الحرةأصبح عامل الوقت نقطة تميز القوات الأوكرانية عن نظيرتها الروسية قبل هجوم مضاد متوقع من جانب كييف، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتشعر أوكرانيا بضغوط هائلة على المدى القصير من داعميها الغربيين، حيث تعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها الهجوم المضاد اختبارا حاسما لمعرفة ما إذا كانت الأسلحة والتدريب والذخيرة التي أرسلوها إلى البلاد خلال الأشهر الأخيرة يمكن أن تترجم إلى مكاسب كبيرة على أرض المعركة.

في روسيا، يواجه الرئيس، فلاديمير بوتين، تحدياته الخاصة، لكنه يعمل وفقا لجدول زمني أطول بكثير بعيدا عن الضغوط السياسية المحلية رغم أنه مثقل بالقيود الاقتصادية والعسكرية.

يمكن للهجوم المضاد المخطط له - الذي أصبح ممكنا بفضل الأسلحة والتدريب الغربي - أن يمثل المرحلة الأكثر أهمية في الحرب، حيث تسعى أوكرانيا لاستعادة الأراضي المهمة وإثبات أنها تستحق الدعم المستمر.

والاثنين، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" بمقر إقامته المحصن، "أعتقد أنه كلما زاد عدد الانتصارات التي حققناها في ساحة المعركة، زاد عدد الناس الذين يؤمنون بنا، مما يعني أننا سنحصل على المزيد من المساعدة".

وقال توماس غراهام، الزميل البارز بمجلس العلاقات الخارجية، والذي عمل كمدير أول للشؤون الروسية بمجلس الأمن القومي الأميركي خلال الفترة ما بين عامي 2004 إلى 2007، "أعتقد أن هناك حسابات في الكرملين مفادها أن روسيا أكثر مرونة من الغرب".

بالنسبة لأوكرانيا، فإنها تخاطر بتقلص الدعم الغربي لها حال شن هجوم مضاد أقل من التوقعات عقب مليارات الأسلحة والتدريب التي حصل عليها جيش البلاد، مما قد يجعلها تحت ضغط قبول المفاوضات.

ومن شبه المؤكد أن مثل هذه المحادثات ستشمل مطالب روسية بالتفاوض بشأن التنازل عن أراضٍ ذات سيادة، وهو ما وصفته أوكرانيا بأنه غير مقبول.

وتدرك كييف أن النصر قد ينتهي في النهاية إلى اختبار الإرادات بين الكرملين والغرب، وأي جانب يمكنه حشد المزيد من البقاء السياسي والاقتصادي والصناعي ربما لسنوات.

وقال وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في مقابلة الأسبوع الماضي بالعاصمة كييف، "هناك مبالغة في تقدير توقع الهجوم المضاد من قبل شركائنا وهذا هو قلقي الرئيسي".

ويشير المسؤولون الأوكرانيون إلى النجاحات الكبيرة التي حققوها بالفعل منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل على البلاد خلال فبراير من العام الماضي.

ونجحت القوات الأوكراني في إجبار الجيش الروسي على الانسحاب من كييف العام الماضي خلال الأسابيع الأولى من الغزو، بالإضافة إلى إغراق بارجة "موسكفا" التابعة للأسطول الروسي في البحر الأسود، واستعادة آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي في هجومين مضادين الخريف الماضي.

وقال ريزنيكوف: "بعد ذلك، أصبح العالم مستعدا لرؤية المرحلة التالية من هذه المسابقة، حال استخدمنا هذه المفردة الرياضية مجازا".

وأردف: "لدينا الكثير من أنصار أوكرانيا يهتفون لنا. لهذا السبب ينتظرون المباراة القادمة. لكن بالنسبة لنا، إنها ليست مسابقة رياضية. إنها تحد خطير. إنها حياة جنودنا".

وتابع: "بالنسبة لي، يصبح كل نجاح خلال هذه الحرب مرحلة جديدة وخطوة أخرى على طريق النصر"، مشيرا إلى أن الهجوم المضاد سيكون "قصة واحدة فقط" في الحرب.

وتعتبر توقعات النجاح العسكري ليست سوى نقطة ضغط واحدة لأوكرانيا، حيث تلوح في الأفق انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة العام المقبل مع احتمال وجود إدارة جمهورية جديدة أقل دعما للبلاد.

وقال غراهام: "إنهم يفكرون في هذه الدورة الانتخابية. من يدري ما الذي سيحدث عام 2024 في الولايات المتحدة؟ ليس من الواضح أين يقف الشعب الأميركي في هذا (الصراع) على المدى الطويل".

وأضاف: "أعتقد أن الكرملين وبوتين يؤمنان أنه بهذا المعنى، ولهذا فإن الوقت في صالحهما".

"تجنيد 25 مليون رجل"

في الطرف الآخر، يضع بوتين أساسا لجولة جديدة من التجنيد بعد أن حشد 300 ألف مجند خلال سبتمبر الماضي. وغير بوتين القانون حتى تتمكن السلطات الروسية من تجنيد الرجال من خلال تقديم "استدعاء رقمي" لهم عبر الإنترنت.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" على لسان مسؤول أوروبي رفيع قوله إن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، تعهد خلال محادثة خاصة بتنفيذ المزيد من التعبئة إذا لزم الأمر، مضيفا: "وأكد (شويعو) أن روسيا قادرة على تجنيد ما يصل إلى 25 مليون رجل في سن القتال".

ويتعرض الاقتصاد الروسي لضغوط متزايدة فيما يكافح الجيش لتوفير ما يكفي من العتاد للجبهة. كما انتقد زعيم مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، الجمعة، القيادة العسكرية الروسية بسبب نقص الذخيرة وهدد بسحب قواته من القتال في مدينة باخموت المحاصرة في غضون أيام، مما يشير إلى القلق في الداخل الروسي بشأن الهجوم المضاد.

لكن بوتين عرّف المجهود الحربي بأنه أولوية قصوى ومصلحة وطنية حيوية، حيث قال للروس في خطاب العام الجديد "يجب علينا فقط القتال والاستمرار" ضد الديمقراطيات الغربية التي تعتزم تدمير روسيا.

وقال مدير الدراسات الروسية بمعهد "سي إن أيه" في ولاية فرجينيا، مايكل كوفمان، "تأمل روسيا الآن أن تكون ذروة الدعم العسكري الغربي في الصيف"، ثم تتبدد بعد ذلك. وامتدت الحرب لأكثر من 14 شهرا، مما يجعل استمرار الصراع لسنوات أكثر احتمالا.

وبمجرد اندلاع الحروب لأكثر من عام، فإنها تميل إلى أن تستمر لأكثر من عقد في المتوسط، كما وجد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تحليل استخدم خلاله بيانات عن النزاعات منذ عام 1946.

وقالت أندريا كيندال تايلور، الزميلة البارزة بمركز الأمن الأميركي الجديد والنائبة السابقة لضابط المخابرات الوطنية لشؤون روسيا وأوراسيا، إن استمرار الحرب يساعد بوتين في الاستمرار بالسلطة مما يجعل حافز إنهاء الصراع بالنسبة له "ضئيلا".

وأضافت أن "أي مفاوضات بعد الهزيمة العسكرية ستبدو وكأنها استسلام وتجعله (بوتين) أكثر عرضة للخطر في الداخل". وقالت إنه "حتى لو نجحت أوكرانيا بشكل كبير في هجومها المضاد المقبل، فلن يضطر (بوتين) إلى إجراء تسوية تفاوضية".

وأشارت تايلور إلى أن الاستثناء الوحيد هو إمكانية أن يبتعد بوتين عن المفاوضات بشيء يمكن فيه أن يخدع الداخل الروسي باعتباره نصرا كافيا.