بقلم: ستيوارت سمرز
تُصادف اليومَ الذكرى الحادية والثلاثون لاستقلال أوكرانيا. المفروض أن تكون هذه مناسبة للاحتفال مثلما تحتفل الدول الأخرى في أنحاء العالم بعيدها الوطني. لكن هذه السنة حلت فيها مأساة، حيث يصادف تاريخ 24 أغسطس أيضاً مرور ستة أشهر منذ أن شنت روسيا غزوها الوحشي وغير القانوني لأوكرانيا، الدولة ذات السيادة.
فمنذ استقلالها في عام 1991، تفخر أوكرانيا بمشاركاتها على الساحة الدولية، والتزامها بالحرية ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لا بل إن أوكرانيا أصبحت مُصدِّرةً عالميةً للحبوب التي يحتاجها مئات الملايين من الناس حول العالم.
ولكن الآن بات الخطر يُحيق بهذا البلد ويتهدّد كل ما حقّقه من إنجازات. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، أصبح من الواضح للعيان حجم الفظائع التي ارتُكبت بحق شعب أوكرانيا، والانتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد وصل عدد القتلى من المدنيين حتى الآن 12.800، وفق الإحصاءات الرسمية، مع توقع أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. وإضافة إلى ذلك، تعرّض للقصف ما لا يقل عن 366 مركزاً للرعاية الصحية وأكثر من 2.200 مدرسة. كما اضطرَّ أكثر من 12.8 مليون أوكراني إلى النزوح من منازلهم، ويعيش الآن 6.2 مليون منهم كلاجئين.
لقد وقفت المملكة المتحدة والعديد من الدول الأخرى إلى جانب أوكرانيا في أحلك أوقاتها. ولسوف نواصل الوقوف إلى جانبها. نحن ملتزمون بمناصرة حقوق الإنسان الأساسية، وسيادة الدول، والقانون الإنساني الدولي، والقيم الديمقراطية في أي مكان من العالم للمساعدة في بناء عالم أكثر عدلاً وحرية.
لقد برهنت مملكة البحرين على التزامها بقيم السلام، التسامح، وحرصها على التعاون الدولي والدفاع القوي عن سيادتها على مر السنين. وقد استطاعت المملكة أن تتخذ دوراً فاعلاً ومحورياً لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال التعاون الوثيق مع أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي وشركاؤها على المستوى الدولي من بينهم المملكة المتحدة. فقد أكدت مملكة البحرين التزامها بما سبق من خلال عضويتها في كل من التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية، بالإضافة إلى عضويتها في القوات البحرية المشتركة، وهي أكبر شراكة بحرية دولية في العالم، وتضم في عضويتها 34 دولة وتتخذ من مملكة البحرين مقراً لها.
إنّ للحرب في أوكرانيا تأثيراً عالمياً هائلاً، حيث تنعكس على المجتمعات الأكثر حاجة للمساعدة التي تعيش في بعضٍ من أشد دول العالم فقراً. وقد شهدنا منذ بداية العام ارتفاعاً في تكلفة المعيشة حول العالم، بما في ذلك مملكة البحرين. فقد بلغ انعدام الأمن الغذائي العالمي وخطر المجاعة أعلى مستوياته على الإطلاق، وذلك بسبب الصراع وتغير المناخ وجائحة كوفيد 19. والآن، ينعكس الارتفاع المفاجئ في أسعار الغذاء والطاقة بشكل مباشر على ما لا يقل عن 1.6 مليار إنسان في مختلف أنحاء العالم. ويواجه الملايين في شرق أفريقيا أسوأ موجة جفاف ونقصٍ في الغذاء منذ عقود. فلقد مرت أربعة مواسم متتالية لم يشهدوا فيها هطول المطر، فحُرموا من ريع الحصاد، ونفقت الماشية، بينما ما برحت أسعار المواد الغذائية الأساسية في الأسواق المحلية ترتفع باستمرار.
كما توقفت صادرات الحبوب الأوكرانية تماماً في أعقاب الغزو الروسي، وهو ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في كل أنحاء العالم. فدول أفريقيا على سبيل المثال تستورد أكثر من 12% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا. إن ارتفاع أسعار البترول، السلع والمواد الغذائية، ما هي إلا مؤشرات تذكرنا بأن دول الخليج ليست بمنأى عن التغييرات العالمية التي نتجت عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وما من شك في أن هذه الحرب تؤثر أيضاً على تجارة الأسمدة. إذ يقدر البنك الأفريقي للتنمية أنه، نتيجة لهذه الحرب، تواجه أفريقيا هذا العام نقصاً في الأسمدة يبلغ أربعة ملايين طن – أي ما يعادل نسبة 33-40% من إمدادات عام 2020.
وبدون الإمداد الكافي من الأسمدة، يمكن أن تتكبّد القارة الأفريقية خسائر تتراوح ما بين 14 و19 مليار دولار – أي خُمس قيمة إنتاجها الغذائي في موسمي الحصاد المقبلين، وستكون لهذا عواقبه الوخيمة على توافر الغذاء.
إدراكاً منها لأزمة الغذاء العالمية، تعمدت المملكة المتحدة وشركاؤها عدم فرض عقوبات على صادرات المواد الغذائية أو الأسمدة من روسيا إلى دول ثالثة.
وهكذا فإن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لرفع حظر صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود تُعتبر خطوة حيوية، سعت المملكة المتحدة للحضِّ عليها، كما إن خبر نقل شحنة من الحبوب من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي المنكوبة بالجفاف التي تكفّل بها برنامج الأغذية العالمي، شريك المملكة المتحدة في تقديم المساعدات، كانت هي أيضاً مبشّراً بإحراز تقدم في الوضع.
ومع ذلك، لابدّ من تحقيق السلام أولاً حتى تُمْكن العودة الدائمة إلى الأمن والاستقرار الاقتصادي العالميين. فما من بلد يستحق أن يُبتلى بالحرب. ومع ذلك فإن للحرب إذا وقعت قواعدها: فهناك قانون دولي، وهناك التزام تعهدنا به من خلال ميثاق الأمم المتحدة. إن العالم بحاجة إلى أوكرانيا حرة وآمنة حتى تتمكن من العودة بأمان إلى التكفّل بإمداد العالم بما يحتاج إليه من غذاء.
إن التزامنا بعالم أفضل، عالمٍ أكثر عدلاً، عالمٍ يسعى إلى الحرية للجميع – لا سيما في أعقاب الجائحة – هو تحدٍ يجب علينا جميعاً مواجهته معاً. وأوكرانيا صديقة لنا ورفيقة دربٍ في هذا الجهد العالمي للتعافي بشكل أفضل، وهي شريكتنا في الأمن الغذائي. وفي الوقت الذي نحتفل فيه بالذكرى السنوية لاستقلال أوكرانيا، فإن أوكرانيا والمملكة المتحدة تقفان جنباً إلى جنب دعماً لأوكرانيا في سبيل مساعدتها على حماية شعبها، إلى جانب وقوفهما معا في أنحاء العالم إلى جانب البلدان التي تشاركهما الأهداف ذاتها.
القوة لك، يا أوكرانيا المستقلة.
* القائم بأعمال سفارة المملكة المتحدة بمملكة البحرين
{{ article.visit_count }}
تُصادف اليومَ الذكرى الحادية والثلاثون لاستقلال أوكرانيا. المفروض أن تكون هذه مناسبة للاحتفال مثلما تحتفل الدول الأخرى في أنحاء العالم بعيدها الوطني. لكن هذه السنة حلت فيها مأساة، حيث يصادف تاريخ 24 أغسطس أيضاً مرور ستة أشهر منذ أن شنت روسيا غزوها الوحشي وغير القانوني لأوكرانيا، الدولة ذات السيادة.
فمنذ استقلالها في عام 1991، تفخر أوكرانيا بمشاركاتها على الساحة الدولية، والتزامها بالحرية ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لا بل إن أوكرانيا أصبحت مُصدِّرةً عالميةً للحبوب التي يحتاجها مئات الملايين من الناس حول العالم.
ولكن الآن بات الخطر يُحيق بهذا البلد ويتهدّد كل ما حقّقه من إنجازات. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، أصبح من الواضح للعيان حجم الفظائع التي ارتُكبت بحق شعب أوكرانيا، والانتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد وصل عدد القتلى من المدنيين حتى الآن 12.800، وفق الإحصاءات الرسمية، مع توقع أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. وإضافة إلى ذلك، تعرّض للقصف ما لا يقل عن 366 مركزاً للرعاية الصحية وأكثر من 2.200 مدرسة. كما اضطرَّ أكثر من 12.8 مليون أوكراني إلى النزوح من منازلهم، ويعيش الآن 6.2 مليون منهم كلاجئين.
لقد وقفت المملكة المتحدة والعديد من الدول الأخرى إلى جانب أوكرانيا في أحلك أوقاتها. ولسوف نواصل الوقوف إلى جانبها. نحن ملتزمون بمناصرة حقوق الإنسان الأساسية، وسيادة الدول، والقانون الإنساني الدولي، والقيم الديمقراطية في أي مكان من العالم للمساعدة في بناء عالم أكثر عدلاً وحرية.
لقد برهنت مملكة البحرين على التزامها بقيم السلام، التسامح، وحرصها على التعاون الدولي والدفاع القوي عن سيادتها على مر السنين. وقد استطاعت المملكة أن تتخذ دوراً فاعلاً ومحورياً لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال التعاون الوثيق مع أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي وشركاؤها على المستوى الدولي من بينهم المملكة المتحدة. فقد أكدت مملكة البحرين التزامها بما سبق من خلال عضويتها في كل من التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية، بالإضافة إلى عضويتها في القوات البحرية المشتركة، وهي أكبر شراكة بحرية دولية في العالم، وتضم في عضويتها 34 دولة وتتخذ من مملكة البحرين مقراً لها.
إنّ للحرب في أوكرانيا تأثيراً عالمياً هائلاً، حيث تنعكس على المجتمعات الأكثر حاجة للمساعدة التي تعيش في بعضٍ من أشد دول العالم فقراً. وقد شهدنا منذ بداية العام ارتفاعاً في تكلفة المعيشة حول العالم، بما في ذلك مملكة البحرين. فقد بلغ انعدام الأمن الغذائي العالمي وخطر المجاعة أعلى مستوياته على الإطلاق، وذلك بسبب الصراع وتغير المناخ وجائحة كوفيد 19. والآن، ينعكس الارتفاع المفاجئ في أسعار الغذاء والطاقة بشكل مباشر على ما لا يقل عن 1.6 مليار إنسان في مختلف أنحاء العالم. ويواجه الملايين في شرق أفريقيا أسوأ موجة جفاف ونقصٍ في الغذاء منذ عقود. فلقد مرت أربعة مواسم متتالية لم يشهدوا فيها هطول المطر، فحُرموا من ريع الحصاد، ونفقت الماشية، بينما ما برحت أسعار المواد الغذائية الأساسية في الأسواق المحلية ترتفع باستمرار.
كما توقفت صادرات الحبوب الأوكرانية تماماً في أعقاب الغزو الروسي، وهو ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في كل أنحاء العالم. فدول أفريقيا على سبيل المثال تستورد أكثر من 12% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا. إن ارتفاع أسعار البترول، السلع والمواد الغذائية، ما هي إلا مؤشرات تذكرنا بأن دول الخليج ليست بمنأى عن التغييرات العالمية التي نتجت عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وما من شك في أن هذه الحرب تؤثر أيضاً على تجارة الأسمدة. إذ يقدر البنك الأفريقي للتنمية أنه، نتيجة لهذه الحرب، تواجه أفريقيا هذا العام نقصاً في الأسمدة يبلغ أربعة ملايين طن – أي ما يعادل نسبة 33-40% من إمدادات عام 2020.
وبدون الإمداد الكافي من الأسمدة، يمكن أن تتكبّد القارة الأفريقية خسائر تتراوح ما بين 14 و19 مليار دولار – أي خُمس قيمة إنتاجها الغذائي في موسمي الحصاد المقبلين، وستكون لهذا عواقبه الوخيمة على توافر الغذاء.
إدراكاً منها لأزمة الغذاء العالمية، تعمدت المملكة المتحدة وشركاؤها عدم فرض عقوبات على صادرات المواد الغذائية أو الأسمدة من روسيا إلى دول ثالثة.
وهكذا فإن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لرفع حظر صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود تُعتبر خطوة حيوية، سعت المملكة المتحدة للحضِّ عليها، كما إن خبر نقل شحنة من الحبوب من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي المنكوبة بالجفاف التي تكفّل بها برنامج الأغذية العالمي، شريك المملكة المتحدة في تقديم المساعدات، كانت هي أيضاً مبشّراً بإحراز تقدم في الوضع.
ومع ذلك، لابدّ من تحقيق السلام أولاً حتى تُمْكن العودة الدائمة إلى الأمن والاستقرار الاقتصادي العالميين. فما من بلد يستحق أن يُبتلى بالحرب. ومع ذلك فإن للحرب إذا وقعت قواعدها: فهناك قانون دولي، وهناك التزام تعهدنا به من خلال ميثاق الأمم المتحدة. إن العالم بحاجة إلى أوكرانيا حرة وآمنة حتى تتمكن من العودة بأمان إلى التكفّل بإمداد العالم بما يحتاج إليه من غذاء.
إن التزامنا بعالم أفضل، عالمٍ أكثر عدلاً، عالمٍ يسعى إلى الحرية للجميع – لا سيما في أعقاب الجائحة – هو تحدٍ يجب علينا جميعاً مواجهته معاً. وأوكرانيا صديقة لنا ورفيقة دربٍ في هذا الجهد العالمي للتعافي بشكل أفضل، وهي شريكتنا في الأمن الغذائي. وفي الوقت الذي نحتفل فيه بالذكرى السنوية لاستقلال أوكرانيا، فإن أوكرانيا والمملكة المتحدة تقفان جنباً إلى جنب دعماً لأوكرانيا في سبيل مساعدتها على حماية شعبها، إلى جانب وقوفهما معا في أنحاء العالم إلى جانب البلدان التي تشاركهما الأهداف ذاتها.
القوة لك، يا أوكرانيا المستقلة.
* القائم بأعمال سفارة المملكة المتحدة بمملكة البحرين