أكد بحث سبق الاحتجاجات الأخيرة في إيران، أن استمرار السياسات المتبعة من قبل النظام، سيؤدي إلى تكرار الاحتجاجات التي تحتاج إلى شرارة واحدة فقط لتجعل المحتجين ذوي الرؤى والأهداف المتعددة والمتنوعة، ينزلون إلى الشوارع، وهذا ما حدث فعلا إثر مقتل الفتاة الكردية جينا (مهسا) أميني.

يذكر أن البحث تم قبل الاحتجاجات الأخيرة، وخصص في الواقع لدراسة احتجاجات 2017 إلى 2021، من قبل أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيراز، خليل الله سردارنيا، وطالبة الدكتوراه في العلوم السياسية بنفس الجامعة هنغامه البرزي، ونشر في المجلة العلمية الفصلية للأبحاث الاستراتيجية لجامعة العلامة طباطبائي، وأعيد نشره من قبل وكالة إيسنا شبه الرسمية يوم الجمعة الماضي.

وأفادت الوكالة شبه الرسمية أن الباحثين كانا قد حذرا المسؤولين الإيرانيين قائلين: "إذا لم تستجب السلطات لمطالب الشعب وتجاهلت الأسباب الرئيسية للاحتجاجات، لن تبقى موجات مقبلة من الاحتجاجات على مستوياتها السابقة"، وهذا ما حدث فعلا في الاحتجاجات الأخيرة التي شكلت سابقة بدخول شهرها الثاني.

ووفقا للبحث، فإن حدوث الاحتجاجات يشير إلى مشاكل مثل الفقر وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين مختلف طبقات المجتمع، وإهمال الكثير من الناس، ووجود فساد إداري واقتصادي على مستوى واسع، بالإضافة إلى عدم ثقة الناس وأصحاب المهن بالأحزاب والمؤسسات الحكومية الرسمية.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة بسبب مقتل مهسا أميني، كان السؤال المطروح هو لماذا انتشرت الاحتجاجات بهذه السرعة ومع استمرارها طرح سؤال وهو لماذا تستمر منذ أسابيع، وهل سبق أن تم تحذير المسؤولين في النظام الإيراني من قبل الباحثين الاجتماعيين حول الوضع قبل ذلك؟ ولكن حتى لو تم تحذير الطبقة الحاكمة فهي لا تؤمن بالعلوم الاجتماعية ولا بالعلوم الإنسانية الحديثة.

واعتبر البحث أن الاحتجاجات من 2017 إلى 2021 شكلت منعطفا هاما في تاريخ الاحتجاجات النقابية في إيران، حيث اندلعت خلال تلك الفترة احتجاجات عديدة من جانب الذين فقدوا استثماراتهم والعمال والمتقاعدين والمعلمين وسائقي الشاحنات والفئات الأخرى واتخذت الاحتجاجات شكلا جديدا.

وكانت بداية الاحتجاجات في نهاية عام 2017 كسلسلة من المظاهرات بدون قيادة، وانطلقت في 28 ديسمبر 2017 في مدينة مشهد ثاني أكبر مدينة في إيران، وامتدت إلى 160 مدينة إيرانية أخرى، وكانت ذات طابع اقتصادي ضد ارتفاع الأسعار والفساد الاقتصادي والبطالة.

واستمرت تلك الاحتجاجات في عام 2018، وجاءت احتجاجات نوفمبر 2019 كأهم وأشمل الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد الثورة، والتي اندلعت ردا على زيادة أسعار البنزين بنسبة 300٪، وكانت هذه الاحتجاجات سلمية نسبيًا في البداية، لكن سرعان ما تحولت تدريجياً إلى تمرد عنيف في العديد من المدن، وهاجم المتظاهرون المباني الحكومية وسيارات الشرطة والبنوك وبعض المتاجر الحكومية وتعطل التدفق الطبيعي للأعمال وحركة المرور.

يذكر أن السلطات قطعت الإنترنت وقمعت تلك الاحتجاجات بشكل دموي وسقط خلالها نحو 1500 قتيل، حسب تقرير حصلت عليه وكالة رويترز من موظفين في وزارة الداخلية الإيرانية، واستخدمت السلطات الأسلحة الثقيلة ضد محتجين عرب في مدينة معشور جنوب الأهواز.

بعد ذلك سلط البحث الضوء على العديد من الاحتجاجات والإضرابات في مختلف الشركات والمؤسسات الإيرانية، من قبيل احتجاجات عمال البتروكيماويات والمتقاعدين، والاحتجاج على جفاف المستنقعات، والجفاف بشكل عام، خاصة في الأهواز التي عرفت باسم انتفاضة العطش، وغيرها من الاحتجاجات في عام 2021، ونظراً لأهمية هذا الموضوع، قام الباحثون بالتحقيق في هذه الاحتجاجات باستخدام نظرية "سياسة الشارع".

استخرج الباحثان 6 محاور اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية وبيئية وتحفيزية من الشعارات والهتافات المتعلقة بمطالب المحتجين، وفي التحقيقات الأولية، تم الحصول على 170 جملة أساسية من خلال تحليل شعارات ومطالب المحتجين، منها 35.6٪ اقتصادية، و32.1٪ سياسية، و12.3٪ اجتماعية، و10٪ تحفيزية، و5.4٪ بيئية، و4.1% حقوقية.

ضعف عامل التآمر الخارجي في التحريض على الاحتجاجات

وحسب البحث كان الاختلاف الوحيد بين آراء المتظاهرين والخبراء بخصوص المطالب هو أن العامل السياسي بالنسبة للمتظاهرين أنفسهم كان أهم من العامل الاجتماعي بعد العامل الاقتصادي، لكن الخبراء يعتبرون العامل الاجتماعي أكثر أهمية من العامل السياسي، كما أشار البحث إلى ما اعتبره "ضعف عامل التآمر الداخلي والخارجي" في تحريك وتصعيد الاحتجاجات.

ووفقا للباحثين، تتمثل أهم نتائج هذا البحث في أن الاحتجاجات كانت في الأساس عفوية، ومباشرة في الشارع، وبدون قائد، ومبتكرة في تكتيكاتها، وغير واثقة بالنقابات والمنظمات المدنية، ومستمرة ومتسلسلة ولها صلات أفقية مع احتجاجات مماثلة.

ويوضح تحليل محتوى مطالب وشعارات المتظاهرين والخبراء أن المتغيرات الاقتصادية - المعيشية والسياسية والاجتماعية والتحفيزية والبيئية والقانونية كان لها تأثير في الاحتجاجات، لكن العامل الاقتصادي والمعيشي لعب الدور الأكبر.

وخلص البحث إلى أن اندلاع الاحتجاجات يدل على وجود وظهور عدة قضايا أساسية في المجتمع الإيراني وهي:

- وجود فقر وتمييز اجتماعي واقتصادي بين طبقات المجتمع المختلفة، وإهمال العديد من فئات الناس والأعمال والأشغال وانتشار الفساد الإداري والاقتصادي على نطاق واسع.

- تغيير نمط حياة أعضاء المجتمع بسبب العولمة وتوسع التواصل وتغيير أذواق الناس وعاداتهم تحت تأثير الاحتياجات الجديدة والفضاء الافتراضي، ووجود إمكانية الاطلاع على ظروف الشعوب في المجتمعات الأخرى وإمكانياتها من جهة توفير إمكانية التضامن الافتراضي ونقل نفس التضامن إلى الساحة الاجتماعية الحقيقية.

- عدم ثقة الناس وأصحاب الأعمال بالأحزاب والمؤسسات الحكومية الرسمية واعتبر أنفسهم وحيدين وغير مدعومين، وهو ما دفع الناس العاديين إلى الصراخ للتعبير عن أنفسهم في الشارع.

ويقول الباحثان إنه إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الشعب، مع تجاهل الأسباب الرئيسية للاحتجاجات، فليس من الواضح ما إذا كانت الموجات القادمة من الاحتجاجات ستبقى على مستوياتها السابقة أم ستشتعل أكثر، لهذا السبب، يجب على المسؤولين وصناع القرار على مختلف المستويات الحكومية مراعاة المصالح، خاصة المتطلبات المعيشية للناس في سياساتهم وتنفيذها، لأن شرارة أخرى كافية لدفع جميع المحتجين ذوي المواقف والأهداف المتعددة والمتنوعة للنزول إلى الشوارع.

توصيات الدراسة لصناع القرار إلى السلطات الإيرانية

- إجراء إصلاحات جوهرية وهيكلية خاصة في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل إصلاح النظام المصرفي والميزانية وأسعار السلع والطاقة.

- استعادة الثقة المفقودة لدى الناس من خلال استعادة التراضي الاجتماعي الذي لن يكون بالطبع مهمة سهلة، كما أن عدم جعل حياة الناس أكثر صعوبة وتقييدا من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، سيشكل خطوة إيجابية على طريق كسب الثقة المفقودة.

- خلق رؤية واضحة وفتح آفاق للشعب، وخاصة للشباب، يمكن أن يوقظ الشعور بالأمل في المستقبل ويحفز الأنشطة والدوافع فيهم.

- مراجعة البرامج والخطط الاقتصادية لفائدة الطبقات الدنيا في المجتمع لتحسين ظروفهم المعيشية.

- الاعتراف بالحركات الاحتجاجية للمحتجين وخلق فضاء سياسي منفتح وحر وإيجاد آلية للتعبير عن الاحتجاجات.