الحرة
حين ألقت قوات الشرطة القبض على زعيم المافيا الإيطالية (كوزا نوسترا)، سلفاتوري توتو ريينا، في عام 1993 بعد 23 عاما من وجوده على قائمة المطلوبين، كان يعيش بهدوء مع زوجته وأبنائه الأربعة في باليرمو.
تزامن القبض على ريينا مع حملة اعتقالات طالت أعضاء كثيرين في (كوزا نوسترا) التي كانت قد شنت حملة ضد الدولة، واغتالت العديد من المسؤولين في الدولة.
من وقتها، بقي واحد من المقربين لريينا، وهو ماتيو ميسينا دينارو (60 عاما)، الذي بات لاحقا زعيم المافيا وأخطر المطلوبين، مختفيا عن الأنظار لمدة 30 عاما، قبل أن تنجح الشرطة في اعتقاله من مستشفى خاص في باليرمو بإقليم صقلية، الاثنين، حيث كان يتلقى العلاج من مرض السرطان.
لقطة من أمام المستشفى الذي تم إلقاء القبض على دينارو منه في باليرمو
توارى دينارو عن الأنظار منذ عام 1993 وحُكم عليه غيابيا بالسجن مدى الحياة لضلوعه في جريمة قتل المدعيين العامين اللذين كانا يلاحقان المافيا، جيوفاني فالكوني وباولو بورسيلينو عام 1992، وهو ما تسبب في صدمة لإيطاليا، وأدى إلى حملة أمنيه ومداهمات ضد (كوزا نوسترا).
شارك المئات من رجال الشرطة في البحث عن دينارو على مر السنين دون نجاح. حتى أن حملات اعتقال العديد من المقربين منه، بمن فيهم شقيقته باتريسيا في 2013، لم تحقق آمال الانتصار على المافيا التي كانت ترتكب جرائم خطيرة.
تمكن دينارو من الاختفاء عن الأنظار منذ عام 1993
ويعزو تقرير لصحيفة "الغارديان" تمكن هروب دينارو من الشرطة طوال 30 عاما لأنه كان يحظى بالولاء من الناس الذين يعيشون في منطقته، مدينة كاستلفيترانو ومقاطعة تراباني الأوسع، غربي صقلية، مشيرة إلى أن المقربين منه الذين تم اعتقالهم على مدار السنوات الماضية لم يفصحوا عن معلومات تخص زعيمهم.
ولم يكن ديمارو، مثل زعماء آخرين من المافيا، يتحرك خارج منطقته أو يسافر إلى الخارج، بحسب ما نقلت عن جياكومو دي جيرولامو، مؤلف سيرة دينارو، بعنوان "غير المرئي"، حيث كان محميا في أراضيه.
ورغم أن والده كان زعيما لعصابة فرعية في المافيا، فإنه كان من المدرسة القديمة، بعكس دينارو الابن الذي كان ينظر إليه على أنه لا يمتلك الصفات التي تجعله زعيما تقليديا، "فقد كان نحيفا ومبهرجا للغاية"، بحسب دي جيرولامو.
ويشير إلى أن دينارو استطاع دخول "المنطقة الرمادية"، والتعامل مع السياسيين في الظل.
ويوضح أن ثروة دينارو الهائلة جاءت من استثماراته في الطاقة والنفايات، حيث تسلل بنجاح إلى داخل الحكومة المحلية، لاحتكار عقود البناء والأشغال العامة المهمة، فضلا عن تجارة المخدرات.
لم يكن دينارو متورطا فحسب في مقتل المحققين فالكوني وبورسيلينو، بل شارك في حملات التفجير عام 1993 عندما استهدفت "كوزا نوسترا" أماكن ذات أهمية ثقافية وسياحية في ميلانو وفلورنسا وروما، لمحاولة إجبار الدولة على إلغاء قوانين مكافحة المافيا المتشددة.
كما كان متورطا في واحدة من أكثر الجرائم المروعة عام 1993 وسط الحملة الأمنية ضد المافيا الإيطالية، حيث شارك في اختطاف جوزيبي دي ماتيو البالغ من العمر 11 عاما، وهو نجل رجل من المافيا كان قد وافق على الشهادة ضدها، والعمل مع السلطات الأمنية.
كان دينارو واحدا من عصابة أبقت الصبي مقيدا بالسلاسل في مواقع مختلفة في غرب صقلية لمدة عامين للضغط على والده للتراجع، قبل أن يتم خنقه ويتحلل جسده في حمض كيميائي.
ورغم أن اعتقال دينارو مؤخرا مثل انتصارا للشرطة، فإن بعض الخبراء يتشككون في أهميته حاليا معتبرين أنه كان بمثابة "رئيس إقليمي في تراباني للمافيا ولم يكن زعيما لكل العصابات أبدا".
وسافرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني إلى صقلية لتوجيه التحية لقوات الشرطة التي ألقت القبض على دينارو.
وقالت "لم ننتصر في الحرب ولم نهزم المافيا (بعد)، لكن هذه المعركة كانت رئيسية لتحقيق النصر وهي ضربة موجعة للجريمة المنظمة".