RT
بعد أكثر من 170 عاما، استعادت الجزائر في الثالث من يوليو عام 2020 جماجم 24 من قادة وأبطال إحدى ملاحمها ضد الاستعمار الفرنسي.. عاد رفات الأبطال بعد أن كان معروضا في متحف!
الجزائر حينها أرسلت طائرة نقل عسكرية من طراز "سي – 130"، وصلت باريس ونقلت من مطار لو بورجيه "جماجم الأبطال"، وعادت بها إلى وطنها، وحين بلغت خليج الجزائر رافقتها على مستوى منخفض، تكريما وإجلالها، ثلاث مقاتلات من سلاح الجو الجزائري من طراز "سوخوي"، إلى أن هبطت في مطار هواري بومدين.
جنود الاستعمار الفرنسي كانوا قطعوا رؤوس المقاتلين الجزائريين، وجرى نقلها على أنها "غنائم حرب" إلى فرنسا "المتحضرة"، لتودع للفرجة في متحف الأنثروبولوجيا في باريس.
الرفات يعود بعضه إلى سبعة من المقاتلين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير بلادهم من ربقة الاستعمار الفرنسي في معركة "الزعاطشة" التي جرت في سبتمبر عام 1849 والتي قتل فيها أكثر من 1000 مواطن جزائري بمن فيهم الشيخ أحمد بوزيان، الذي قاد المقاومة في تلك الفترة، إضافة إلى محمد بن علال بن مبارك، وهو مساعد مقرب من زعيم المقاومة الوطنية الأمير عبد القادر الجزائري.
علي فريد بلقاضي، المتخصص الجزائري في التاريخ وعلم الإنسان "الأنثروبولوجيا" كان اكتشف في عام 2011 هذه الجماجم التي كانت معروضة في المتحف، وأطلق حملة لاستعادتها، تبع ذلك عريضة بهذا الشأن وقعها عدد من كبار المثقفين الفرنسيين والجزائريين.
بلقاضي كان أفاد في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية بمناسبة استعادة الرفات "آخر إحصاء أجري يوم 18 أبريل 2018، كشف عن وجود 536 جمجمة وأن أصحابها ينحدرون من كل ربوع الوطن، من خنشلة ووهران وباتنة وسكيكدة والقالة والجزائر العاصمة. كما يوجد من بين هذه الجماجم والعظام، جماجم لإنسان ما قبل التاريخ و إن كان عددها قليل"، مشددا على أن مكانها الطبيعي "ليس في فرنسا".
الخبير الجزائري كشف أيضا إلى أنه نبه سلطات بلاده إلى بقايا جثامين الجزائريين المتوفين في كاليدونيا الجديدة "والذين لم يدفنوا، بل أبقى الفرنسيون على عظامهم".
لحظة إعلانه عن استعادة الرفات، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حفل عسكري عن أصحابها: "لقد حرموا من حقهم الطبيعي والإنساني في أن يدفنوا لأكثر من 170 عاما. ومن بين المقاتلين الشريف بوباغلة وزعيم انتفاضة الزعاطشة الشيخ أحمد بوزياني وإخوانهم".
تبون لفت إلى أن الجماجم المستعادة بينها، جماجم القادة شريف بوبغلة، والشيخ أحمد بوزيان، ومختار بن قويدر التيطري، وعمار بن قديدة، إضافة إلى جمجمة الطفل أحمد بلحاج، الذي قتلته القوات الاستعمارية وقطعت رأسه وهو لم يتعدَّ عمره 13 عاما.
الرئيس الجزائري أكد أن بلاده مصممة على استرجاع جميع رفات الشهداء المتبقية من فرنسا، بما في ذلك، جمجمة قائد المقاومة الشعبية عيسى الحمادي، وجمجمة محمد بن علال، أحد ضباط الأمير عبد القادر الجزائري.
الجزائر استقبلت الرفات بمراسم تليق بأبطالها، حيث نظم سلاح الجو الجزائري عرضا جويا في سماء العاصمة، وحمل الجنود في المطار التوابيت المكسوة بالعلم الجزائري، وأقيمت صلاة الجنازة على أرواح الأبطال، وجرى وضع الرفات في قصر الثقافة قبل أن تنقل وتدفن في مقبرة العليا بالتزامن مع الاحتفال باستقلال البلاد في 5 يوليو.
المؤرخون الجزائريون علاوة على ترحيبهم باستعادة الرفات، يلفتون إلى أنه ليس كل ما لدى الفرنسيين، وقال المؤرخ محمد القورصو بهذه المناسبة: "لقد استعدنا جزءا من ذاكرتنا.. لكن يجب أن يستمر النضال حتى يتم العثور على جميع رفات مقاتلي المقاومة، الذين يوجد منهم المئات، وأيضا محفوظات ثورتنا".
الجزائر كانت عانت من استعمار فرنسي عنيف استمر 132 عاما، بدأ في القرن التاسع عشر في عام 1830، وطويت صفحته في عام 1962 بعد أن عبّد الجزائريون نضالهم الشرس والطويل بأكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وجاء الدور لعودة "رفات الأبطال" إلى بلادهم بعد غربة طويلة، ونفي حتى بعد الموت.