ابتسامة هادئة ونظرة حادة وخصلات بيضاء وسط كثافة شعر سوداء، ملامح جميعها أكسبت الرئيس الصيني شي جين بينغ حكمة صانع السلام.

بعد وساطة ناجحة بين السعودية وإيران، يضع الرئيس الصيني بزيارته إلى موسكو الإثنين كوسيط محتمل بين روسيا وأوكرانيا محاولا إسكات صوت البنادق مع دخول الربيع.

على عكس ما تردد عن استعدادات روسية وصينية لمعارك الربيع، كل على حدة، ضد أوكرانيا وتايوان، أعطى الرئيس شي ظهره لهذه التقارير وحط الرحال في موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

صحيفة وول ستريت جورنال أكدت أنه بعد محادثات مع بوتين يعتزم شي التحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ إذ رحب سيد كييف بالجهود الصينية لكنه اشترط انسحابا روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية.

ترحيب واسع داخل وخارج الكرملين وجده شي، وضجة إعلامية كبيرة نالها في مستهل زيارة لموسكو تهدف إلى استعراض العلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا، فيما استقبلته فرقة عسكرية لدى وصوله.

الكرملين اعتبر أن زيارة شي لروسيا تركز بشكل أساسي على العلاقات الثنائية، حيث من المقرر التوقيع على نحو 12 اتفاقية، بما في ذلك اتفاقية بشأن التعاون الاقتصادي حتى عام 2030.

صداقة متينة

قبل بدء المحادثات غير الرسمية، حيث من المرجح أن يناقشوا ما وصفه الكرملين بأنه "أكثر القضايا حساسية في العلاقة بين البلدين"، ظهر بوتين وشي على التلفزيون الرسمي الروسي جالسين جنبًا إلى جنب في غرفة احتفالية بالداخل.

خلال ذلك الاجتماع، بدا الزعيمان - اللذان غالبًا ما يتباهيان بعلاقة شخصية وثيقة تدعم علاقات بلديهما - مرتاحين معًا.. كان كلاهما يبتسمان ويشيران إلى بعضهما البعض على أنهما "صديق عزيز".

تحدث بوتين إلى شي مؤكدا أنه قرأ اقتراحًا قدمته بكين مؤخرًا لحل النزاع الأوكراني وأن موسكو "كانت دائمًا منفتحة على عملية التفاوض".

وفي حديثه من خلال مترجم، أخبر الرئيس الصيني نظيره الروسي أن بلديهما لديهما "العديد من الأهداف المماثلة" وأنه "من خلال تعاوننا وتفاعلنا سنحقق بالتأكيد هذه الأهداف".

ثم شارك الزوجان مأدبة غداء تضمنت لحم الغزال والسمان، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية الروسية، فيما سيستضيف بوتين صديقه شي على مأدبة عشاء رسمية مساء الثلاثاء.

مخاوف أوكرانية

رغم عدم اعتراض أوكرانيا على الصين كوسيط في حل النزاع مع روسيا لكنها ألقت بعدد من التحفظات على مقترح بكين للسلام. فيما ذهب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى أبعد من ذلك بقوله إن الصين تدعم روسيا في "ارتكاب جرائم" بأوكرانيا.

بلينكن مضى في انتقاداته بقوله: "أن يسافر الرئيس شي إلى روسيا بعد أيام من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس بوتين يشير إلى أن الصين لا تشعر بأي مسؤولية عن محاسبة الكرملين على الفظائع المرتكبة في أوكرانيا".

ومضى وزير الخارجية الأمريكية في انتقاداته اللاذعة للصين قائلا: "بدلاً من إدانة روسيا فإن الصين تفضل تقديم الغطاء الدبلوماسي لروسيا لمواصلة ارتكاب تلك الجرائم ذاتها"، على حد قوله.

وتتزايد المخاوف الأوكرانية من استمرار النهج الصيني في "صداقة بلا حدود" مع روسيا للتخفيف من وطأة العقوبات الغربية على موسكو من خلال شراء المزيد من النفط والغاز الطبيعي الروسي وتعزيز شحنات الإلكترونيات وشرائح الكمبيوتر وغيرها من السلع.

وانتقدت دول غربية الدعم الدبلوماسي الصيني الثابت لبوتين، حيث انتقدت وزارة الخارجية الصينية يوم الاثنين المحكمة الجنائية الدولية، قائلة إنها يجب أن "تبتعد عن التسييس وازدواجية المعايير" بعد أن أصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ويحذر المسؤولون الأمريكيون من أن بكين تدرس إرسال أسلحة لمساعدة بوتين. ورفضت واشنطن وأوروبا الشهر الماضي مباشرة مبادرة دبلوماسية صينية لإنهاء الصراع في أوكرانيا.

دبلوماسية القوى العظمى

وفقا للصحيفة الأمريكية فإن المحللين يؤكدون أن كل المؤشرات السابقة تجعل دول العالم النامي هي الجمهور الرئيس للحملة الدبلوماسية العامة الصينية، حيث تسعى بكين لكسب النفوذ.

ففي أواخر فبراير/شباط الماضي، أزاحت بكين الستار عن وثيقة من 12 نقطة بعنوان "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، مستخدمة لقبها المفضل للعملية العسكرية الروسية ضد كييف على مدار أاكثر من عام.

وقدمت الورقة الصينية القليل من التفاصيل لكنها عرضت قائمة شروط تتماشى إلى حد كبير مع المعايير الدولية، مثل احترام وحدة الأراضي ووقف الأعمال العدائية.

ويحتوي الاقتراح الصيني على العديد من الانتقادات اللاذعة الموجهة للولايات المتحدة، التي تقول بكين إن نقل أسلحتها إلى أوكرانيا زاد من المعاناة في الحرب، وتدعو الخطة إلى إنهاء العقوبات الأحادية الجانب وإلى تخلي جميع الأطراف عما تسميه عقلية الحرب الباردة.

التحركات الصينية الجديدة تأتي في وقت حرج للغاية إذ تشن روسيا حاليًا هجومًا واسعًا في شرق أوكرانيا، بينما تستعد كييف لهجومها المضاد، المتوقع في وقت لاحق من هذا الربيع، على أمل أن استمرار التعبئة وتسليم الأسلحة الغربية الجديدة سيعطيها لكمة لدفع الروس إلى الوراء قدر الإمكان قبل حلول الشتاء مرة أخرى.

ويُعد اقتراح الصين الخاص بأوكرانيا جزءًا من جهد أوسع لإظهار أنه يمكن أن يكون فعالًا فيما أطلق عليه السيد شي "دبلوماسية القوى العظمى".

في وقت سابق من مارس/آذار الجاري، توسطت بكين في اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، حيث استفادت من العلاقات الاقتصادية مع كلا البلدين للمساعدة في التقريب بينهما.

حتى أن الصين حصلت على اتفاق من إيران وعدد من الدول العربية للاجتماع في قمة للزعماء في بكين في وقت لاحق من هذا العام، حسبما قال أشخاص مطلعون على الوضع للصحيفة.

محاولات بكين تأتي لرفع مكانتها الدبلوماسية جزئيًا ردًا على ما تصفه بالجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء الصين. لكن في المقابل يقول بعض المحللين إن الخطة الصينية ليست خارطة طريق للسلام بقدر ما هي وسيلة لصرف الانتقادات بشأن علاقاتها مع روسيا.

سعى الرئيس شي إلى الحفاظ على العلاقات مع كل من موسكو وكييف، واليوم يخطط للتحدث مع زيلينسكي لأول مرة منذ بداية الحرب وعلى الأرجح سيكون ذلك بعد زيارته لموسكو.

في الأسبوع الماضي، أجرى وزير الخارجية الصيني تشين جانج مكالمة هاتفية نادرة مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، ألقى خلالها باللوم على الولايات المتحدة لإطالة أمد الأزمة وحث على حل الصراع من خلال المفاوضات.

وتقول أوكرانيا إنه لا يمكن أن يكون هناك سلام حتى تغادر القوات الروسية أوكرانيا بالكامل، بما في ذلك شبه جزيرة القرم في البحر الأسود وأجزاء من شرق أوكرانيا تسيطر عليها موسكو منذ 2014.

لكن ورغم ذلك أشاد الرئيس الأوكراني بجهود الصين في نشر ورقة موقف بشأن الصراع ورحب بدعوة بكين لاحترام سيادة الدول على الرغم من أنه قال إن الوثيقة تضمنت مناطق رمادية تحتاج إلى توضيح.. فهل ينجح الرئيس شي في مهمة "صانع السلام"؟