جاءت موافقة البرلمان التركي على قانون يسمح لفنلندا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لتشرع الأبواب على مصراعيها أمام هلسنكي للانضمام إلى الناتو بعد شهور من الشد والجذب مع أنقرة.
وحال استكملت باقي الخطوات سيرتفع عدد دول الحلف إلى الرقم 31 بانتظار انفراجة قريبة للسويد التي تأمل هي الأخرى في موافقة تركية على انضمامها للناتو.
ماذا يتبقى لفنلندا؟
وعلى مدار الشهور الماضية، أكملت فنلندا عملية التصديق القانوني من جانبها، قبل أن يحل موعد إجراء انتخاباتها البرلمانية المقررة غداً الأحد.
وينتظر أن موافقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على قرار البرلمان بالموافقة على انضمام هلسنكي إلى الناتو ثم ينشر في الجريدة الرسمية.
وبعد اكتمال عملية التصديق سيكون على كل من المجر وتركيا إرسال وثائق الموافقة إلى أمريكا التي تقوم بدور جهة الإيداع للحلف وفق معاهداته التأسيسية.
يلي ذلك دعوة أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ فنلندا للانضمام رسميا، على أن تقدم حكومة هلسنكي على الخطوة الأخيرة وهي التقدم بـ"صك الانضمام"، والذي يعد وثيقة موقعة من وزارة الخارجية للحكومة الأمريكية، وفق وكالة رويترز.
وحالما تصل الوثيقة إلى الخارجية الأميركية تكون فنلندا رسميا عضوا في الحلف.
وتأمل واشنطن والدول الثلاثين بالحلف أن تصبح فنلندا والسويد من أعضاء الناتو في قمته المقررة في 11 يوليو/تموز في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا.
كيف تأسس الناتو؟
في عام 1949، تأسس على يد 12 دولة هي الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، و8 دول أوروبية أخرى، متعهدة بحماية بعضها سياسيا وعسكريا.
قبل أن يتوسع حاليا ويضم 30 دولة هي ألبانيا، بلجيكا، بلغاريا، كندا، كرواتيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، المجر، أيسلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبرج، الجبل الأسود، هولندا، مقدونيا الشمالية، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة.
وتمتع الحلف بـ"سياسة الباب المفتوح"، التي تنص على أن أي دولة أوروبية مستعدة وراغبة في الاضطلاع بالتزامات وتعهدات العضوية يرحب بتقدمها طلب العضوية، بل يجب الموافقة على أي قرارات بشأن التوسع بالإجماع.
وفي أعقاب الحرب الباردة، أوضح الناتو أنه سيرحب بالتوسع شرقا، وفي عام 1997 دعيت جمهورية التشيك والمجر وبولندا لبدء محادثات الانضمام للناتو.
ومنذ ذاك الوقت، انضمت أكثر من 12 دولة من الكتلة الشرقية السابقة، بما في ذلك ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة إلى التحالف.
ورغم التغييرات الجيوسياسية الكبيرة منذ تأسيس الناتو، ظل هدفه المعلن كما هو.. والمبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التحالف هو مبدأ "دفاع جماعي": "سيعتبر أي هجوم مسلح ضد واحدة أو أكثر منهم (الدول الأعضاء) في أوروبا أو أمريكا الشمالية هجوما ضدهم جميعا".
المادة الخامسة
وتحدد المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي مبدأ الدفاع الجماعي، وتضمن أن موارد الحلف بأكمله يمكن استخدامها لحماية أي دولة عضو، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لعديد من الدول الصغيرة التي ستصبح دون دفاعات بغير حلفائها، فأيسلندا، مثلا، ليس لديها جيش نظامي.
وبما أن الولايات المتحدة هي أكبر وأقوى عضو بالناتو، تخضع أي دولة في الحلف فعليا لحمايتها، وهذا ما يصنع التهافت على الانضمام للحلف.
في حقيقة الأمر، كانت المرة الوحيدة التي استشهد فيها بالمادة الخامسة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول لعام 2001 على الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك انضم حلفاء الناتو لغزو أفغانستان.
ومع ذلك، اتخذ الناتو إجراءات في مناسبات أخرى أيضا، حيث اتخذ تدابير جماعية عام 1991 عندما نشر صواريخ باتريوت خلال حرب الخليج، وفي عام 2003 خلال الأزمة في العراق، وفي 2012 استجابة للوضع في سوريا، أيضًا بصواريخ الباتريوت.
ما الذي ستضيفه السويد وفنلندا للحلف؟
من الناحية الجغرافية فإن فنلندا والسويد تمثلان ضغطا على الحدود الغربية الروسية، فهناك حدود مشتركة بين روسيا وفنلندا يبلغ طولها 1300 كيلومتر، وكانت فنلندا تتجنب السعي إلى الانضمام للناتو كي لا تثير عداوة مع جارتها الشرقية.
وهددت روسيا بالفعل، بمجرد الإعلان عن الطلب الفنلندي للانضمام إلى الناتو، فقال بيان للخارجية الروسية آنذاك: "روسيا ستضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية، ذات طبيعة عسكرية-تقنية وغير ذلك، في سبيل تحييد التهديدات المحدقة بأمنها القومي".
وتطل فنلندا على بحر البلطيق، الذي يشهد توترا متزايدا بين موسكو، التي يتبعها في هذه المنطقة جيب كالينينجراد، والغرب. وقد قامت السويد مؤخرا بتعزيز وجودها العسكري هناك.
يذكر أن النرويج والدنمارك وأيسلندا، دول تطل جميعها على بحر البلطيق، أعضاء بالناتو، وبقرب انضمام فنلندا وترقب انضمام السويد يصبح الموقف الروسي في هذه المنطقة محل تهديد وضغط أكبر مما كان وضع فنلندا والسويد في خانة الحياد عسكريا.
تاريخيا وجغرافيا السويد وفنلندا إذًا يدفعان كفة الناتو إلى الرجحان أمام القيصر بوتين، الذي يزيد اليوم أعداؤه من أعضاء الحلف، ولا أحد يعلم ما خطواته المقبلة على رقعة الشطرنج بعد نقلته الأولى في أوكرانيا، والتي لا تزال نتائجها معلقة بين لا ربح ولا خسارة.