عاد الجنيه الإسترليني إلى الهبوط مجدداً فور الإعلان في لندن عن فوز القيادية في حزب المحافظين الحاكم ليز تراس بمنصب رئيس الوزراء بعد أن تغلبت على منافسها ريشي سوناك، الاثنين، فيما يأتي تولي تراس رئاسة الحكومة البريطانية متزامناً مع أزمة اقتصادية تحولت إلى الشغل الشاغل للبريطانيين ومصدر القلق الرئيس لهم.
ويعاني البريطانيون منذ شهور من أزمة غلاء معيشي غير مسبوقة اضطرت الحكومة إلى تقديم مساعدات مالية استثنائية وعاجلة للعائلات من ذوي الدخل المحدود، فيما تتزامن هذه الأزمة مع أزمة أخرى في قطاع الطاقة دفعت إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود والكهرباء والغاز، فضلاً عن أزمة ثالثة تتعلق بالهبوط المستمر في سعر صرف الجنيه الإسترليني، وهو ما فاقم نسب التضخم ودفع بنك إنجلترا المركزي إلى توقع تسجيل نسبة تضخم قياسية في البلاد خلال العام الحالي.
وفتح فوز تراس الباب على الكثير من الأسئلة المتعلقة بسياساتها الاقتصادية، وما إذا كانت لديها حلول للأزمات التي تعصف بالبلاد وتشكل مصدر قلق واسع للبريطانيين، فيما يبدو أن الأسواق لم تتفاءل بفوزها وكانت تعول على فوز سوناك الذي كان قد شغل منصب وزير الخزانة ويُعتبر أحد رجال الاقتصاد البارزين في بريطانيا.
وهوى الجنيه الإسترليني بعد الإعلان عن فوز تراس إلى أدنى مستوى له منذ العام 1985، بحسب ما رصدته "العربية.نت"، حيث عاد إلى مستويات ما دون الـ1.15 دولار أميركي، وهو مستوى سجله في التداولات الصباحية فجر الاثنين ثم ارتفع عنه لاحقاً، لكنه عاد إليه بعد الإعلان عن فوز تراس.
كما سجلت أغلب مؤشرات البورصة في لندن هبوطاً بعد ظهر الاثنين، حيث خسر مؤشر "فوتسي 250" نحو 1.25% عند الساعة الواحدة من ظهر يوم الاثنين بتوقيت غرينتش.
وبحسب تقرير لجريدة "الغارديان" البريطانية، اطلعت عليه "العربية.نت"، فإن "الأولوية الاقتصادية الواضحة لرئيسة الوزراء الجديدة تتمثل في خفض الضرائب، وهي خطوة تصر ليز تراس على أنها ستعيد تشغيل الاقتصاد المتعثر ومساعدة الناس في فواتير الطاقة المرتفعة".
ووعدت تراس بإلغاء الزيادة الأخيرة في التأمين الوطني وإلغاء الزيادة المقررة على ضريبة الشركات، بتكلفة مجمعة تبلغ حوالي 30 مليار جنيه إسترليني سنوياً. كما طرح فريق تراس فكرة خفض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% أو خفض ضريبة الدخل لمساعدة ميزانيات العائلات.
وذكرت "الغارديان" أنه "في حين قالت تراس إن خططها سيتم تمويلها من خلال الارتفاع المالي وتأخير سداد الديون المتعلقة بفترة كورونا، فإن الكثير من النقاد قالوا إن هذه الخطط ستحتاج إلى اقتراض مبالغ كبيرة، وبأسعار قد تكون باهظة، وهو ما يعني تحميل الاقتصاد البريطاني مزيداً من التكاليف".
وبحسب "الغارديان" فإن البرنامج الاقتصادي لتراس لا يستبعد تقديم المزيد من المساعدات المالية المباشرة للعائلات في فواتير الطاقة، لكن تراس رفضت توضيح ما يمكن أن يكون عليه ذلك، وتحدثت عن نفورها مما أسمته "الصدقات".
وشددت تراس على التزامها بهدف "صفر انبعاثات" لبريطانيا، ويصر فريقها على أنها ستركز على الطاقة المتجددة.
يشار إلى أن العديد من المراقبين والمحللين يتخوفون من أن يواصل الجنيه الإسترليني هبوطه إلى مستوى التكافؤ مع الدولار الأميركي، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في نسب التضخم، فيما توقع بنك "غولدمان ساكس" أن تصل نسبة التضخم في بريطانيا إلى مستوى 22% لتكون بذلك قد سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق، الأمر الذي سيزيد المتاعب الاقتصادية في بريطانيا ويُعمق من أزمة الغلاء المعيشي للأسر.