أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأحد، حول ضرورة أن تنتهج أوروبا استراتيجية مستقلة عن كل من واشنطن وبكين الكثر من التساؤلات والتكهنات حول احتمال وجود انسجام حيال التعامل الأوروبي مع الملف الصيني والعلاقات مع بوتين، في ظل استقطاب سياسي حاد دولياً واصطفاف أميركي بوجه أحد أكبر عمالقة الاقتصادي العالمي.
فقد اعتبر ماكرون في حديث صحافي من على متن الطائرة عائداً من بكين أن "أسوأ شيء هو الاعتقاد بأن الأوروبيين، يجب أن يصبحوا أتباعاً أو يتكيفون مع الإيقاع الأميركي أو رد الفعل الصيني المبالغ فيه تجاه ملف تايوان".
خطاب قاس
لكن تلك العبارات بلورت اختلافاً واضحاً مع النهج الذي تتبعه رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فون دير لاين، التي زارت بدورها يوم الخميس الماضي الصين، إلا أن استقبالها لم يأتِ بالقدر الاحتفائي الذي لقيه ماكرون.
لاسيما أن الدبلوماسية الأوروبية وجهت قبل أيام خطاباً شديد اللهجة، انتقدت فيه الرئيس الصيني شي جينبينغ وعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كذلك وجهت سهام الانتقاد إلى خطة السلام التي أعلنت عنها بكين الشهر الماضي، والمكونة من 12 نقطة، بهدف إعادة إحياء المفاوضات بين موسكو وكييف، ملمحة إلى أن أي خطة لتعزيز عمليات الضم الروسية "غير قابلة للتطبيق".
ويظهر هذا الموقفان الأوروبيان (ماكرون وفودن دير لاين) بحسب العديد من المراقبين التمايز في المواقف الأوروبية حيال الصين الداعمة لروسيا، فالاتحاد الأوروبي رغم الانتقادات التي وجهها سابقا إلى بكين وعلاقتها ببوتين، لم يتوصل بعد إلى إجماع تام على كيفية التعامل مع السياسة الصينية، في حمأة التوتر الأميركي الصيني.
لاسيما أن باريس وبرلين حريصتان على الحفاظ على خيط العلاقات متيناً خصوصا من الناحية التجارية.
في حين تميل دول أخرى إلى التعامل بحزم أكبر مع الصين، لاسيما الدول السوفيتية السابقة التي تتخوف من موسكو، حليف بكين الأقرب.
سياسة القطب الأحادي
بين هذا وذاك يبقى الأكيد أن زيارة ماكرون للصين وتصريحاته اللاحقة أثبتت أكثر من ذي قبل أن سياسة القطب الأحادي التي لطالما انتقدتها الصين وروسيا لم تعد صالحة.
كما أثبتت رفض باريس بصوت عالٍ للقطيعة الاقتصادية التي تفضلها الولايات المتحدة كوسيلة لتقليل المخاطر الأمنية من خلال ضوابط التصدير الشاملة وإعادة ترتيب سلاسل التوريد.
أما في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية فقد وازن الرئيس الفرنسي بدقة وجهات النظر الغربية والصينية بشأن الحرب في أوكرانيا دون تحقيق أي اختراق.
وفي هذا السياق رأى جان بيير كابيستان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هونغ كونغ: "أن ماكرون أظهر في خضم الحرب الباردة المتفاقمة مع الصين، أنه يجري عكس التيار"، معتبراً أنه لعب "الورقة الديغولية"، في إشارة إلى تأكيد شارل ديغول مباشرة بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية، لاستقلال بلاده عن الولايات المتحدة، بحسب ما نقلت نيويورك تايمز.
يشار إلى أن الرئيس الفرنسي دعا أيضا في تصريحاته أمس أوروبا إلى عدم "الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة"، وحث الأوروبيين على "الاستيقاظ"، قائلاً "أولويتنا ألّا نتكيّف مع أجندة الآخرين في مختلف مناطق العالم".