من أبرز ما كشفت عنه الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التركية التي جرت في 14 مايو الجاري، هو تقدم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، مرشح حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب في المناطق الريفية والمحافظات الداخلية والوسطى، على منافسه كمال كيليجدار أوغلو، مرشح المعارضة عن حزب الشعب الجمهوري وتحالف الأمة .

كمال كيليجدار أوغلو تقدم على رجب طيب أردوغان في كبرى المدن التركية، وأهمها إسطنبول والعاصمة أنقرة وإزمير وديار بكر وأضنة وميرسين وأنطاليا، وفي المدن والمناطق الساحلية عامة على بحري إيجه والمتوسط.

نتائج المدن الثلاث الأكبر

إسطنبول: حصل كيليجدار أوغلو على 48.6 بالمئة من أصوات الناخبين في المدينة الأكبر بتركيا، مقابل 46.7 بالمئة لأردوغان.

أنقرة: حصل زعيم المعارضة على 47.3 بالمئة من الأصوات، مقابل 46 بالمئة لأردوغان .

إزمير: تمكن كيليجدار أوغلو من حصد 63.3 بالمئة من الأصوات فيها، مقابل 31.5 بالمئة لأردوغان.

هذه الأرقام تكشف، وفق خبراء ومراقبين، طبيعة التنافس المحتد في هذه الانتخابات، ما بين تيار العدالة والتنمية الديني والاجتماعي المحافظ، الذي هو امتداد بشكل ما للإسلام السياسي التركي وعرابه نجم الدين أربكان، وتيار الشعب الجمهوري العلماني اليساري والاجتماعي المنفتح، ووريث مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

هذا يعني، وفقهم، أن "المعركة في جوهرها تتمحور حول تعريف تركيا، وتحديد خياراتها وانتماءاتها السياسية والاستراتيجية والحضارية".

وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب والخبير في الشؤون التركية طارق جوهر، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية":

"لا شك أن تفوق كيليجدار أوغلو في كبريات المدن التركية، وأبرزها إسطنبول والعاصمة أنقرة والمدينة الكردية الأكبر ديار بكر، هو مؤشر على طبيعة الاستقطاب الحاد الحاصل في البلاد بعد 20 عاما من حكم أردوغان وحزبه".

"المنافسة هي بين تيار يساري وعلماني يرتكز على أصوات سكان المدن والطبقات الوسطى والطلاب والشباب والمكونات والأقليات المختلفة، وأبرزهم الأكراد والعلويون، وبين تيار محافظ يوظف الخطاب الديني والقومي التركي بما يخدم أهدافه في كسب أصوات البيئات الريفية والطرفية والمتشددة، التي عادة ما تتأثر بمثل هذه الدعاية".

"بصفة عامة، صحيح أن قاعدة أردوغان الانتخابية تراجعت، حيث فشل في الفوز خلال الجولة الأولى، كما خسر حزبه نحو 7 نقاط، متراجعا بذلك من 42 بالمئة من مقاعد البرلمان إلى 35 بالمئة، بواقع 267 مقعدا، فاقدا 28 مقعدا برلمانيا، لكنه رغم ذلك تقدم على منافسه ولو بفارق ضئيل، مما يعني أن الجولة الثانية ستكون حامية الوطيس أكثر من الأولى".

"مرشح المعارضة بالمقابل حظوظه قوية، ويقود تحالفا سياسيا يمثل تنوعا مجتمعيا عريضا يمتاز بالحداثة أكثر بكثير من تحالف السلطة".

"يستفيد تحالف زعيم المعارضة من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، والتي تتحمل مسؤوليتها بالطبع الحكومة".

"حقق هذا التحالف تقدما برلمانيا بواقع 3 نقاط، ليشغل أكثر من 25 بالمئة من مقاعد البرلمان بواقع 169 مقعدا، بعد أن كان عدد نوابه 146 في دورة 2018، بنسبة 22 بالمئة".

خسارة أردوغان في المدن الكبرى تشكل علامة على أن احتمال خسارته خلال الجولة الثانية، هو احتمال "وارد جدا"، وفق مراقبين.

السبب في ذلك هو أن بوصلة صوت هذه المدن الانتخابية هي المحك عادة، والتي لا تقاس أهمية أصواتها عدديا فقط، بل بما تمثله وتلعبه من أدوار محورية سياسية واقتصادية وثقافية ووجدانية في تركيا، حتى أن أردوغان نفسه قالها ذات مرة، إن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا.