إرم نيوز
أفرجت الحكومة البريطانية عن وثائق تثبت أن رئيس الوزراء الأسبق توني بلير كان على علم بأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى قبل عامين من الغزو على الأقل.
وتعد الوثائق التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية الأولى من نوعها التي تثبت علم بلير بخلو العراق من الأسلحة المحظورة أو امتلاكه القدرة على تطويرها وفقاً لقرارات الأمم المتحدة الصادرة قبل وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في شهر فبراير/شباط عام 1991 في أعقاب عملية سميت باسم "عاصفة الصحراء".
قضية إشكالية
أكد الدكتور حسن المومني أستاذ العلاقات وتسوية النزاعات في الجامعة الأردنية لـ "إرم نيوز"، أن "إفراج بريطانيا عن تلك الوثائق لن يقدم أو يؤخر أو يؤثر على الواقع السياسي الحالي أو يفرض على الولايات المتحدة وبريطانيا أي تبعات سياسية أو قانونية في المحافل الدولية".
وأوضح المومني أن "غزو العراق لا يزال قضية إشكالية وتسبب بالإطاحة بتوني بلير واستقالته من رئاسة الحكومة البريطانية وإنهاء مستقبله السياسي في حزيران/يونيو 2007، على اعتبار أنه كان محافظاً وأكثر التصاقاً بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش من كونه زعيماً لحزب العمال".
"حجم وقوة ونفوذ الولايات المتحدة وبريطانيا على الساحة الدولية لا يسمح باتخاذ إجراءات بحقهما أو فرض عقوبات أو قرارات ضدهما ترسيخاً للمبدأ الميكافيلي (من يملك يحكم)"
الأكاديمي الأردني حسن المومني
واعتبر الأكاديمي الأردني أن "الوثائق البريطانية تأتي في سياق تعزيز ما تم الحديث عنه سابقاً بشأن الأدلة التي تثبت عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل آنذاك".
وأشار أستاذ العلاقات وتسوية النزاعات في الجامعة الأردنية إلى التقرير الشهير الذي عرضه بلير أمام البرلمان البريطاني لتبرير غزو العراق، والذي أكد فيه أن العراق لديه القدرة على استخدام أسلحة الدمار الشامل خلال 45 دقيقة فقط، لكنه "فشل فيما بعد بالحصول على قرار من مجلس الأمن".
لافتاً إلى أنه "اتضح فيما بعد أن التقرير ما هو إلا عبارة عن رسالة دكتوراة لطالب عراقي عرضها بلير بأخطائها الإملائية على البرلمان على أنها تقرير استخباري".
التبعات القانونية
وحول التبعات القانونية والسياسية للإفراج عن الوثائق المتعلقة بالعراق، أوضح المومني أنه "من غير الممكن إصدار إدانة من مجلس الأمن بحق بريطانيا والولايات المتحدة العضوتين بالمجلس".
واستبعد المومني أن يتم تحويل ملف غزو العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن "تعامل المجتمع الدولي مع الدول الصغرى التي لا تمتلك القدرة على التأثير بمجريات الأحداث ليس كما هو الحال مع الدول الكبرى المؤثرة".
وأكد أن "حجم وقوة ونفوذ الولايات المتحدة وبريطانيا على الساحة الدولية لا يسمح باتخاذ إجراءات بحقهما أو فرض عقوبات أو قرارات ضدهما ترسيخاً للمبدأ الميكافيلي (من يملك يحكم)".
وأشار المومني إلى أن "بلير لم يبد في أي من تصريحاته عقب خروجه من الحكومة أي نوع من الندم على غزو العراق، بل اعتبر أن ما قام به عملية عسكرية أدت إلى نتائج غير مرغوب بها، وأنها كانت حرباً موجهة ضد شخص صدام حسين، بل إنه تلقى مكافأة من حليفه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بتوليه اللجنة الرباعية للسلام بالشرق الأوسط على اعتبار أنه رجل سلام".
وكان بلير قد دافع عن قراراته بشأن غزو العراق في حديث للصحفيين عام 2016 بالقول: "أعتقد أننا توصلنا إلى القرار الصائب، لذا أصبح العالم أفضل وأكثر أمناً".
وحول دلالات توقيت الإفراج عن وثائق غزو العراق، قال المومني، إن "ذلك ربما يأتي بالتزامن مع الذكرى العشرين لعملية غزو العراق في آذار/ مارس عام 2003 وترسيخ مبدأ الشفافية الذي تنتهجه الحكومة البريطانية في التعامل مع الرأي العام، بالإضافة إلى حسابات سياسية داخلية تتمثل في صراع مراكز القوى مع بلير".
في 19 مارس عام 2003 شرعت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعملية عسكرية واسعة لإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بدعم قوي من الحكومة البريطانية
ضحايا الغزو
أسفر غزو العراق عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين والعسكريين خلال العملية وما تلاها من أحداث عنف طائفي اجتاحت البلاد.
وتواجه عملية توثيق أعداد الضحايا صعوبات عدة نظراً لغياب الأرقام الرسمية التي يمكن الاعتماد عليها والخلاف الشديد بشأن كافة الروايات والتقديرات المتعلِّقة بعدد الضحايا.
وحول إمكانية لجوء ضحايا الغزو إلى المحاكم الدولية، أوضح المومني أنه "يحق للأفراد المتضررين رفع الدعاوى أمام المحاكم الحقوقية الأوروبية".
وفي 19 مارس/آذار عام 2003 شرعت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعملية عسكرية واسعة لإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بدعم قوي من الحكومة البريطانية برئاسة بلير آنذاك بحجة تهديد العراق للأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط.
وتسبب الغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق في مقتل نحو 150 ألف عراقي، وفي انتشار الفوضى في البلاد، كما خلق المناخ الملائم لنمو الحركات المتشددة.
وفي هذا الوقت، عرضت الإدارة الأمريكية ما زعمت أنها أدلة دامغة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. ولم تعبأ الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما بتحذير العراق من الترويج الأمريكي للحرب عليه بلا أي مبرر.
وتولى توني بلير رئاسة الحكومة البريطانية من عام 1997 إلى عام 2007 وذلك لثلاث فترات متتالية حقق خلالها شعبية واسعة، إلا أن غزو العراق كان السبب الرئيسي في سقوطه وإنهاء حياته السياسية.