ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الدول الأوروبية أصبحت قلقة من إمكانية أن يستغل الكرملين مجتمعاتها المفتوحة، في ما تصفه بأنه محاولة "لتعميق محاولات التجسس والتخريب والتسلل"، وذلك مع تعثر الحرب في أوكرانيا، وزيادة عزلة روسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك ربما يهدف إلى توصيل رسالة، أو اختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو إذا لزم الأمر في صراع أوسع مع الغرب.
واستشهدت الصحيفة بمثال على شبهات التجسس التي باتت دول أوروبية تنظر بها إلى الروس، إذ أشارت إلى واقعة باحث ضيف في "جامعة ترومسو" في النرويج، عُرف باسم خوسيه جياماريا، والذي كان يتم التعامل معه على أنه برازيلي.
لكن الشبهات بدأت تحوم حوله، لا سيما مع عدم استطاعته التحدث بالبرتغالية، ثم كانت هناك حقيقة أنه موّل زيارته بنفسه، وهو أمر غريب في الأوساط الأكاديمية.
وكان ذلك الشخص يخطط لتمديد زيارته، لكنه لم يتحدث مطلقاً عن بحثه، إلا أنه كان دائماً متعاوناً، حتى أنه عرض إعادة تصميم الصفحة الرئيسية لـ"مركز دراسات السلام"، حيث كان يعمل.
كان ذلك حتى 24 أكتوبر، عندما وصلت شرطة الأمن النرويجية ومعها مذكرة لتفتيش مكتبه. وبعد أيام، أعلنت الشرطة اعتقاله كجاسوس روسي، يدعى ميخائيل ميكوشين.
وأثار هذا الكشف حالة من الصدمة في الحرم الجامعي، حسبما قالت مارسيلا دوجلاس، التي ترأس "مركز دراسات السلام"، الذي يبحث في الأمن والصراع. وقالت: "بدأتُ أرى جواسيس في كل مكان".
أجزاء من أوروبا
وقالت "نيويورك تايمز" إن هذا الأمر لم يكن مقتصراً على النرويج فحسب، بل شمل جزءاً كبيراً من بقية أوروبا أيضاً.
وأشارت إلى أن ميكوشين هو واحد من ثلاثة روس اعتقلوا مؤخراً في أوروبا؛ للاشتباه في كونهم جواسيس يندمجون في مجتمع محلي، للتجسس أو التجنيد على المدى الطويل.
وفي يونيو، ألقي القبض في لاهاي على متدرب في "المحكمة الجنائية الدولية"، يحمل جواز سفر برازيلي أيضاً، ووجهت إليه تهمة التجسس لصالح روسيا. وفي أواخر نوفمبر، ألقت السلطات السويدية القبض على زوجين روسيين متهمين بالتجسس.
وظهرت حوادث مشبوهة أخرى في جميع أنحاء أوروبا. ففي ألمانيا، عثر على طائرات مسيّرة تحلّق فوق المواقع العسكرية حيث كانت القوات الأوكرانية تتدرب فيها، واشتبه المسؤولون الألمان بقوة بأن تكون تابعة للاستخبارات الروسية.
وعلى الرغم من أن الكابلات البحرية التي قطعت في فرنسا لا تعزى إلى نية خبيثة، إلا أنها أثارت شكوكاً بين المحللين الأمنيين. كما دق الاختراق الإلكتروني لشبكات توزيع الوقود في بلجيكا وألمانيا قبل أيام من الغزو الروسي، ناقوس الخطر.
وقالت الصحيفة إنه لا يمكن إرجاع جميع الحوادث إلى الكرملين على وجه اليقين. ووصفت روسيا سلسلة من الاعتقالات النرويجية الأخيرة، معظمها لمواطنين روس بسبب إطلاقهم طائرات مسيرة، بأنها شكل من أشكال "الهستيريا".
قلق نرويجي
ومع ذلك، قد يكون لدى النرويج أسباب للقلق أكثر من غيرها. والآن بعد أن قطعت العقوبات الغربية الوقود الأحفوري الروسي عن أوروبا، أصبحت النرويج أكبر مورد للنفط والغاز للقارة.
وقبالة ساحل النرويج على المحيط المتجمد الشمالي، توجد كابلات تحت الماء تعتبر ضرورية لخدمة الإنترنت لمركز لندن المالي، ولتمرير صور الأقمار الاصطناعية من الشمال الأعلى، حيث تحد النرويج روسيا لمسافة 123 ميلاً، عبر المحيط الأطلسي، إلى الولايات المتحدة.
وأصبح هذا الدور الحيوي أكثر عرضة للخطر منذ سبتمبر؛ عندما تسببت انفجارات في تدمير خطوط أنابيب "نورد ستريم" بين روسيا وألمانيا، والتي تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بالمسؤولية عنها.
وقال توم روزيث، الأستاذ في كلية الدفاع النرويجية الجامعية: "الحرب ليست فقط في أوكرانيا. يمكن أن تؤثر علينا أيضاً، حتى لو كان من الصعب تحديد أطراف بعينها".
"العملاء النائمون"
وتم القبض على عدد من الجواسيس الروس التقليديين وطردهم في السنوات الأخيرة، مما قد يجعل روسيا أكثر اعتماداً على "العملاء النائمين"، خاصة مع تعثر الحرب في أوكرانيا.
وقال روزيث إن الزيادة الأخيرة في ضبط هذه الحالات تعكس حاجة روسيا إلى "جواسيسها النائمين". وأضاف: "في هذه المرحلة في أوروبا، مع ضغط الوضع الذي تعيشه موسكو، تريد شبكتها أن تفي بوعودها. على الرغم من أن هذه الأنشطة كانت موجودة من قبل، أعتقد أنها تنطوي على مخاطر أكبر الآن".
وفي حالة النرويج، بدأ القلق يتصاعد بعد رصد طائرة مسيرة من الدرجة العسكرية في سبتمبر فوق منصة نفطية في بحر الشمال. وسرعان ما ظهرت المزيد من المسيّرات فوق منشآت النفط والغاز ومحطة توليد الكهرباء.
وقبل شهرين، أُغلق مطار بيرجن، الواقع بالقرب من أكبر قاعدة بحرية في النرويج لمدة ساعتين، بعد رصد طائرات مسيرة في المنطقة.
وبدأ النرويجيون في التشكيك في حوادث أخرى وقعت في وقت سابق من هذا العام، وأشاروا إلى كابل تحت الماء تضرر في يناير، والذي ينقل صور الأقمار الاصطناعية لوكالات الفضاء الغربية.
وقال أولي يوهان سكوجمو، مفتش الشرطة الإقليمية: "مثل هذه الهجمات يمكن أن تكون مفيدة، شأنها شأن المراقبة لمنصات النفط.. لا نعرف بالضبط من فعل ذلك. لكنهم يعرفون الآن أننا نعرف أن شخصاً ما يمكنه القيام بذلك"، وذلك من دون أن يحدد طرفاً بعينه.
واستجاب المواطنون النرويجيون باهتمام لتحذيرات السلطات بأن يكونوا في حالة تأهب، وأغرقوا الشرطة بمكالمات بشأن مشاهدات الطائرات المسيرة، أو الأجانب الذين يزعم أنهم يتصرفون بشكل مشبوه.
لكن الآن، يشعر البعض بالقلق من أن هذه اليقظة المفرطة قد تذهب بعيداً جداً، خاصة بالنسبة لمجالات غامضة مثل أنشطة التجسس المشتبه بها.
وفي ظهيرة أحد الأيام الأخيرة، في الظلام الدامس لشتاء القطب الشمالي، كانت محكمة ترومسو الإقليمية الصغيرة تنظر في قضيتين ضد مواطنين روس متهمين بتسيير طائرات مسيرة.
ولم يتهم أي منهما بالتجسس، وهو أمر يصعب إثباته. وبدلاً من ذلك، اتهموا بانتهاك العقوبات الأوروبية التي تحظر على الروس تسيير مثل هذه الطائرات.
وألقي القبض على سبعة روس في منتصف أكتوبر لتسييرهم طائرات مسيرة، وتم تقديم أربعة للمحاكمة. وأدين اثنان وحكم عليهما بقضاء أحكام بالسجن لمدة 90 أو 120 يوماً.
"أفلام جيمس بوند"
ومن بين الذين تم القبض عليهم في هذه الاعتقالات أندريه ياكونين، نجل فلاديمير ياكونين، الحليف القديم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاكمة تمت متابعتها عن كثب في جميع أنحاء البلاد.
ونأى ياكونين الأصغر، وهو رجل أعمال يعيش في المملكة المتحدة ويحمل الجنسية البريطانية، بنفسه عن الغزو الروسي.
وتم القبض عليه بعد أن أوقفت السلطات النرويجية يخته المسمى "فايربيرد"، وسألته عما إذا كان لديه طائرة مسيرة. وأظهر لهم طائرة مسيرة تستخدم لالتقاط صور له ولطاقمه وهم يتزلجون ويصطادون بين المناظر الطبيعية الجليدية في القطب الشمالي في النرويج. وطالب الادعاء بالحكم بالسجن لمدة 120 يوماً بحقه.
وقال ياكونين مازحاً، في مقابلة مع "نيويورك تايمز" بعد بدء محاكمته في 3 ديسمبر: "بالتأكيد أنا لست جاسوساً، على الرغم من أنني أملك مجموعة كاملة من أفلام جيمس بوند".
وفي حديثه إلى الصحيفة، رفض ياكونين التعليق على ما إذا كان اعتقاله له دوافع سياسية، لكنه قال إنه من الغريب أنه تم اعتقاله هو وثلاثة رجال آخرين، خلال فترة قصيرة في أكتوبر.
وعلى الجانب الآخر من القاعة، في قاعة محكمة صغيرة بعيداً عن الكاميرات، دافع أليكسي ريزنيتشينكو، وهو مهندس روسي، عن قضيته في محاكمة أقل شهرة. وتم القبض عليه بعد التقاط صور للأسوار وموقف السيارات خارج برج المراقبة في مطار ترومسو.
وقال إيفار هيلسينج شروين، مدير المراقبة الجوية الذي اشتبه في الرجل، واتصل بالشرطة: "لقد كان شعوراً غريزياً.. كان هناك شيء غريب للغاية".
وعُثر معه على صور لطائرة مروحية عسكرية ومطار كيركينيس القريب. وقال إن التقاط صور للطائرات والمطارات هواية قديمة. لكن على أي حال، لم يكن هناك أي شيء غير قانوني في ما يتعلق بالصورتين. وبدلاً من ذلك، اتُهم ريزنيتشينكو بإطلاق طائرة مسيرة.
ويقول الادعاء ومحامو الدفاع على حد سواء، إن النرويج عبرت في مقاضاتها في مثل هذه القضايا منطقة قانونية رمادية، تتحدى قيمها الديمقراطية.
التأثير على البحث العلمي
وأثارت قضية ميكوشين صراعاً بين محللي الأمن والأكاديميين بشأن مدى صرامة مراقبة وتقييد الباحثين الأجانب أو التعاون الدولي، الأمر الذي قد يكون له تأثير مخيف على الأبحاث المهمة.
وفي قضايا الطائرات المسيرة، قال ياكونين والعديد من محامي الدفاع الآخرين إن معاقبة الروس على أساس الجنسية أمر تمييزي، وربما انتهاك لحقوق الإنسان.
وبحسب "نيويورك تايمز"، يبدو أن الدولة نفسها متخبطة بشأن كيفية التعامل مع الوضع. وقرر القضاة في قضيتي ياكونين وريزنيتشينكو تبرئتهما. لكن المدعين العامين يطعنون في القضيتين. وسيعود ياكونين إلى محكمة ترومسو في يناير.
وقال أولا لارسن، محامي ريزنيتشينكو: "السياسة تلعب دوراً. إنهم يريدون إيصال رسالة للروس".
وكانت التوترات الأمنية في القطب الشمالي النرويجي عالية قبل غزو أوكرانيا. وكانت للحدود الشمالية علاقات ودية بين السكان المحليين، الذين يتاجرون مع بعضهم البعض، ولكن كانت هناك العديد من حالات التجسس المشتبه بها، والتي يعود تاريخها إلى الحرب الباردة.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك ربما يهدف إلى توصيل رسالة، أو اختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو إذا لزم الأمر في صراع أوسع مع الغرب.
واستشهدت الصحيفة بمثال على شبهات التجسس التي باتت دول أوروبية تنظر بها إلى الروس، إذ أشارت إلى واقعة باحث ضيف في "جامعة ترومسو" في النرويج، عُرف باسم خوسيه جياماريا، والذي كان يتم التعامل معه على أنه برازيلي.
لكن الشبهات بدأت تحوم حوله، لا سيما مع عدم استطاعته التحدث بالبرتغالية، ثم كانت هناك حقيقة أنه موّل زيارته بنفسه، وهو أمر غريب في الأوساط الأكاديمية.
وكان ذلك الشخص يخطط لتمديد زيارته، لكنه لم يتحدث مطلقاً عن بحثه، إلا أنه كان دائماً متعاوناً، حتى أنه عرض إعادة تصميم الصفحة الرئيسية لـ"مركز دراسات السلام"، حيث كان يعمل.
كان ذلك حتى 24 أكتوبر، عندما وصلت شرطة الأمن النرويجية ومعها مذكرة لتفتيش مكتبه. وبعد أيام، أعلنت الشرطة اعتقاله كجاسوس روسي، يدعى ميخائيل ميكوشين.
وأثار هذا الكشف حالة من الصدمة في الحرم الجامعي، حسبما قالت مارسيلا دوجلاس، التي ترأس "مركز دراسات السلام"، الذي يبحث في الأمن والصراع. وقالت: "بدأتُ أرى جواسيس في كل مكان".
أجزاء من أوروبا
وقالت "نيويورك تايمز" إن هذا الأمر لم يكن مقتصراً على النرويج فحسب، بل شمل جزءاً كبيراً من بقية أوروبا أيضاً.
وأشارت إلى أن ميكوشين هو واحد من ثلاثة روس اعتقلوا مؤخراً في أوروبا؛ للاشتباه في كونهم جواسيس يندمجون في مجتمع محلي، للتجسس أو التجنيد على المدى الطويل.
وفي يونيو، ألقي القبض في لاهاي على متدرب في "المحكمة الجنائية الدولية"، يحمل جواز سفر برازيلي أيضاً، ووجهت إليه تهمة التجسس لصالح روسيا. وفي أواخر نوفمبر، ألقت السلطات السويدية القبض على زوجين روسيين متهمين بالتجسس.
وظهرت حوادث مشبوهة أخرى في جميع أنحاء أوروبا. ففي ألمانيا، عثر على طائرات مسيّرة تحلّق فوق المواقع العسكرية حيث كانت القوات الأوكرانية تتدرب فيها، واشتبه المسؤولون الألمان بقوة بأن تكون تابعة للاستخبارات الروسية.
وعلى الرغم من أن الكابلات البحرية التي قطعت في فرنسا لا تعزى إلى نية خبيثة، إلا أنها أثارت شكوكاً بين المحللين الأمنيين. كما دق الاختراق الإلكتروني لشبكات توزيع الوقود في بلجيكا وألمانيا قبل أيام من الغزو الروسي، ناقوس الخطر.
وقالت الصحيفة إنه لا يمكن إرجاع جميع الحوادث إلى الكرملين على وجه اليقين. ووصفت روسيا سلسلة من الاعتقالات النرويجية الأخيرة، معظمها لمواطنين روس بسبب إطلاقهم طائرات مسيرة، بأنها شكل من أشكال "الهستيريا".
قلق نرويجي
ومع ذلك، قد يكون لدى النرويج أسباب للقلق أكثر من غيرها. والآن بعد أن قطعت العقوبات الغربية الوقود الأحفوري الروسي عن أوروبا، أصبحت النرويج أكبر مورد للنفط والغاز للقارة.
وقبالة ساحل النرويج على المحيط المتجمد الشمالي، توجد كابلات تحت الماء تعتبر ضرورية لخدمة الإنترنت لمركز لندن المالي، ولتمرير صور الأقمار الاصطناعية من الشمال الأعلى، حيث تحد النرويج روسيا لمسافة 123 ميلاً، عبر المحيط الأطلسي، إلى الولايات المتحدة.
وأصبح هذا الدور الحيوي أكثر عرضة للخطر منذ سبتمبر؛ عندما تسببت انفجارات في تدمير خطوط أنابيب "نورد ستريم" بين روسيا وألمانيا، والتي تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بالمسؤولية عنها.
وقال توم روزيث، الأستاذ في كلية الدفاع النرويجية الجامعية: "الحرب ليست فقط في أوكرانيا. يمكن أن تؤثر علينا أيضاً، حتى لو كان من الصعب تحديد أطراف بعينها".
"العملاء النائمون"
وتم القبض على عدد من الجواسيس الروس التقليديين وطردهم في السنوات الأخيرة، مما قد يجعل روسيا أكثر اعتماداً على "العملاء النائمين"، خاصة مع تعثر الحرب في أوكرانيا.
وقال روزيث إن الزيادة الأخيرة في ضبط هذه الحالات تعكس حاجة روسيا إلى "جواسيسها النائمين". وأضاف: "في هذه المرحلة في أوروبا، مع ضغط الوضع الذي تعيشه موسكو، تريد شبكتها أن تفي بوعودها. على الرغم من أن هذه الأنشطة كانت موجودة من قبل، أعتقد أنها تنطوي على مخاطر أكبر الآن".
وفي حالة النرويج، بدأ القلق يتصاعد بعد رصد طائرة مسيرة من الدرجة العسكرية في سبتمبر فوق منصة نفطية في بحر الشمال. وسرعان ما ظهرت المزيد من المسيّرات فوق منشآت النفط والغاز ومحطة توليد الكهرباء.
وقبل شهرين، أُغلق مطار بيرجن، الواقع بالقرب من أكبر قاعدة بحرية في النرويج لمدة ساعتين، بعد رصد طائرات مسيرة في المنطقة.
وبدأ النرويجيون في التشكيك في حوادث أخرى وقعت في وقت سابق من هذا العام، وأشاروا إلى كابل تحت الماء تضرر في يناير، والذي ينقل صور الأقمار الاصطناعية لوكالات الفضاء الغربية.
وقال أولي يوهان سكوجمو، مفتش الشرطة الإقليمية: "مثل هذه الهجمات يمكن أن تكون مفيدة، شأنها شأن المراقبة لمنصات النفط.. لا نعرف بالضبط من فعل ذلك. لكنهم يعرفون الآن أننا نعرف أن شخصاً ما يمكنه القيام بذلك"، وذلك من دون أن يحدد طرفاً بعينه.
واستجاب المواطنون النرويجيون باهتمام لتحذيرات السلطات بأن يكونوا في حالة تأهب، وأغرقوا الشرطة بمكالمات بشأن مشاهدات الطائرات المسيرة، أو الأجانب الذين يزعم أنهم يتصرفون بشكل مشبوه.
لكن الآن، يشعر البعض بالقلق من أن هذه اليقظة المفرطة قد تذهب بعيداً جداً، خاصة بالنسبة لمجالات غامضة مثل أنشطة التجسس المشتبه بها.
وفي ظهيرة أحد الأيام الأخيرة، في الظلام الدامس لشتاء القطب الشمالي، كانت محكمة ترومسو الإقليمية الصغيرة تنظر في قضيتين ضد مواطنين روس متهمين بتسيير طائرات مسيرة.
ولم يتهم أي منهما بالتجسس، وهو أمر يصعب إثباته. وبدلاً من ذلك، اتهموا بانتهاك العقوبات الأوروبية التي تحظر على الروس تسيير مثل هذه الطائرات.
وألقي القبض على سبعة روس في منتصف أكتوبر لتسييرهم طائرات مسيرة، وتم تقديم أربعة للمحاكمة. وأدين اثنان وحكم عليهما بقضاء أحكام بالسجن لمدة 90 أو 120 يوماً.
"أفلام جيمس بوند"
ومن بين الذين تم القبض عليهم في هذه الاعتقالات أندريه ياكونين، نجل فلاديمير ياكونين، الحليف القديم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاكمة تمت متابعتها عن كثب في جميع أنحاء البلاد.
ونأى ياكونين الأصغر، وهو رجل أعمال يعيش في المملكة المتحدة ويحمل الجنسية البريطانية، بنفسه عن الغزو الروسي.
وتم القبض عليه بعد أن أوقفت السلطات النرويجية يخته المسمى "فايربيرد"، وسألته عما إذا كان لديه طائرة مسيرة. وأظهر لهم طائرة مسيرة تستخدم لالتقاط صور له ولطاقمه وهم يتزلجون ويصطادون بين المناظر الطبيعية الجليدية في القطب الشمالي في النرويج. وطالب الادعاء بالحكم بالسجن لمدة 120 يوماً بحقه.
وقال ياكونين مازحاً، في مقابلة مع "نيويورك تايمز" بعد بدء محاكمته في 3 ديسمبر: "بالتأكيد أنا لست جاسوساً، على الرغم من أنني أملك مجموعة كاملة من أفلام جيمس بوند".
وفي حديثه إلى الصحيفة، رفض ياكونين التعليق على ما إذا كان اعتقاله له دوافع سياسية، لكنه قال إنه من الغريب أنه تم اعتقاله هو وثلاثة رجال آخرين، خلال فترة قصيرة في أكتوبر.
وعلى الجانب الآخر من القاعة، في قاعة محكمة صغيرة بعيداً عن الكاميرات، دافع أليكسي ريزنيتشينكو، وهو مهندس روسي، عن قضيته في محاكمة أقل شهرة. وتم القبض عليه بعد التقاط صور للأسوار وموقف السيارات خارج برج المراقبة في مطار ترومسو.
وقال إيفار هيلسينج شروين، مدير المراقبة الجوية الذي اشتبه في الرجل، واتصل بالشرطة: "لقد كان شعوراً غريزياً.. كان هناك شيء غريب للغاية".
وعُثر معه على صور لطائرة مروحية عسكرية ومطار كيركينيس القريب. وقال إن التقاط صور للطائرات والمطارات هواية قديمة. لكن على أي حال، لم يكن هناك أي شيء غير قانوني في ما يتعلق بالصورتين. وبدلاً من ذلك، اتُهم ريزنيتشينكو بإطلاق طائرة مسيرة.
ويقول الادعاء ومحامو الدفاع على حد سواء، إن النرويج عبرت في مقاضاتها في مثل هذه القضايا منطقة قانونية رمادية، تتحدى قيمها الديمقراطية.
التأثير على البحث العلمي
وأثارت قضية ميكوشين صراعاً بين محللي الأمن والأكاديميين بشأن مدى صرامة مراقبة وتقييد الباحثين الأجانب أو التعاون الدولي، الأمر الذي قد يكون له تأثير مخيف على الأبحاث المهمة.
وفي قضايا الطائرات المسيرة، قال ياكونين والعديد من محامي الدفاع الآخرين إن معاقبة الروس على أساس الجنسية أمر تمييزي، وربما انتهاك لحقوق الإنسان.
وبحسب "نيويورك تايمز"، يبدو أن الدولة نفسها متخبطة بشأن كيفية التعامل مع الوضع. وقرر القضاة في قضيتي ياكونين وريزنيتشينكو تبرئتهما. لكن المدعين العامين يطعنون في القضيتين. وسيعود ياكونين إلى محكمة ترومسو في يناير.
وقال أولا لارسن، محامي ريزنيتشينكو: "السياسة تلعب دوراً. إنهم يريدون إيصال رسالة للروس".
وكانت التوترات الأمنية في القطب الشمالي النرويجي عالية قبل غزو أوكرانيا. وكانت للحدود الشمالية علاقات ودية بين السكان المحليين، الذين يتاجرون مع بعضهم البعض، ولكن كانت هناك العديد من حالات التجسس المشتبه بها، والتي يعود تاريخها إلى الحرب الباردة.