تلفزيون الشرق
من السعودية إلى الإمارات مروراً بالقواعد الأميركية في العراق وحتى السُفن في عرض مياه الخليج.. هجمات عدة طاولت مناطق متفرقة في منطقة الشرق الأوسط على مدار السنوات القليلة الماضية، تجتمع سوياً في وسيلة تنفيذها.. الطائرات المُسيرة التي باتت أصابع الاتهام تلاحق إيران في المسؤولية عن تصديرها أو نقل تكنولوجياتها إلى وكلائها في المنطقة.
تلك الهجمات، على الرغم من أنها لم تؤد إلى رد فعل ضخم من جانب دول المنطقة أو من جانب الولايات المتحدة، أثارت الانتباه إلى سلاح قد يُكلف أهدافه كثيراً بينما تكلفته نفسها لا تتعدى بضع مئات من الدولارات، ما دفع واشنطن ودولاً خليجية عدة على رأسها السعودية والإمارات، إلى التركيز على جهود مكافحة تهريب الأسلحة عبر الخليج وتطوير الدفاعات الجوية لمواجهة المُسيرات التي تستخدمها تلك الجماعات في هجماتها.
نقطة قوة؟
بعيداً عن خلاف ما إذا كانت المُسيرات الإيرانية باتت نداً للمُسيرات الأميركية والغربية عموماً أم لا، فإن المعضلة الأساسية التي تواجه محاولات التصدي للمُسيرات الإيرانية هي قدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة تتفادى اكتشافها عبر رادارات المنظومات الدفاعية الأميركية المتطورة. هذا ما حدث في الهجمات التي جرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية على مناطق متفرقة في الشرق الأوسط، من بينها السعودية والإمارات، باستخدام مُسيرات يُرجح أنها إيرانية الصنع.
السبب، بحسب تقارير أميركية، يرجع إلى نقص الاهتمام بصواريخ الدفاع الجوي قصيرة المدى المعروفة اختصاراً لدى العسكريين بـ"SHORADS"، والتي كانت عنصراً أساسياً في حماية المنشآت المهمة والقواعد العسكرية خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية وفترة الحرب الباردة، لكن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، قرر البنتاجون تقليص استخدام ذلك النوع من الصواريخ لصالح الصواريخ متوسطة وطويلة المدى على غرار "باتريوت"، اعتقاداً بأن المقاتلات الأميركية قادرة على تحييد مقاتلات العدو قبل أن تقترب بشكل يجعلها تُشكل تهديداً للبلاد.
بشكل عام، يمكن للمُسيرات باختلاف أنواعها التحليق على ارتفاعات منخفضة جداً لا يمكن للرادارات كشفها، كما أن أغلب تلك المُسيرات يُرسل قدراً ضئيلاً جداً من الإشارات التي يمكن لأجهزة التتبع رصدها. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أمنيين أوروبيين وشرق أوسطيين، قولهم إن "مهندسي المُسيرات الإيرانية يعتمدون على مكونات مستوردة لصناعة مركبات قادرة على ضرب أهدافها بدقة عن بُعد وتحويل مسارها بشكل سريع لتجنب استهدافها بالدفاعات الجوية".
تحرك أميركي
ولأن علاج المشكلة غير ممكن من دون سُبُل ملائمة، أعلنت الولايات المتحدة قبل عام تقريباً عن إنشاء فرقة عمل دولية تُركز على البحر الأحمر ودمج الأنظمة ذاتية التسيير والذكاء الاصطناعي في عمليات الأسطول الخامس الأميركي.
وبحسب قائد القوات البحرية الأميركية في القيادة المركزية والأسطول الخامس والقوات البحرية المشتركة الفريق براد كوبر، فإن "فريق العمل 59" يهدف بشكل أساسي إلى إدخال أنظمة جديدة، مشيراً إلى أنه "من شأن دمج الأنظمة المسيّرة ذاتياً مع الذكاء الاصطناعي أن يدفع بالمزيد من وسائل المراقبة في المياه التي لم تكن موجودة من قبل. وهو ما نفعله مع شركائنا الإقليميين، فقد أنشأنا مراكز تشغيل لأنظمتنا المسيّرة ذاتياً في البحرين وأيضاً في العقبة بالأردن العام الماضي".
ولتعزيز تلك المهمة التي يقودها فريق "قوة المهام 59"، أطلقت القوات البحرية في القيادة المركزية الأميركية خلال فبراير 2022، أكبر تمرين بحري لمعدّات مسيّرة ذاتية في العالم بمشاركة 10 دول، بأكثر من 80 نظاماً ذاتي التسيير، بهدف تقييمها وتشغيلها في المياه الإقليمية.
وأضاف كوبر: "أجرينا مناورات ثنائية متعددة مع العديد من القوات البحرية والدول الإقليمية".
قائد القوات البحرية الأميركية يُدرك أن العالم على أعتاب ما يصفه بـ"ثورة تكنولوجية للمعدات ذاتية التسيير"، وما هو دفعه إلى تأكيد ضرورة عمل القوات البحرية الإقليمية معاً بشكل أعمق، مضيفاً "أؤمن بشدة بـ4 أسس موجودة هنا في الشرق الأوسط وهي الأهم: العلاقات الوثيقة، والشراكات، والصداقة، والقيادة المشتركة".
وفي هذا السياق، قال الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فرزين نديمي لـ"الشرق"، إن "الولايات المتحدة تعلمت كثيراً مؤخراً عن المُسيرات الإيرانية، وبدأت في تعزيز وجودها بالمنطقة ونشر قدرات إضافية لمكافحة تلك المُسيرات"، لكنه يرى أيضاً أن "التصدي للمُسيرات ليس بالأمر السهل نظراً لصغر حجمها وتحليقها على ارتفاعات منخفضة، إلا أن هناك أنظمة ذكاء اصطناعي وقدرات دفاعية جديدة جرى تطويرها مؤخراً ونشرها لاختبارها بالشرق الأوسط لمواجهة الطائرات من دون طيار الإيرانية".
وتابع نديمي: "ما تحتاجه المنطقة هو نظام إنذار مبكر لرصد ومراقبة الأجواء، عبر تحالف دفاع جوي إقليمي يدمج الذكاء الاصطناعي والمعرفة والقدرات التقليدية، لتعزيز قدرتها ضد ذلك النوع من الأسلحة".
العمل مع الحلفاء
خلال إحاطة صحافية أجراها في 11 مايو 2022، تطرق براد كوبر إلى التعاون مع السعودية في مجال إنشاءات الأمن البحري والعمليات الأمنية البحرية في شمال بحر العرب وخليج عُمان، لافتاً إلى أن "الجانبين يعملان معاً يومياً وبشكل وثيق جداً، وقد أجريا تمريناً ثنائياً كبيراً في البحر الأحمر، إضافة إلى وجود خطط أخرى كجزء من هيكل الأمن البحري الدولي".
وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال المتحدث باسم الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية تيموثي هوكينز إن "الأسطول الخامس الأميركي يعمل مع الحلفاء في منطقة شبه الجزيرة العربية على إحباط أي محاولات لزعزعة استقرار المنطقة عبر التهريب، سواء كانت بالمخدرات أو بالأسلحة غير الشرعية ومحاولات تهريبها عبر مياه المنطقة".
وأضاف أن "التركيز حالياً ينص على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة عبر تعزيز الشراكات والتحالف مع دول المنطقة، بالإضافة إلى تسريع عملية نشر ودمج الأنظمة المُسيرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما نفعله بالتعاون مع حلفائنا في أكبر شراكة بحرية للولايات المتحدة مع 43 دولة بالمنطقة".
هوكينز أشار إلى "قوة المهام 59" التي تأسست قبل أكثر من عام، وقال إن "الهدف من إدخال تلك الأنظمة المُسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المنطقة، هو الحصول على قدرة أكبر للمراقبة والرصد، وبالتالي التدخل لإحباط أي محاولات غير قانونية في المنطقة، سواء لتهريب الأسلحة أو غيرها. وقد حققنا تقدماً كبيراً في هذا الشأن، وسنواصل فعل هذا بالتعاون الوثيق مع حلفائنا بالمنطقة، وتحت قيادة أميركية لتحالف بحري من 43 دولة بالمنطقة، وكذلك قيادة أميركية لمنظمة هيكل الأمن البحري الدولي".
وفي ما يتعلق بإحباط تهريب مكونات المُسيرات إلى اليمن، أوضح هوكينز أن الأسطول الخامس الأميركي حقق نجاحاً كبيراً على مدار العامين الماضي والحالي في إحباط تهريب الشحنات غير القانونية عبر البحر، وأضاف: "تمكنا من منع تنظيمات إرهابية وجماعات أخرى من الحصول على الشحنات التي جرت محاولة تهريبها عبر البحر، كما أننا أطلقنا برنامجاً يُقدم ما يصل إلى 100 ألف دولار مكافأة لمن يقدم لنا معلومات حول عمليات نقل الأسلحة بشكل غير شرعي في المنطقة".
وأشار المتحدث الأميركي إلى أنه "خلال العام الماضي، نفّذت الولايات المتحدة أكثر من 33 تدريباً مع القوات البحرية الحليفة في المنطقة، بينما خلال عام 2022، نفذ الأسطول الخامس الأميركي ما يصل إلى 50 تدريباً فردياً وجماعياً مع القوات البحرية لدول حليفة في المنطقة".
تنسيق إقليمي
على المنوال ذاته، قال الباحث الأميركي في المعهد الأطلنطي للدراسات والأبحاث سيث فرانتزمان إن دول المنطقة بحاجة إلى التعاون في مجال قدرات الدفاع الجوي والكشف، مضيفاً في حديث لـ"الشرق" أنه "في بعض الحالات، يجب على دول المنطقة التفكير في ردود فعل نشطة، مثل الضربات ضد الجماعات المسلحة التي تستخدم الطائرات من دون طيار الإيرانية".
كما دعا فرانتزمان الدول الغربية إلى تمرير قوانين لفرض عقوبات على صناعة الطائرات من دون طيار في إيران، بغض النظر عن مدى فعاليتها، فالعقوبات في رأيه "أداة مهمة ورمزية حتى لو لم توقف برنامج المُسيرات الإيرانية".
ويرى أيضاً أن مواجهة خطر المُسيرات الإيرانية يتطلب قراراً واضحاً من الولايات المتحدة، لأنه "إذا لم تنتقم الولايات المتحدة وإذا كانت الدول المهددة لا تريد الانتقام، فإن المفتاح لمواجهة تلك المُسيرات هو زيادة الاستثمار في الدفاعات الجوية، حيث يبدو أن الدفاعات الجوية هي أفضل طريقة لوقف الهجمات، ويبدو أن هذا هو ما تفعله الإمارات حالياً بحصولها على دفاعات جوية جديدة من الولايات المتحدة، إضافة إلى تعاقدها مع إسرائيل للحصول على منظومة الدفاع الإسرائيلية رافائيل. وتحصل الإمارات على دفاعات جوية جديدة من الولايات المتحدة وكذلك من إسرائيل".
ويتوافق حديث فرانتزمان مع كشف وكالة "رويترز" عن اتفاق إماراتي إسرائيلي لحصول أبوظبي على منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "سبايدر" التي تعتمد على صواريخ جو-جو من طرازي "بايثون" و"ديربي"، والتي تُصنعها شركة "رافائيل" الإسرائيلية، ومُصممة لاعتراض مجموعة متنوعة من التهديدات الجوية، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والطائرات من دون طيار.
منشأة اختبار؟
إضافة إلى تعزيز القدرات الدفاعية ونشر قدرات إضافية في المنطقة، قال 3 مسؤولين دفاعيين أميركيين لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، إن القيادة المركزية تعمل على تطوير خطط لفتح منشأة اختبار عسكرية جديدة في السعودية، تتولى مهام اختبار تقنيات جديدة لمكافحة التهديد المتزايد من الطائرات المُسيرة، إضافة إلى تطوير واختبار قدرات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة.
ورغم أن تلك الخطط التي يتحدث عنها مسؤولون أميركيون لم تتبلور في شكلها النهائي بعد، إلا أن هناك مقترحات لتسمية تلك المنشأة بـ"مركز الرمال الحمراء للتجارب الشاملة"، على غرار منشأة "مركز الرمال البيضاء لاختبار الصواريخ" التابعة للجيش الأميركي في "نيو ميكسيكو" الأميركية.
وأضاف المسؤولون الثلاثة "في حين لم يتم الانتهاء من تحديد موقع تأسيس تلك المنشأة بعد، فإن السعودية هي الأكثر منطقية لأنها تحتوي على مساحات مفتوحة كبيرة مملوكة للحكومة، يُمكن من خلالها اختبار أساليب مختلفة للحرب الإلكترونية، مثل تشويش الإشارات والطاقة الموجهة، من دون التداخل مع المراكز السكانية القريبة".
وبسبب كون تلك الخطط غير مكتملة بعد، رفض المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية التعليق على تفاصيل بشأن تلك المخططات.
كهوف المسيرات
إلى جانب التعاون مع القوات الأميركية بالمنطقة، عكف التحالف العربي على تدمير كهوف في اليمن يُعتقد أنه يجري تجميع المُسيرات التي يستخدمها الحوثيون بداخلها. وبحسب المتحدث الرسمي لقوات التحالف العميد الركن تركي المالكي، فإن قوات التحالف نفذت غارات عدة على كهوف استخدمها الحوثيون في تخزين وتجميع الطائرات من دون طيار، على فترات متقاربة من يناير 2019 وحتى نهاية عام 2021.
بالإضافة إلى ذلك، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي قوله إن "السعودية والإمارات تستثمران بشكل مكثف في تكنولوجيا مكافحة الطائرات من دون طيار، لكن العقبة الأساسية التي تواجههما هي السهولة النسبية لبناء تلك الطائرات عبر مكونات تجارية يمكن الحصول عليها وتهريبها بشكل منفصل من دول عدة".
عقوبات دولية
منذ تنامي استخدام إيران -ووكلاؤها- المُسيرات في عمليات الاستهداف التي تجري في الشرق الأوسط سواء ضد المصالح الأميركية أو مصالح الحلفاء للولايات المتحدة، عكفت واشنطن على محاولة تقييد برنامج المُسيرات الإيراني، عبر سلسلة من العقوبات التي استهدفت هيئات البحث والتطوير وهيئات التصنيع والشركات العاملة في تصنيع المكونات أو توريدها للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى فرض عقوبات على كل من ينخرط في عملية نقلها إلى دول أو مجموعات خارج إيران.
آخر تلك العقوبات، هي التي أعلنت عنها وزارة الخزانة الأميركية في 8 سبتمبر 2022، وتضمنت شركة طيران لنقلها المُسيرات الإيرانية إلى روسيا، إضافة إلى 3 شركات وشخص واحد، لانخراطهما في عمليات البحث والتطوير وإنتاج المُسيرات الإيرانية لصالح الحرس الثوري والقوة الجو-فضائية الإيرانية، وعلى رأسها مُسيرات "شهيد" بطرازاتها المختلفة.
من السعودية إلى الإمارات مروراً بالقواعد الأميركية في العراق وحتى السُفن في عرض مياه الخليج.. هجمات عدة طاولت مناطق متفرقة في منطقة الشرق الأوسط على مدار السنوات القليلة الماضية، تجتمع سوياً في وسيلة تنفيذها.. الطائرات المُسيرة التي باتت أصابع الاتهام تلاحق إيران في المسؤولية عن تصديرها أو نقل تكنولوجياتها إلى وكلائها في المنطقة.
تلك الهجمات، على الرغم من أنها لم تؤد إلى رد فعل ضخم من جانب دول المنطقة أو من جانب الولايات المتحدة، أثارت الانتباه إلى سلاح قد يُكلف أهدافه كثيراً بينما تكلفته نفسها لا تتعدى بضع مئات من الدولارات، ما دفع واشنطن ودولاً خليجية عدة على رأسها السعودية والإمارات، إلى التركيز على جهود مكافحة تهريب الأسلحة عبر الخليج وتطوير الدفاعات الجوية لمواجهة المُسيرات التي تستخدمها تلك الجماعات في هجماتها.
نقطة قوة؟
بعيداً عن خلاف ما إذا كانت المُسيرات الإيرانية باتت نداً للمُسيرات الأميركية والغربية عموماً أم لا، فإن المعضلة الأساسية التي تواجه محاولات التصدي للمُسيرات الإيرانية هي قدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة تتفادى اكتشافها عبر رادارات المنظومات الدفاعية الأميركية المتطورة. هذا ما حدث في الهجمات التي جرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية على مناطق متفرقة في الشرق الأوسط، من بينها السعودية والإمارات، باستخدام مُسيرات يُرجح أنها إيرانية الصنع.
السبب، بحسب تقارير أميركية، يرجع إلى نقص الاهتمام بصواريخ الدفاع الجوي قصيرة المدى المعروفة اختصاراً لدى العسكريين بـ"SHORADS"، والتي كانت عنصراً أساسياً في حماية المنشآت المهمة والقواعد العسكرية خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية وفترة الحرب الباردة، لكن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، قرر البنتاجون تقليص استخدام ذلك النوع من الصواريخ لصالح الصواريخ متوسطة وطويلة المدى على غرار "باتريوت"، اعتقاداً بأن المقاتلات الأميركية قادرة على تحييد مقاتلات العدو قبل أن تقترب بشكل يجعلها تُشكل تهديداً للبلاد.
بشكل عام، يمكن للمُسيرات باختلاف أنواعها التحليق على ارتفاعات منخفضة جداً لا يمكن للرادارات كشفها، كما أن أغلب تلك المُسيرات يُرسل قدراً ضئيلاً جداً من الإشارات التي يمكن لأجهزة التتبع رصدها. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أمنيين أوروبيين وشرق أوسطيين، قولهم إن "مهندسي المُسيرات الإيرانية يعتمدون على مكونات مستوردة لصناعة مركبات قادرة على ضرب أهدافها بدقة عن بُعد وتحويل مسارها بشكل سريع لتجنب استهدافها بالدفاعات الجوية".
تحرك أميركي
ولأن علاج المشكلة غير ممكن من دون سُبُل ملائمة، أعلنت الولايات المتحدة قبل عام تقريباً عن إنشاء فرقة عمل دولية تُركز على البحر الأحمر ودمج الأنظمة ذاتية التسيير والذكاء الاصطناعي في عمليات الأسطول الخامس الأميركي.
وبحسب قائد القوات البحرية الأميركية في القيادة المركزية والأسطول الخامس والقوات البحرية المشتركة الفريق براد كوبر، فإن "فريق العمل 59" يهدف بشكل أساسي إلى إدخال أنظمة جديدة، مشيراً إلى أنه "من شأن دمج الأنظمة المسيّرة ذاتياً مع الذكاء الاصطناعي أن يدفع بالمزيد من وسائل المراقبة في المياه التي لم تكن موجودة من قبل. وهو ما نفعله مع شركائنا الإقليميين، فقد أنشأنا مراكز تشغيل لأنظمتنا المسيّرة ذاتياً في البحرين وأيضاً في العقبة بالأردن العام الماضي".
ولتعزيز تلك المهمة التي يقودها فريق "قوة المهام 59"، أطلقت القوات البحرية في القيادة المركزية الأميركية خلال فبراير 2022، أكبر تمرين بحري لمعدّات مسيّرة ذاتية في العالم بمشاركة 10 دول، بأكثر من 80 نظاماً ذاتي التسيير، بهدف تقييمها وتشغيلها في المياه الإقليمية.
وأضاف كوبر: "أجرينا مناورات ثنائية متعددة مع العديد من القوات البحرية والدول الإقليمية".
قائد القوات البحرية الأميركية يُدرك أن العالم على أعتاب ما يصفه بـ"ثورة تكنولوجية للمعدات ذاتية التسيير"، وما هو دفعه إلى تأكيد ضرورة عمل القوات البحرية الإقليمية معاً بشكل أعمق، مضيفاً "أؤمن بشدة بـ4 أسس موجودة هنا في الشرق الأوسط وهي الأهم: العلاقات الوثيقة، والشراكات، والصداقة، والقيادة المشتركة".
وفي هذا السياق، قال الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فرزين نديمي لـ"الشرق"، إن "الولايات المتحدة تعلمت كثيراً مؤخراً عن المُسيرات الإيرانية، وبدأت في تعزيز وجودها بالمنطقة ونشر قدرات إضافية لمكافحة تلك المُسيرات"، لكنه يرى أيضاً أن "التصدي للمُسيرات ليس بالأمر السهل نظراً لصغر حجمها وتحليقها على ارتفاعات منخفضة، إلا أن هناك أنظمة ذكاء اصطناعي وقدرات دفاعية جديدة جرى تطويرها مؤخراً ونشرها لاختبارها بالشرق الأوسط لمواجهة الطائرات من دون طيار الإيرانية".
وتابع نديمي: "ما تحتاجه المنطقة هو نظام إنذار مبكر لرصد ومراقبة الأجواء، عبر تحالف دفاع جوي إقليمي يدمج الذكاء الاصطناعي والمعرفة والقدرات التقليدية، لتعزيز قدرتها ضد ذلك النوع من الأسلحة".
العمل مع الحلفاء
خلال إحاطة صحافية أجراها في 11 مايو 2022، تطرق براد كوبر إلى التعاون مع السعودية في مجال إنشاءات الأمن البحري والعمليات الأمنية البحرية في شمال بحر العرب وخليج عُمان، لافتاً إلى أن "الجانبين يعملان معاً يومياً وبشكل وثيق جداً، وقد أجريا تمريناً ثنائياً كبيراً في البحر الأحمر، إضافة إلى وجود خطط أخرى كجزء من هيكل الأمن البحري الدولي".
وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال المتحدث باسم الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية تيموثي هوكينز إن "الأسطول الخامس الأميركي يعمل مع الحلفاء في منطقة شبه الجزيرة العربية على إحباط أي محاولات لزعزعة استقرار المنطقة عبر التهريب، سواء كانت بالمخدرات أو بالأسلحة غير الشرعية ومحاولات تهريبها عبر مياه المنطقة".
وأضاف أن "التركيز حالياً ينص على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة عبر تعزيز الشراكات والتحالف مع دول المنطقة، بالإضافة إلى تسريع عملية نشر ودمج الأنظمة المُسيرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما نفعله بالتعاون مع حلفائنا في أكبر شراكة بحرية للولايات المتحدة مع 43 دولة بالمنطقة".
هوكينز أشار إلى "قوة المهام 59" التي تأسست قبل أكثر من عام، وقال إن "الهدف من إدخال تلك الأنظمة المُسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المنطقة، هو الحصول على قدرة أكبر للمراقبة والرصد، وبالتالي التدخل لإحباط أي محاولات غير قانونية في المنطقة، سواء لتهريب الأسلحة أو غيرها. وقد حققنا تقدماً كبيراً في هذا الشأن، وسنواصل فعل هذا بالتعاون الوثيق مع حلفائنا بالمنطقة، وتحت قيادة أميركية لتحالف بحري من 43 دولة بالمنطقة، وكذلك قيادة أميركية لمنظمة هيكل الأمن البحري الدولي".
وفي ما يتعلق بإحباط تهريب مكونات المُسيرات إلى اليمن، أوضح هوكينز أن الأسطول الخامس الأميركي حقق نجاحاً كبيراً على مدار العامين الماضي والحالي في إحباط تهريب الشحنات غير القانونية عبر البحر، وأضاف: "تمكنا من منع تنظيمات إرهابية وجماعات أخرى من الحصول على الشحنات التي جرت محاولة تهريبها عبر البحر، كما أننا أطلقنا برنامجاً يُقدم ما يصل إلى 100 ألف دولار مكافأة لمن يقدم لنا معلومات حول عمليات نقل الأسلحة بشكل غير شرعي في المنطقة".
وأشار المتحدث الأميركي إلى أنه "خلال العام الماضي، نفّذت الولايات المتحدة أكثر من 33 تدريباً مع القوات البحرية الحليفة في المنطقة، بينما خلال عام 2022، نفذ الأسطول الخامس الأميركي ما يصل إلى 50 تدريباً فردياً وجماعياً مع القوات البحرية لدول حليفة في المنطقة".
تنسيق إقليمي
على المنوال ذاته، قال الباحث الأميركي في المعهد الأطلنطي للدراسات والأبحاث سيث فرانتزمان إن دول المنطقة بحاجة إلى التعاون في مجال قدرات الدفاع الجوي والكشف، مضيفاً في حديث لـ"الشرق" أنه "في بعض الحالات، يجب على دول المنطقة التفكير في ردود فعل نشطة، مثل الضربات ضد الجماعات المسلحة التي تستخدم الطائرات من دون طيار الإيرانية".
كما دعا فرانتزمان الدول الغربية إلى تمرير قوانين لفرض عقوبات على صناعة الطائرات من دون طيار في إيران، بغض النظر عن مدى فعاليتها، فالعقوبات في رأيه "أداة مهمة ورمزية حتى لو لم توقف برنامج المُسيرات الإيرانية".
ويرى أيضاً أن مواجهة خطر المُسيرات الإيرانية يتطلب قراراً واضحاً من الولايات المتحدة، لأنه "إذا لم تنتقم الولايات المتحدة وإذا كانت الدول المهددة لا تريد الانتقام، فإن المفتاح لمواجهة تلك المُسيرات هو زيادة الاستثمار في الدفاعات الجوية، حيث يبدو أن الدفاعات الجوية هي أفضل طريقة لوقف الهجمات، ويبدو أن هذا هو ما تفعله الإمارات حالياً بحصولها على دفاعات جوية جديدة من الولايات المتحدة، إضافة إلى تعاقدها مع إسرائيل للحصول على منظومة الدفاع الإسرائيلية رافائيل. وتحصل الإمارات على دفاعات جوية جديدة من الولايات المتحدة وكذلك من إسرائيل".
ويتوافق حديث فرانتزمان مع كشف وكالة "رويترز" عن اتفاق إماراتي إسرائيلي لحصول أبوظبي على منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "سبايدر" التي تعتمد على صواريخ جو-جو من طرازي "بايثون" و"ديربي"، والتي تُصنعها شركة "رافائيل" الإسرائيلية، ومُصممة لاعتراض مجموعة متنوعة من التهديدات الجوية، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والطائرات من دون طيار.
منشأة اختبار؟
إضافة إلى تعزيز القدرات الدفاعية ونشر قدرات إضافية في المنطقة، قال 3 مسؤولين دفاعيين أميركيين لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، إن القيادة المركزية تعمل على تطوير خطط لفتح منشأة اختبار عسكرية جديدة في السعودية، تتولى مهام اختبار تقنيات جديدة لمكافحة التهديد المتزايد من الطائرات المُسيرة، إضافة إلى تطوير واختبار قدرات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة.
ورغم أن تلك الخطط التي يتحدث عنها مسؤولون أميركيون لم تتبلور في شكلها النهائي بعد، إلا أن هناك مقترحات لتسمية تلك المنشأة بـ"مركز الرمال الحمراء للتجارب الشاملة"، على غرار منشأة "مركز الرمال البيضاء لاختبار الصواريخ" التابعة للجيش الأميركي في "نيو ميكسيكو" الأميركية.
وأضاف المسؤولون الثلاثة "في حين لم يتم الانتهاء من تحديد موقع تأسيس تلك المنشأة بعد، فإن السعودية هي الأكثر منطقية لأنها تحتوي على مساحات مفتوحة كبيرة مملوكة للحكومة، يُمكن من خلالها اختبار أساليب مختلفة للحرب الإلكترونية، مثل تشويش الإشارات والطاقة الموجهة، من دون التداخل مع المراكز السكانية القريبة".
وبسبب كون تلك الخطط غير مكتملة بعد، رفض المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية التعليق على تفاصيل بشأن تلك المخططات.
كهوف المسيرات
إلى جانب التعاون مع القوات الأميركية بالمنطقة، عكف التحالف العربي على تدمير كهوف في اليمن يُعتقد أنه يجري تجميع المُسيرات التي يستخدمها الحوثيون بداخلها. وبحسب المتحدث الرسمي لقوات التحالف العميد الركن تركي المالكي، فإن قوات التحالف نفذت غارات عدة على كهوف استخدمها الحوثيون في تخزين وتجميع الطائرات من دون طيار، على فترات متقاربة من يناير 2019 وحتى نهاية عام 2021.
بالإضافة إلى ذلك، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي قوله إن "السعودية والإمارات تستثمران بشكل مكثف في تكنولوجيا مكافحة الطائرات من دون طيار، لكن العقبة الأساسية التي تواجههما هي السهولة النسبية لبناء تلك الطائرات عبر مكونات تجارية يمكن الحصول عليها وتهريبها بشكل منفصل من دول عدة".
عقوبات دولية
منذ تنامي استخدام إيران -ووكلاؤها- المُسيرات في عمليات الاستهداف التي تجري في الشرق الأوسط سواء ضد المصالح الأميركية أو مصالح الحلفاء للولايات المتحدة، عكفت واشنطن على محاولة تقييد برنامج المُسيرات الإيراني، عبر سلسلة من العقوبات التي استهدفت هيئات البحث والتطوير وهيئات التصنيع والشركات العاملة في تصنيع المكونات أو توريدها للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى فرض عقوبات على كل من ينخرط في عملية نقلها إلى دول أو مجموعات خارج إيران.
آخر تلك العقوبات، هي التي أعلنت عنها وزارة الخزانة الأميركية في 8 سبتمبر 2022، وتضمنت شركة طيران لنقلها المُسيرات الإيرانية إلى روسيا، إضافة إلى 3 شركات وشخص واحد، لانخراطهما في عمليات البحث والتطوير وإنتاج المُسيرات الإيرانية لصالح الحرس الثوري والقوة الجو-فضائية الإيرانية، وعلى رأسها مُسيرات "شهيد" بطرازاتها المختلفة.