العربية.نت

على الرغم من أنه لا يلقى شعبية بل احتجاجات واسعة عمت البلاد، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصدر مرسوم إصلاح نظام التقاعد لرفع السن إلى 64 عاما، ونشر في الجريدة الرسمية السبت، بعدما صادق المجلس الدستوري عليه أمس.

فقد أثار هذا القانون خصوصا بند رفع السن استياء المعارضة والنقابات التي تعهّدت الاستمرار في محاربته باعتباره مشروعاً بات رمزًا لولاية ماكرون الثانية، كما أن التغيرات وفق آرائهم، تمثل قراراً سياسياً يؤثر بشكل غير متناسب على العمال من ذوي الأجور المنخفضة والنساء، بينما تحقق الشركات أرباحاً وفيرة.

رغم ذلك صادق أعضاء المجلس الدستوري التسعة على الجزء الأهمّ فيه وهو بند العمر، رافضين في الوقت ذاته عددا من البنود الثانويّة من الإصلاح، كما رفضوا مشروع استفتاء يطالب به اليسار.

فما هو هذا القانون الذي أقلق فرنسا أشهراً؟

تعتمد فرنسا سنّ تقاعد من الأدنى في الدول الأوروبية، وتبرّر السلطة التنفيذية مشروعها بالحاجة إلى معالجة التدهور المالي لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان.

وكان يُفترض أن يُنهي القرار الأخير أزمة استمرت أكثر من 3 أشهر، لكن اتّحاد النقابات دعا في اجتماع مساء الجمعة، ماكرون إلى عدم تفعيل الإصلاح دون أي تجاوب.

وبموجب القانون الجديد سيرفع الحد الأدنى لسن التقاعد من 62 إلى 64، وسيفقد بعض العاملين في القطاع العام امتيازاتهم، وسيرتفع عدد سنوات العمل المطلوبة للتأهل للحصول على معاش تقاعدي كامل.

الحكومة دعت الجميع لاحترام القرار

إلا أن هذا الإجراء اختارته حكومة ماكرون استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان، كما ذكر سابقاً.

وقد شكل جزءا من خطة الرئيس الفرنسي الحالي لإعادة انتخابه لولاية ثانية في 2022. بعد أن طرح خطة مختلفة خلال ولايته الأولى، في عام 2019، تهدف إلى توحيد نظام المعاشات الفرنسي المعقد، دون رفع سن التقاعد.

ويُنظر إلى نظام التقاعد في فرنسا على أنه حجر الزاوية لنموذج الحماية الاجتماعية الذي يعتز بها البلد، حيث يدفع السكان العاملون رسوم الرواتب الإلزامية لتمويل معاشات المتقاعدين، ويحصل جميع العمال الفرنسيين على معاش حكومي، بحسب ما أفادت وسائل إعلام غربية.

كما تعد فرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد من دون أن تكون أنظمة التقاعد قابلة للمقارنة مع غيرها من الدول بشكل كامل.

العدالة منقسمة وهذا الحل!

بناء على ذلك، رأى المحلل المالي عماد ديراني في حديث مع "العربية.نت"، أن هناك وجهتي نظر، الأولى تعتبر القانون الجديد "عادلا" وهو رأي الحكومة، وذلك لأنه يعكس زيادة متوسط العمر المتوقع والحاجة إلى ضمان الاستقرار المالي لنظام المعاشات التقاعدية.

ولفت أيضاً إلى أن الإصلاحات ستساعد في معالجة التحديات الديموغرافية التي تواجه نظام التقاعد الفرنسي الأساسي مثل شيخوخة السكان، وانخفاض معدل المواليد.

أما بالنسبة لوجهة النظر الثانية، فاعتبر ديراني إلى أن مخاوف المعارضة من تأثير الإصلاحات على مجموعات معينة "محقّة"، مشيراً إلى أولئك الذين يعملون في وظائف تتطلب جهدا بدنيا أو أولئك الذين انقطعوا عن حياتهم المهنية.

وأضاف أن هذه المجموعات قد لا تكون قادرة فعلاً على العمل حتى سن التقاعد الجديد، كما يمكن أن تواجه صعوبات مالية نتيجة لذلك.

إلى ذلك ختم كلامه بأنه وبشكل عام، فإن الآراء حول عدالة سن التقاعد الجديد في فرنسا "منقسمة"، وستبقى القضية مثيرة للجدل حتى إيجاد نظام يضمن للطرفين حقوقهما بأن يشتمل على رغبات الدولة بتأمين مستلزمات التقاعد للناس، وكلام المعارضة حول حقوق كل الفئات المتقاعدة.

لا فائز ولا خاسر!

يذكر أنه وبعد صدوره القرار، رأت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن على تويتر، أنه لا يوجد فائز ولا خاسر.

غير أنّ النقابات أعلنت أنّها لن تلتقي السلطة التنفيذيّة قبل الأول من أيار/مايو، يوم عيد العمّال والذي دعت إلى جعله "يوم تعبئة استثنائيًّا".

كذلك تعهّدت المعارضة بمواصلة الكفاح ضد هذا النص.

كما أعلنت الأحزاب الرئيسيّة في المعارضة أنّها مصممة على متابعة معركتها ضد مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد، محذرة خصوصا من مخاطر العنف.

وقال زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون "الكفاح مستمر"، في وقتٍ أكّدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن أن "المصير السياسي لإصلاح نظام التقاعد لم يُحسَم بعد".

كذلك، دعا زعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل السلطة التنفيذية إلى "عدم تفعيل" هذا القانون الذي أقره المجلس الدستوري، قائلاً: "أخشى حدوث اضطرابات اجتماعية"، وذلك بينما شهدت بعض التظاهرات ضد الإصلاح أعمال عنف، خصوصا منذ تمرير القانون بلا تصويت في الجمعية الوطنية، عبر لجوء الحكومة إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح لها بذلك.

في المقابل، دعا زعيم اليمين التقليدي إريك سيوتي كل القوى السياسيّة إلى قبول القرار، معتبرا في الوقت ذاته أن رفض بعض مواده يعاقب على أخطاء في أسلوب الحكومة.

غضب عارم

يشار إلى أن كافة الرؤساء المتعاقبين على الإليزيه على مدى السنوات الأربعين الماضية أجروا بطريقة ما تغييرات على قوانين التقاعد، لكنها غالبا ما كانت تشعل غضب الشارع وتنعكس سلباً في صناديق الاقتراع.

ومنذ 19 كانون الثاني/يناير، تظاهر آلاف الفرنسيين في 8 مناسبات للتعبير عن رفضهم لهذا الإصلاح.

كما غطّت القمامة حينها أرصفة العاصمة الفرنسية التي تعدّ إحدى أبرز الوجهات السياحية في العالم، في الوقت الذي عمّت فيه رائحة كريهة المكان.

في حين أظهرت مختلف استطلاعات الرأي أنّ غالبية الفرنسيين تعارض هذا القانون.

وقد تراجعت في الأيّام الأخيرة، حدّة الاحتجاجات خصوصا الخميس، الذي يُعدّ اليوم الثاني عشر من التعبئة.

غير أنّ الغضب لا يزال قويًّا خصوصا أن قرارات المجلس غير قابلة للاستئناف حتّى لو أملت السلطة التنفيذية من خلال هذا القرار، في استئناف ولاية ماكرون الثانية مسارها، بعدما كانت أُعيقت بشكل كبير وسط التحرّكات المناهضة لإصلاح نظام التقاعد.