منذ إعلان لبنان توصله إلى اتفاق مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة، وبانتظار التوقيع الرسمي على الاتّفاق المتوقّع قبل نهاية الشهر الحالي في مقرّ قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) في الناقورة جنوب لبنان، تعرض حزب الله إلى موجة من الانتقادات والتساؤلات من قبل آلاف اللبنانيين.
ففي حين لا ينفكّ زعيم حزب الله حسن نصرالله، يُكرر في كل خطاب عزمه "رمي إسرائيل في البحر"، وانتقاده "الشيطان الأكبر" في إشارة إلى الولايات المتحدة التي لعبت دور الوسيط بمفاوضات الترسيم، ها هو يتخلى عن خطاباته الرنانة، مباركاً الاتفاق، وإن تنصل من مسؤولية المشاركة فيه، راداً كل المساعي والمشاورات والموافقات إلى "الدولة"!
بابتسامة عريضة
ولعل أكثر ما أثار استغراب اللبنانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، ترحيب نصرالله بالاتّفاق بابتسامة عريضة متحدّثاً عن "عرس وطني" في وقت أن معظم الخبراء والمعنيين بالترسيم أجمعوا على أن ما حصل ليس في مصلحة لبنان وإنما في مصلحة إسرائيل التي حصلت على ما تريده من ضمانات أمنية وسياسية فضلاً عن احتفاظها بالخط 29 الذي كان يُعتبر حقاً للبنان، وحقل كاريش كاملاً، وهو الحقل المُثبّت والمُستكشف وستبدأ شركة خاصة باستخراج الغاز منه قريباً، على عكس حقل قانا الذي أُعطي للبنان، علماً ألا معلومات وافية بعد عما يحتويه من غاز.
كما انتقد العديد من اللبنانيين "دور" حزب الله في تسهيل هذا الاتفاق وإعطاء الضوء الأخضر للسير به، وما تضمّنه لجهة حصول "الكيان الغاصب" كما يُسمّيه الحزب ليس فقط على حقل كاريش وإنما على حصّة 17% من حقل قانا على أن تدفعها شركة "توتال" الفرنسية المُكلّفة بعملية التنقيب في الحقل.
17 % من حقل قانا لإسرائيل
وفي الإطار، أوضح حسين عبد الحسين، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن لـ"العربية.نت" "أن ما تضمّنه الاتّفاق يشير الى أن شيئاً لم يتغيّر في الوضع القائم، باستثناء "سماح" إسرائيل لشركة "توتال" الفرنسية بالتنقيب واستخراج ومن ثم إنتاج الغاز من حقل قانا بعد حصولها على حصة 17% من الحقل".
كما أشار إلى "أن اتّفاق الترسيم لم يلحظ تحديد سيادة لبنان على المنطقة المتنازع عليها بين الخط 1 الإسرائيلي والخط 23 والتي تمتد لنحو 860 ألف كيلومتر مربع، كما أبقى على خط الطفافات الإسرائيلي، ما يعني أن ما حصل ليس اتّفاق ترسيم حدود وإنما "تحصيل" موافقة إسرائيل على بدء شركة "توتال" التنقيب في حقل قانا شرط الحصول على 17% من الأرباح، علماً أن الإسرائيليين قدّروا قيمة أرباح حقل قانا بـ3 مليارات دولار يحصلون منها على نصف مليار".
اتّفاقية شراكة أرباح
وقال "ما حصل اتّفاق شراكة بين لبنان وإسرائيل واتّفاق الأمر الواقع، وحزب الله كان المفاوض الرئيسي ومن كان يتحدّث باسمه رئيس الجمهورية ميشال عون ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب".
وفي حين سوّق حزب الله فكرة الاتفاق "لأكل العنب" (كما قال نصرالله في خطابه أوّل من أمس) لا لقتل الناطور، في تأكيد منه أن المنافع الاقتصادية والمالية هي التي تقف وراء الاتّفاق، اعتبر عبد الحسين "أن الحاجة الاقتصادية هي من سرّعت الاتّفاق، وهو ما أكده نصرالله في خطاباته الأخيرة، وليس المسيّرات والتهديدات التي أطلقها كما زعم".
تحوّل كبير
غير أن لوري هيتايان الخبيرة اللبنانية في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، أوضحت لـ"العربية.نت "أنه إذا كان نصرالله يقصد "بالناطور" إسرائيل وبأننا نريد أكل العنب لا قتله، فمعناه أن هناك تحوّلاً كبيراً بسياسته تجاه إسرائيل، وبالتالي من حقنا أن نجري إعادة تقييم لوجود سلاحه وهدفه".
كما اعتبرت "أن حزب الله، كما نقل عنه، أعطى مباركته للاتّفاق "وحبّة مسك".
إلى ذلك، أوضحت "أن حقل قانا غير مُثبّت على عكس حقل كاريش، ولا نعرف حجم الغاز فيه، وإذا وجدنا غازا فيه لا يعني أن لبنان أصبح غنياً، فالأهم كمية الإنتاج وكيفية إدارة الثروة النفطية بطريقة شفّافة تؤدي إلى نمو الاقتصاد".
يذكر أن لبنان كان أعلن الثلاثاء الماضي، بعد عامين من المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية، ما يفتح الباب إلى بدء التنقيب عن النفط والغاز في بلد يعيش أسوأ أزماته الاقتصادية عبر التاريخ.