الحرة
في مواجهة مخاطر هائلة، تستعد أوكرانيا لشن هجوم مضاد على القوات الروسية في وقت مبكر من الشهر المقبل.
ووفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه بدون نصر حاسم، قد يضعف الدعم الغربي للقوات الأوكرانية، وقد تتعرض كييف لضغوط متزايدة للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الصراع أو تجميده.
هجوم مرتقب
ورغم أن أوكرانيا تشارك المسؤولين الأميركيين تفاصيل قليلة بشأن خططها الميدانية، فمن المرجح أن تتكشف تفاصيل مهمة لتلك العملية المرتقبة في جنوب البلاد.
وقال مسؤول في منطقة دنيبرو الأوكرانية، الثلاثاء، إن القوات الأوكرانية المتمركزة على الجانب الغربي من نهر دنيبرو تنفذ، بشكل متكرر، هجمات على الضفة الشرقية بالقرب من مدينة خيرسون في محاولة لطرد القوات الروسية.
وسيطرت القوات الروسية على الجانب الشرقي من نهر دنيبرو بالقرب من خيرسون منذ انسحابها من المدينة الجنوبية في نوفمبر بعد احتلالها لعدة أشهر، لكن من المتوقع أن تشن أوكرانيا هجوما مضادا في الربيع لمحاولة استعادة المزيد من الأراضي، وفقا لـ"رويترز".
وقال نائب رئيس إدارة منطقة خيرسون، يوري سوبوليفسكي، إن هدف الهجمات تقليل القدرة القتالية للقوات الروسية التي تواصل قصف مدينة خيرسون منذ إجبارها على الانسحاب.
وقال سوبوليفسكي للتلفزيون الأوكراني "يزور جيشنا الضفة اليسرى (الشرقية) كثيرا، لتنفيذ غارات، وتعمل القوات المسلحة الأوكرانية.. بشكل فعال جدا".
وأضاف: "النتائج ستأتي وستكون مماثلة لما حدث على الجانب الأيمن لمنطقة خيرسون عندما تمكنت (القوات الأوكرانية)، بفضل عملية معقدة وطويلة، من تحرير أراضينا بأقل خسائر ممكنة لجيشنا، نفس الشيء يحدث الآن على الجانب الأيسر".
وسيطرت روسيا على منطقة خيرسون بعد وقت قصير من غزوها الشامل لأوكرانيا قبل 14 شهرا ولا تزال تسيطر منذ ذلك الحين على جميع أراضي المنطقة، شرقي نهر دنيبرو.
ويقول محللون عسكريون إن من المرجح أن تشن أوكرانيا قريبا هجوما مضادا وإن أحد الأهداف الرئيسية قد يكون اختراق ممر بري جنوبي بين روسيا ومنطقة القرم التي أعلنت روسيا ضمها، وستكون استعادة منطقة خيرسون خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف، حسب "رويترز".
وقال السفير الأميركي السابق لدى روسيا، المسؤول البارز في الناتو، ألكسندر فيرشبو، "كل شيء يتوقف على هذا الهجوم المضاد، الجميع متفائل، وربما مفرط في التفاؤل".
وستحدد نتائج الهجوم مدى نجاح أوكرانيا في استعادة الأراضي بساحة المعركة، وخلق أمر واقع أقوى بكثير للحصول على نوع من "التسوية التفاوضية"، وفقا لحديثه.
وبينما قال المسؤولون الأوكرانيون إن هدفهم هو اختراق الدفاعات الروسية، وإحداث انهيار واسع النطاق في الجيش الروسي، قدر المسؤولون الأميركيون أنه من غير المرجح أن يؤدي الهجوم إلى تحول كبير في الزخم لصالح أوكرانيا.
تحديات تواجه أوكرانيا
ويواجه الجيش الأوكراني العديد من التحديات، فقد أدى القتال في باخموت بشرق أوكرانيا هذا الشتاء إلى استنزاف احتياطيات الذخيرة وأدى إلى خسائر فادحة في بعض الوحدات ذات الخبرة، حسب "نيويورك تايمز".
ومع ذلك، يقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إنه من الممكن أن يفاجئهم الجيش الأوكراني مرة أخرى، وهو الآن مسلح بالدبابات الأوروبية وناقلات الجند المدرعة الأميركية، ولديه وحدات جديدة مدربة ومجهزة من قبل الولايات المتحدة وقوات الناتو.
ورغم أن أوكرانيا "انحرفت" عن السرية المعتادة المحيطة بالخطط العسكرية من خلال التحدث بصراحة عن المعركة المقبلة، يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يخدع الجيش الأوكراني الروس.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة، وحلفاؤها، من تحديد نقاط ضعف كبيرة في الدفاعات الروسية، فيمكن لأوكرانيا استغلالها بسرعة، وحماية الدبابات ومركبات برادلي القتالية.
ومع ذلك، فإن المكاسب الكبيرة ليست مضمونة، فقد لغم الروس ساحة المعركة، وسيعتمد التقدم الأوكراني على ما إذا كانت قوات كييف قادرة على نشر معدات إزالة الألغام بشكل فعال، والتي قدم الغرب بالفعل الكثير منها.
وقامت أوكرانيا بتجميع "ألوية قتالية جديدة" من خلال الجمع بين المجندين الجدد ونواة صغيرة من الجنود المخضرمين، ذوي الخبرة.
وبدءًا من يناير، ذهبت الوحدات إلى ساحات التدريب في ألمانيا لتعلم كيفية استخدام معداتها الجديدة وكيفية إجراء، ما يسميه الجيش الأميركي، مناورات الأسلحة المشتركة.
وسار التدريب على هذه التكتيكات بشكل جيد، وفقا للعديد من المسؤولين الأميركيين.
لكن استخدام تكتيكات جديدة غالبا ما يكون أسهل في التدريبات مما هو عليه في ساحة المعركة.
وإذا نجح الأوكرانيون في استخدام هذه التكتيكات الجديدة، حتى بدرجة محدودة، فقد يتمكنون من التغلب على القوات الروسية المتفوقة عدديا.
انخفاض إمدادات الذخيرة؟
من جهة أخرى، تعد إمدادات كييف من صواريخ الدفاع الجوي وطلقات المدفعية، ضرورية لمواصلة الدفاع ضد الهجمات الجوية الروسية، لكنها قد تنخفض بشكل خطير، إذا استمرت القوات الأوكرانية في استخدام الذخيرة بالوتيرة الحالية.
ويطلق الجيش الأوكراني آلاف قذائف المدفعية يوميًا بينما يحاول السيطرة على باخموت، وهي وتيرة يقول المسؤولون الأميركيون والأوروبيون إنها غير مستدامة ويمكن أن تعرض الهجوم القادم للخطر.
ويمكن للقوات الأوكرانية استخدام طائرات من دون طيار لضرب خطوط المواجهة الروسية، لكن كييف لم تحصل على صواريخ ذات مدى طويل بما يكفي لضرب المراكز اللوجستية التابعة لموسكو، وهو تكتيك أثبت أهميته في هجمات الصيف الماضي خارج خاركيف وخيرسون.
وبعد انتهاء الهجوم، هناك فرصة ضئيلة لأن يتمكن الغرب من إعادة تقديم الدعم ذاته في المستقبل المنظور، لأن الحلفاء الغربيين ليس لديهم إمدادات كافية في المخزونات الحالية للاستفادة منها، ولن يكون الإنتاج المحلي قادرا على سد الفجوة حتى العام المقبل، كما يقول الخبراء لـ"نيويورك تايمز".
تحديات تواجه الروس
منذ بداية الغزو، كانت هناك شكوك كبيرة بشأن الكفاءة الأساسية للقادة الروس وما يمتلكون من جنود مدربين تدريباً جيداً وقذائف المدفعية والمعدات.
واستهلك الروس العديد من صواريخ كروز الخاصة بهم، وفقدوا الآلاف من الأشخاص في باخموت وحدها، واستنزفوا مخازنهم من الذخيرة بشكل أسرع بكثير مما يمكنهم استبدالها بإنتاجهم المحلي.
لكن روسيا تعمل على معالجة هذه الثغرات، وشحذت القوات الروسية قدرتها على استخدام الطائرات من دون طيار والمدفعية لاستهداف القوات الأوكرانية بشكل أكثر فعالية.
وبدأت القوات الروسية مؤخرا في استخدام "القنابل الانزلاقية" التي تستخدم الجاذبية وأجهزة التوجيه الأساسية، لإظهار أن موسكو مازالت قادرة على نشر أسلحة أحدث في ساحة المعركة.
وهذه الجهود تعني أن الفرصة لتحقيق مكاسب كبيرة ضد القوات الروسية المستنزفة قد لا تظل مفتوحة إلى أجل غير مسمى.
تعبئة جديدة؟
يقول مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن روسيا تستعد لجولات جديدة من التعبئة لتعزيز صفوف جيشها دون المخاطرة بحدوث نفس الهجرة الجماعية للشباب من البلاد، والتي وقعت العام الماضي عندما تم الإعلان عن تعبئة جزئية.
وفي سبتمبر 2022، أمر الكرملين بحملة تعبئة جزئية تمّ خلالها تجنيد مئات آلاف الشبّان، وفقا لـ"فرانس برس".
وتقول روسيا إنها حشدت ما يزيد قليلا عن 300 ألف رجل العام الماضي لدعم ما تسميها "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وفقا لـ"رويترز".
يؤكد المسؤولون الأميركيون أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيواجه تكلفة سياسية لأي تعبئة، حتى إذا كان على استعداد لتحمل هذه التكاليف، فسوف تستغرق روسيا وقتا لتجنيد تلك القوات وتدريبها وإرسالها للقتال.
ومع ذلك، لا تزال قدرة روسيا واستعدادها لامتصاص الخسائر "كبيرة"، مما يسمح لها بتعبئة المزيد من المجندين، لكن بعض المحللين أثاروا شكوكا في أن موسكو لديها ما يكفي من الجنود لملء تلك الخنادق التي بنوها عبر خطوطهم الأمامية، حسب "نيويورك تايمز".