الحرةعلى الرغم من قلة عدد أفرادها وتسليحها، تمكنت أوكرانيا من صد هجوم القوات الروسية، بفضل اعتماد جيشها على نهج ذكي ومعرفة فائقة بالتضاريس والاستخدام الفعال للمسيرات والتكنولوجيا الرقمية، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وبعد أشهر من الدفاع، أطلقت كييف، قبل أسابيع، هجوما مضادا لاستعادة أراضيها التي احتلتها موسكو، في واحدة من "أعقد العمليات التي يمكن لأي جيش القيام بها"، بعد أن أمضت القوات الروسية شهورا في بناء دفاعات قوية، تشمل مخابئ وفخاخ دبابات وحقول ألغام، يصل بعضها إلى 25 كيلومتر.
وفي هذه المرحلة من الحرب، يشير تقرير الصحيفة الأميركية، إلى أن افتقار أوكرانيا إلى الموارد، يمثل "تحديا كبيرا يقوض جهود التقدم في مواجهة الدفاعات الروسية"، مبرزا أنه على الرغم من حزمات المساعدات الغربية، توقف تقدم كييف جنوبا عبر الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، باتجاه بحر آزوف.
وأقر الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، بأن تقدم الهجوم العكسي "كان أبطأ مما أراده هو وجنرالات الجيش"، لكنه قال إن "القوات الأوكرانية هي التي أخذت زمام المبادرة".
وأضاف في حوار مع محطة تلفزيون "أيه.بي.سي" الأميركية: "كلنا نريد أن نفعل ذلك بشكل أسرع لأن كل يوم يعني خسائر جديدة للأوكرانيين. نحن نتقدم. لسنا عالقين"، مشيرا إلى أن الجيش تغلب على "بعض الركود" في الأشهر السابقة.
ورغم تأكيد المسؤولين الأوكرانيين على إحرازهم تقدما، مع استعادة قرى في منطقتي زابوريجيا ودونيتسك خلال الشهر الماضي، فإنهم يعترفون أيضا بـ"الصعوبات الكبيرة التي تواجه مهمة استعادة الأراضي"، خاصة مع قوة تجهيز الجيش الروسي.
في هذا الجانب، يقول اللفتنانت كولونيل، أوليكسي تليهين، "إذا قتلنا وحدة كاملة، أي 100 جندي، فإنهم سيحضرون في اليوم الموالي وحدة أخرى". وفي المقابل يلفت جنود على الجبهة الجنوبية إلى أن بعض الوحدات تفقد عشرات الرجال في هجوم واحد".
وبالنسبة للقوات الروسية التي حاولت في وقت سابق من هذا العام الاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية، يقول المتخصص في الدراسات الأمنية في معهد بروكينغز في واشنطن، مايكل أوهانلون: "لم يكن هجومها ناجحا، لكن الاحتفاظ بمواقع دفاعية سيكون أسهل بالنسبة لهم"، مذكرا بتعبئة الجيش الروسي لأكثر من 250 ألف جندي روسي العام الماضي.
ويؤكد الجنود الأوكرانيون في منطقة زابوريجيا، أن الروس قاموا بتشييد كيلومترات من الخنادق المتعرجة والمترابطة، بعضها مدعم بالخرسانة أو مغطى بأسقف خشبية والتراب، مما يصعّب من مهمة كشفها باستخدام المسيرات، إضافة إلى "حقول الألغام" التي زرعتها قوات موسكو.
ويقول العسكري الأوكراني، تليهين: "من الصعب التعامل مع مثل هذه المواقف"، مشيرا إلى أن النقص في الدبابات والعربات المدرعة الأخرى يعقد وضعية قوات كييف.
وإلى جانب الإشكالات اللوجيستية، يمنح تموقع القوات الروسية في مناطق جغرافية عالية "ميزة كبيرة لموسكو"، بحسب الصحيفة التي تشير إلى أن "الأراضي المرتفعة، لطالما كانت التضاريس الأعلى قيمة، ومحور المعارك".
من جهته، يؤكد الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ: "لقد حقق الأوكرانيون مكاسب، لكنهم يواجهون قتالا شرسا وتضاريس صعبة وخطوطا دفاعية روسية جيدة الإعداد، مبرزا أن "هذا الوضع حجة تدفعنا لمواصلة الدعم".
وقال ستولتنبرغ قبل قمة الحلف، هذا الأسبوع في ليتوانيا، والتي من المقرر أن يحضرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن قادة الناتو سيرسلون "رسالة مفادها أننا سنبقى هناك مهما تطلب الأمر ذلك".
وتناقش دول الناتو إرسال طائرات مقاتلة، من طراز "اف 16" أميركية الصنع، لكن من غير المرجح أن تتوصل بها القوات الأوكرانية خلال العام الجاري، وفي ظل استمرار غيابها، تطالب كييف الحلفاء بالحصول على قذائف من جميع الأحجام - من طلقات المدافع الرشاشة إلى قذائف المدفعية.
وتحاول كييف إضعاف الدفاعات الروسية قبل إرسال القوات، لكن القادة العسكريين يعترفون بأنهم "لا يمتلكون ما يكفي من الذخيرة لتدمير القرى التي تسيطر عليها روسيا"، وبدلا عن ذلك، عادة ما تقوم القوات الأوكرانية بضربات مدفعية فقط، بعد رصدها مواقع روسية بالطائرات المسيرة، ويؤكدون أيضا أن "نقص العربات المدرعة يؤدي أيضا إلى إبطاء جهودهم للتقدم".
ويذهب محللون آخرون لتبرير "البطء الحاصل"، في عدم زج كييف بعد بالجزء الأكبر من قواتها المسلحة المدربة حديثا، بعد أن أمضت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون شهورا في تدريب القوات الأوكرانية على تقنيات الأسلحة المشتركة لمساعدتها، على اختراق الدفاعات الروسية الهائلة، خلال هجومها المضاد.
وبالمقابل عملت روسيا، على مدار أشهر، في حفر مواقع دفاعية ونشر ألغام أرضية حولها وتشييد تحصينات مدججة بالسلاح، جعلت تقدم أوكرانيا في الشرق والجنوب "بطيئا ودمويا"، وفقا لرويترز.
وقال وكيل البنتاغون لشؤون السياسة، كولين كال، الجمعة، إن الهجوم الأوكراني المضاد على القوات الروسية "يسير بوتيرة أبطأ من المتوقع، لكن لا يزال من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات بشأن احتمالات تحقيق كييف مكاسب في ساحة المعركة".
وذكر كولين كال للصحفيين "من السابق لأوانه الحكم على سير الهجوم المضاد"، مضيفا "لا يزالون يختبرون الخطوط الروسية (و)المناطق الروسية لمعرفة نقاط الضعف".
وتابع: "سيكون الاختبار الحقيقي عندما يحددون هذه النقاط، ومدى سرعة قدرتهم على استغلال نقاط الضعف تلك".
وأعرب بعض المسؤولين الأميركيين، الذين تحدثوا لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، عن تفاؤلهم بأن كييف لديها كل الأسلحة التي تحتاجها، بما في ذلك أجهزة تطهير خطوط الألغام وكاسحات الألغام.
وفي روسيا، أكد وزير الدفاع سيرغي شويغو، الأسبوع الماضي، أن كييف "لم تحقق أهدافها على أيّ محور" منذ بدأت هجومها المضاد في مطلع يونيو، مؤكدا أن قواته دمرت 16 دبابة ليوبارد غربية تسلمتها مؤخرا أوكرانيا، وفقا لفرانس برس.