، فيما أثارت مخاوف غربية بشأن عودة انطلاق شبح الإرهاب العالمي من أفغانستان.

وتأتي أحدث انتكاسة في العلاقات بين حكام أفغانستان الجدد والغرب في وقت حتفل فيه طالبان بمرور عام على عودتها إلى السلطة، بعد إسقاط حكومة كابول التي دعمتها واشنطن في أغسطس الماضي 2021.

وعلى الرغم من الآمال المبكرة التي حدت العالم بشأن تغير الحركة، سرعان ما عاودت طالبان تنفيذ بعض سياساتها التي أسهمت في عزلها خلال الفترة الأخيرة لوجودها في السلطة قبل 20 عاماً، مثل منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس، وإقصاء النساء عن معظم الوظائف الحكومية، وحظر سفرهن.

تعليق المحادثات

وقال مسؤولون أميركيون إنه لا توجد محادثات مخططة بين الولايات المتحدة وطالبان بشأن الموضوعات الأخرى ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين.

ومن أبرز هذه المسائل في واشنطن إطلاق سراح المهندس المدني الأميركي مارك فريريتش، الذي تحتجزه الحركة منذ أكثر من عامين.

وفي المقابل، تطالب طالبان بإطلاق سراح بشير نورزاي، أحد أباطرة تجارة المخدرات في أفغانستان، الذي تربطه علاقات وثيقة بالحركة. ويقضي نورزاي حالياً عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة لمحاولته تهريب هيروين بقيمة 50 مليون دولار إلى البلاد.

وتحرص طالبان على الحصول على اعتراف دولي بها، إلى جانب رفع العقوبات والإفراج عن مليارات الدولارات من أصول البنك المركزي من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والخروج من نفق ارتفاع معدلات التضخم، وتعثر النظام المصرفي، وإحجام الشركات الأجنبية عن إبرام تعاملات مع أفغانستان خوفا من الاصطدام بالعقوبات الدولية التي تستهدف قادة طالبان.

ولكن هذا التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والحركة المتشددة، ظهر بجلاء عقب مقتل زعيم القاعدة إثر غارة بطائرة مسيرة أميركية وسط كابول نهاية يوليو الماضي، وفي حين سارعت طالبان إلى إدانة الهجوم على الأراضي الأفغانية، لكنها استغرقت أياماً للرد على اتهامات بأنها تأوي زعيماً إرهابياً.

في هذا الصدد، قال إبراهيم بحيس، الخبير الأفغاني في "مجموعة الأزمات الدولية" إن "هناك مستوى من الفهم بأن المواجهة مع القاعدة، خاصة إذا لم يكن وراءها مبرر جيد، قد تؤدي إلى تفتيت الحركة، وهذا ما يمنع اتخاذ أي إجراء قوي ضد القاعدة".

وأضاف: "إذا اختارت القاعدة قائداً جديداً خارج أفغانستان، فقد تتنفس طالبان الصعداء".

عدم التوصل لاتفاق

من جانبه، قال المبعوث الأميركي السابق لأفغانستان زلماي خليل زاده في مقابلة عبر الهاتف، لموقع "أكسيوس" إنه "من المؤسف للغاية أننا لم نستطع التوصل إلى اتفاق سياسي قبل دخول طالبان".

وأشار إلى أنّه كان لا يزال هناك "بصيص من الأمل" في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة حتى 15 أغسطس 2021.

وأوضح خليل زاده أنّ طالبان وافقت على وقف زحفها إلى كابول، والتقت وفداً من كبار السياسيين الأفغان، ضم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، لكن هروب الرئيس أشرف غني "ترك فراغاً".

وأضاف أن طالبان عرضت في البداية أن تترك مؤقتاً للجيش الأميركي مهمة تأمين كابول.

لكن قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" آنذاك، الجنرال كينيث ماكنزي، شهد في وقت لاحق بأنه "لم يكن هناك عرضاً رسمياً من قبل طالبان"، وأنه "لم يكن لدينا الموارد اللازمة للاضطلاع بهذه المهمة"، بحسب الموقع.

وأشار الموقع إلى أنّه في 2018، عين الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، الدبلوماسي المخضرم المولود في أفغانستان، خليل زاده، كممثل خاص للمصالحة في أفغانستان، ومع قدوم بايدن إلى البيت الأبيض لم يبرح زاد منصبه، وكلا الرئيسين أرادا الخروج من أفغانستان.

وقال زاده إنّه كان ينظر إلى وجود القوات الأميركية باعتباره "مصدر النفوذ الأساسي لواشنطن على الحركة"، فيما ارتأى كلا الرئيسين أنه كان "عبئاً".

وقال خليل زاده إنّه أكد وآخرون على الصعيد الداخلي أنّ بايدن يجب أن يترك بعض القوات الأميركية في أفغانستان حتى تلبية شروط بعينها، وبخاصة "التوصل إلى شكل من أشكال الاتفاق بين الأفغان حول مستقبل الحكم في البلاد".

وتابع خليل زاده: "قلت لا، لا أضمن أن تكون هناك تسوية سياسية، لكن هذا (ترك بعض القوات الأميركية في أفغانستان) سيمنحنا نفوذاً على طالبان. ولكن الرئيس اعتقد أننا قد لا نتوصل إلى اتفاق، وقد نظل عالقين هناك".

شرطان لتحسن العلاقات

وقال خليل زاده إنّه يفهم أن الولايات المتحدة أشارت إلى طالبان أنها ستكون "منفتحة على إجراء محادثات معها في حال تحقق شرطين"، وهما: إطلاق سراح المعتقل الأميركي مارك فريريتشز، وإعادة فتح المدارس للفتيات.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع "أكسيوس"، إنّ هذين الشرطين كانا "أولويتين رئيسيتين لنا"، و"عدم إحراز أي تقدم على هذا الصعيد سيعرقل التقدم على صعيد علاقتنا بطالبان".

ولفت خليل زاده إلى أنّه "حتى في حال تحسن العلاقات (بين الولايات المتحدة وطالبان)، فإن التفاوض مع الحركة سيظل حساساً من الناحية السياسية".

ووصف خليل زاده إيواء بعض عناصر طالبان، على أقل تقدير، لزعيم تنظيم القاعدة بأنه كان "انتهاكاً جسيماً" لاتفاق الدوحة، الذي تفاوض عليه، ووقعه في 2020.

وأشار أيضاً إلى أن استيلاء طالبان المباغت على أفغانستان، في أغسطس الماضي، "ترك الطرفين دون خارطة طريق واضحة لتنفيذ بعض جوانب الاتفاق".

وفي تعليق على على ما قاله الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، في إحدى أولى مقابلاته بأن خليل زاده يتحمل مسؤولية سقوط كابول، ووصف المبعوث الأميركي السابق هذه التصريحات بأنها "مؤسفة"، وتساءل عن مدى ما تنطوي عليه من "التأمل الذاتي".