تعقيدات المشهد الدولي تنعكس تداعياتها بشكل كبير على القارة الأفريقية، في ظل صراع على موارد طبيعية وإمكانات تسويقية ما يرفع تحديات الأمن بقارة لم تفلح بإسكات بنادقها.
وخلال الآونة الأخيرة، شكلت القارة الأفريقية مسرحا جديدا للصراع العالمي بين القوى الاقتصادية والعسكرية، بهدف الظفر بموطئ في هذه المنطقة، الغنية بالثروات الطبيعية والمليئة بالتوترات الأمنية والسياسية.
وفي مقدمة عناوين هذا الصراع القوى، المتجدد في هذه القارة، يأتي اليورانيوم، الذي هو ثروة ضخمة متعددة الاستخدامات؛ من الأغراض العسكرية الأمنية إلى الأغراض المدنية مثل الطاقة والزراعة والتكنولوجيا، فضلا عن مناجم الذهب وحقول النفط.
وتتوفر القارة الأفريقية على احتياطيات ضخمة من اليورانيوم، حيث تحتل 3 دول أفريقية مراتب متقدمة في ترتيب الدول العشر الأولى عالميا، من حيث احتياطيات وإنتاج اليورانيوم، وهي ناميبيا وجنوب أفريقيا والنجير.
بالإضافة إلى الدول المذكورة، تمتلك عدة دول أخرى في القارة الأفريقية احتياطيات معتبرة من مادة اليورانيوم، التي تلعب دورا محوريا في مجال توفير الطاقة ذات الإسهام المحدود في انبعاث الغازات المضرة بالبيئة.
اهتمام متزايد ومسار مزدوج
خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأت القوى العالمية الكبرى مسارا مزدوجا لتدعيم حضورها في القارة الأفريقية، سواء من حيث تطوير وتحسين البوابة الدبلوماسية أو دعم آليات الاستثمار أو إبرام اتفاقيات التعاون وتكثيف الحضور العسكري.
وتمثل هذا المسار الجديد في 3 محاور هي المؤتمرات والمنتديات التي تنظمها القوى العظمى مثل أمريكا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، لاستضافة قادة القارة السمراء من أجل تطوير التعاون وبحث سبل تنمية القارة.
في الشق الثاني من المسار، بدأت هذه القوى تعزيز حضورها العسكري في القارة، خاصة في منطقة غرب أفريقيا، الذي شهد اختلالا كبيرا في موازين القوى العسكرية الأجنبية، مع بدء الانتشار العسكري الكبير لروسيا في عدة دول أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو.
وعبر مشاريع تنموية وتحقيق مصالح مشتركة تعود بالمنفعة إلى كلا الجانبين من دون قيود سياسية والتوسط في النزاعات بالمنطقة الأفريقية بدأت ملامح التوسع في الوجود الصيني والروسي بالقارة السمراء لمل الفراغ الأمريكي الذي تزايد في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وتصاعد الغضب تجاه فرنسا.
والشهر الماضي، سافر 17 رئيس دولة أفريقية إلى سانت بطرسبرغ، لحضور قمة أفريقية روسية، توجت بوعود سخية للقارة السمراء، على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
لماذا خسرت فرنسا حضورها؟
المتخصص في الحركات الأمنية والعسكرية في غرب أفريقيا، "الربيع إدومو"، قال إن فرنسا خسرت حضورها في منطقة غرب إفريقيا بسبب اهتمامها بالأنظمة التقليدية على حساب خيارات التجديد والبرامج التي تقدمها القوى السياسية المعارضة.
وأكد إدومو، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن روسيا استفادت كثيرا من وضعية "الرفض الفرنسي" من أجل تعزيز حضورها في هذه المنطقة وتوسيع مصالحها العسكرية والأمنية والاقتصادية، على حساب بقية القوى، خاصة فرنسا والاتحاد الأوروبي.
تنافس على الثروات
من جانبه، أكد الخبير في الشؤون الأفريقية، سيدي المختار سيدي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "التنافس القوي على النفوذ في أفريقيا بين دول الشرق خاصة روسيا والصين، ودول الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، له أبعاد متعددة، منها ما يتعلق باستغلال الثروات الطبيعية ومنها ما يتعلق بالتوسع والنفوذ بحثا عن السيطرة على مناطق مهمة من القارة الأفريقية".
اليورانيوم.. وقود الصراع
ويعتبر المخزون الضخم للقارة الأفريقية من اليورانيوم هو وقود الصراع الأول في المنطقة، حيث يسعى كل طرف إلى إحكام السيطرة على منابع هذه الثروة ذات التأثير الفعال في مستقبل إنتاج الطاقة، خاصة في ظل الأزمات التي تواجه هذا القطاع والتي تزايدت حدتها عقب حرب أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، قال الخبير في الشؤون الأفريقية سيدي المختار سيدي إن "تطور التنافس الحالي بين روسيا والغرب يعتمد على عاملين أساسيين؛ أحدهما قوة التيارات الموالية لكلا الطرفين على الأرض والثاني مدى اعتماد كل طرف على الثروات الطبيعية في بلدان أفريقيا وأهميتها بالنسبة له واستعداده للتخلي عن مصالحه الاقتصادية، ويشهد لذلك ما يدور حاليا في النيجر التي تمتلك رابع احتياطي من اليورانيوم وتعتبر أكبر مصدر له إلى أوروبا والتي يرى كثيرون أن فرنسا لن تسمح بسقوطها في يد روسيا بسبب اعتماد المفاعلات النووية الفرنسية لإنتاج الطاقة، عليها بنسبة تتجاوز 15% وأيضا لأن هذه المناجم تستغلها شركة فرنسية".
دعم مشروط بمصالح
بدوره، قال المتخصص في الشؤون الأفريقية، محفوظ ولد السالك، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن "اليورانيوم، باعتباره أحد المعادن الاستراتيجية التي تدور حولها حروب الموارد في العالم، فيما يتعلق بإنتاج القنابل الذرية، وتوليد الطاقة الكهربائية، وفي ظل تزايد اشتعال الحروب اليوم في عدة جبهات، وإشكالات الطاقة الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فإن جميع الأطراف الدولية الفاعلة، ستحاول التموقع الآن والاصطفاف إلى جانب انقلابيي النيجر، أو الرئيس المخلوع، حسب طبيعة التفاهمات والصفقات، ولعبة المصالح".
فيما اعتبر الصحفي المتخصص في قطاع الطاقة، محمد آكا، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن ثروات اليورانيوم المتوفرة في غرب أفريقيا تعتبر كنزا ثمينا بالنسبة للشركات الأجنبية، نظرا لعدة عومل، من أبرزها؛ جودة المناجم وتنافسية الأسعار، بالإضافة إلى التساهل في احترام المعايير البيئية أثناء عمليات الاستخراج.
وأضاف أنه من جهة أخرى فإن السيطرة على هذه الاحتياطيات الضخمة تمكن الشركات والدول العظمى من التحكم في أسعار الطاقة، من خلال تسيير الإنتاج والتصدير، خاصة في ظل التخلي عن مصادر الطاقة الأحفورية.
أفريقيا.. ضحية الصراع على اليورانيوم
والأربعاء، أعلن عسكريون في النيجر تنفيذ انقلاب عسكري ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، في خطوة اعتبرها مراقبون مجرد استمرار لمسلسل انقلابات عسكرية ستشهدها المنطقة بسبب الصراع بين فرنسا وروسيا في المنطقة.
ومن بين هؤلاء المراقبين الخبير في الشؤون الأفريقية محفوظ السالك الذي أكد أن "البعد الاقتصادي لا يمكن تجاهله، في الانقلاب العسكري بالنيجر، وصراع الإرادات والنفوذ بين بلدان العالم، إزاء المواقف والمواقع منه، لأن هذا البلد الحبيس، ذي الساكنة الفقيرة في أغلبها، واحد من أكبر منتج لليورانيوم على الصعيد العالمي، وهذا يعطي البلاد وانقلابها بعدا دوليا".
وأضيف أنه نظرا لذلك "نجد الاهتمام الأوروبي الكبير بالانقلاب ورفضه، والتشبث بعودة الرئيس المنتخب، لأن المصالح الأوروبية ستتضرر، حيث تؤمن النيجر نسبة 20% من اليورانيوم الذي تحتاجه أوروبا، الأمر الذي لن يستمر لو استتب حكم الانقلابيين، وهذا سيجعل أوروبا في أزمة، تفاقم أزمتها الطاقوية".
وأوضح أيضا أن "نفس الأمر ينطبق على فرنسا، فبالإضافة إلى كونها دولة استعمارية سابقة للنيجر، فإن البلاد تهمها كثيرا في إطار استراتيجية إعادة الانتشار الأمني في غرب أفريقيا، الذي تسعى إليه بعد طرد قواتها من مالي وبوركينا فاسو، هذا بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الحاضر بقوة في المعادلة، لأن محطات الطاقة النووية الفرنسية تغتمد على يورانيوم النيجر بشكل كبير".
الصراع محتدم
وتوقع الربيع إدومو، المتخصص في الحركات الأمنية والعسكرية في غرب أفريقيا، أن الصراع سيتحدم أكثر بين القوى العسكرية والاقتصادية الكبرى، خلال السنوات القادمة في أفريقيا، خاصة غرب أفريقيا، ذات الخصائص البيئية والاقتصادية والسياسية المختلفة عن بقية القارة.
وفي هذا الصدد، أوضح أن لكل دولة توجهها الخاص في مسار توسيع النفوذ، حيث تركز كل من فرنسا وروسيا على بسط النفوذ العسكري المباشر، بينما تسعى الصين إلى توسيع نفوذها التجاري والاستثماري، في حين تركز الولايات المتحدة الأمريكية على مسار التنسيق مع الجهات الأمنية والعسكرية في المنطقة.
من جانبه، رجح سيدي المختار سيدي، الخبير في الشؤون الأفريقية، أن "تستمر حالة التجاذب ويتصاعد الاستقطاب في القارة السمراء بعد أن ضمنت كلا من روسيا والصين مكانا لهما في القارة وأصبحت تبحث عن توسيع دائرة نفوذها، في مقابل رفض ذلك من طرف الحلفاء الغربيين التقليديين لدول القارة وهو ما قد يؤدي لأزمات وصراعات على الحكم وبالتالي حرمان الدول الهشة من ثرواتها أو تحولها لعامل تأزيم".