يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اختباراً جديداً يتمثل في إدارة واحدة من أكثر عمليات الاستحواذ على الشركات تعقيداً في التاريخ في أعقاب التمرد الذي وصل إلى موسكو تقريباً.
يأتي ذلك، بعد أن داهم عملاء من خدمات الأمن الفيدرالي "FSB" المقر الزجاجي المغلق لمجموعة فاغنر في سانت بطرسبرغ، بحثاً عن أدلة ضد يفغيني بريغوجين، رئيس فاغنر الذي قاد تمرد الشهر الماضي.
كما أطلق الكرملين حملات تجنيد على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية لاصطياد بعض من 30 ألفا من المرتزقة والمتسللين وأموال فاغنر، الذين نشرهم حليف الرئيس بوتين منذ فترة طويلة في أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، واطلعت عليه "العربية.نت".
وفي سانت بطرسبرغ، استولت الأجهزة الأمنية على الحواسب والخوادم في مجموعة "باتريوت ميديا" التابعة لـ"بريغوجين"، وهي جزء أساسي من إمبراطورية الاتصالات التابعة لـ"فاغنر"، وهي منظمة وسائل التواصل الاجتماعي.
وكشفت الصحيفة أن المالك الجديد المحتمل لـ"باتريوت ميديا"، هي مجموعة "National Media Group"، برئاسة ألينا كابيفا، لاعبة الجمباز الإيقاعية السابقة والتي وضعتها واشنطن على قائمة العقوبات.
ووفقاً للصحيفة، فقد ساعدت مجموعة فاغنر الكرملين في حشد النفوذ الدولي وتحصيل الإيرادات، وجميعها تديرها شركة كونكورد القابضة الرئيسية التابعة لبريغوجين. فيما يحاول بوتين الآن السيطرة على وحش الشركة الذي ساعد في إنشائه، وفقاً لمسؤولين غربيين وشرق أوسطيين وأفارقة إلى جانب المنشقين الروس والوثائق التي توضح بالتفصيل أكثر من 100 شركة تسيطر عليها "فاغنر".
ونقلت الصحيفة عن مصادر أن المسؤولين الروس أخبروا الحكومات في إفريقيا والشرق الأوسط التي أسندت أمنها إلى مرتزقة فاغنر بأن البنادق المأجورة لن تعمل بشكل مستقل.
قبل أن يسقط بريغوجين لصالح الكرملين، قام ببناء واحدة من أكثر هياكل الشركات تعقيداً وغير خاضعة للمساءلة في العالم، وهي عبارة عن مجموعة من مئات الشركات في روسيا وغيرها من الولايات القضائية التي كانت تدفع نقداً، في كثير من الأحيان لآلاف العمال والمرتزقة والطهاة وعلماء التعدين، والمتصيدين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال مسؤولون غربيون وعرب وأفارقة إن العديد من الصفقات التي أبرمتها الشركات المرتبطة بفاغنر مع الحكومات الإفريقية كانت غير رسمية، وتعتمد على التهريب والتحويلات غير المشروعة، وتفاوض عليها شخصياً بريغوجين نفسه.
فيما كشف أحد موظفي الشركة في رسائل نصية راجعتها "وول ستريت جورنال"، أن بريغوجين نقل بعض ممتلكاته إلى الموظفين في الأسابيع التي سبقت التمرد، مما قد يزيد من تعقيد الأمر بالنسبة للحكومة.
وستكون محاولات بوتين للاستيلاء على زمام هذه الشركات بمثابة اختبار لمدى السيطرة التي يحتفظ بها على النظام الذي بناه واستخدمه لحكم روسيا لمدة 23 عاماً. ولسنوات، كان بوتين محاطاً بدائرة متقلصة من المستشارين المتشددين، وأسند المزيد والمزيد من العمل الذي يُعطى عادة للدولة لشبكة من الشركات التي يديرها بريغوجين.
وقال بوتين في خطاب ألقاه للجيش في 27 يونيو: "آمل ألا يكون هناك شيء مسروق، أو على الأقل ليس كثيراً. سنتعامل بالتأكيد مع هذا".
وتملك "كونكورد القابضة" شركة "Broker Expert LLC"، وهي شركة تجارية في روسيا أرسلت حفارات إلى منجم ذهب تسيطر عليه شركة "فاغنر" في السودان، كما تمتلك شركة "Bois Rouge"، وهي شركة أخرى تمتلك امتيازاً للخشب الأحمر في جمهورية إفريقيا الوسطى وكذلك في السودان.
كما أن الشركات المستخدمة تقع ضمن سلاسل شركات أخرى، وفقاً لمخططات تنظيمية راجعتها الصحيفة. ومن بينهم "Sewa Security Services"، التي نشرت عملاء أمن، وهي شركة تابعة لشركة "M-Invest"، وهي شركة مالية مقرها سانت بطرسبرغ.
بالإضافة إلى "Evro Polis"، شركة مرتزقة أخرى تحرس أكبر حقول الغاز في سوريا ويقدر المسؤولون الغربيون أنها تحصل على ما يصل إلى ربع أرباح الإنتاج، داخل سلسلة شركات تؤدي إلى "Service K LLC"، وهي شركة موارد بشرية.
وتتعامل أكثر من 6 شركات تسيطر عليها شركة "فاغنر" أيضاً في التعدين، والذي يتم تسهيله من خلال شبكة أخرى من شركات التوريد والخدمات اللوجستية المملوكة أيضاً للمجموعة.
في جمهورية إفريقيا الوسطى، سيطرت شركة "Midas Resources SARLU" التي تسيطر عليها "مجموعة فاغنر" على الكثير من الإنتاج في منجم الذهب "Ndassima"، مع موارد غير مستغلة تقدر بنحو مليار دولار، وفقاً لادعاءات الحكومة الأميركية. في المقابل، يتم تصدير الذهب والماس الذي تقوم شركة فاغنر بتعدينه في البلاد من قبل شركة أخرى تابعة لبريغوجين وهي "Diamville SAU".
وقال محللون ومسؤولون أميركيون وأوروبيون درسوا عن كثب المجموعة، إنه على الرغم من أن بريغوجين اعترف بأنه أسس شركة فاغنر العسكرية الخاصة في أكتوبر بعد عقد من إنكار وجود المجموعة، إلا أن الكثير من شبكة الشركات الأوسع التي تشكل ممتلكاته لا تزال سرية أو غير معترف بها.
وتساءل أحد كبار المسؤولين الأميركيين السابقين الذي راقب عن كثب صعود "فاغنر": "السؤال هو ما إذا كانت الكيانات العديدة المنشأة بشكل منفصل ولكنها منسقة والتي تعمل في جميع أنحاء إفريقيا وخارجها ستستمر في العمل كشبكة في غياب التوجيه، وربما خوف بريغوجين لإبقائها معاً".
وفي جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وسوريا، بدا أن المديرين التنفيذيين في مجال الأمن والتعدين في الشركات المرتبطة بفاغنر يتراجعون وينتظرون إشارات من موسكو وفقاً لـ "All Eyes On Wagner"، وهي مجموعة بحثية مفتوحة المصدر قالت إنها فحصت سجلات الشركات في 30 شركة تابعة لـ"فاغنر" منذ التمرد ولم تجد أي تغييرات في الملكية.
وأظهرت سجلات الشركة أن إحدى الشركات المسماة "Retail"، والتي كانت تستخدم لشراء وتطوير مقر "فاغنر" المرتفع في سانت بطرسبرغ، غيرت عنوانها ورقم السجل في مايو، على الرغم من أن "بريغوجين" لا يزال مديرها الوحيد.
ويوم السبت، تمت إزالة لافتة "فاغنر" العملاقة من مقر الشركة وأكدت المجموعة على قناتها "تيليغرام" أنها ستغادر. وقالت: "سيواصل مركز "PMC Wagner" العمل لصالح بلدنا". "لكن بتنسيق جديد وفي مواقع أخرى".