روابط ومصالح مشتركة كبيرة تجمع أنقرة ودول التعاون

عودة العلاقات بين مصر وتركيا تعزز الأمن والاستقرار بالمنطقة

ضرورة تكاتف الدول الإسلامية لإقرار اتفاق دولي يجرّم الإساءة للقرآن

هزيمة روسيا مستحيلة.. واستسلام أوكرانيا مستبعد وأمد الحرب سيطول

تغيّر المناخ يهدّد الأرض ولابد من تحرّك عالمي مشترك وفوري

الإمارات صاحبة أكبر استثمارات في تركيا بقيمة 50.3 مليار دولار

10 ملايين لاجئ يكلّفون تركيا 12 مليار دولار سنوياً




محمد نصرالدين

أكد مدير معهد السياسة الخارجية بتركيا البروفيسور حسين باجي على أهمية تعزيز العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل ما يجمعهما من روابط ومصالح مشتركة، مشيراً إلى أن جولة الرئيس أردوغان الخليجية الأخيرة جاءت انطلاقاً من الرغبة الجادة بإعادة العلاقات السياسية المتميزة مع دول الخليج العربية إلى مسارها الصحيح، لافتاً إلى أهمية الاستثمارات الاقتصادية الخليجية في بلاده.

وقال في حوار مع «الوطن» على هامش منتدى آسيا الوسطى الأول للأمن والتعاون الذي عقد مؤخراً في أستانة، إن تركيا خسرت الكثير من الوقت والطاقة والمال بدعم ما يسمى بـ«الربيع العربي»، ولكن بدأت القيادة التركية تتدارك الموقف بالعودة للسياسة البراغماتية، وهذا النهج الجديد محل قبول وترحيب من دول الخليج العربية، وهو ما يشكّل قوة دفع لزيادة ونمو العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون خلال الفترة المقبلة.

وأكد أن عودة العلاقات بين مصر وتركيا في الآونة الأخيرة هي خطوة صحيحة ومهمة جداً وتعزز الأمن والاستقرار بالمنطقة، ولطالما كانت العلاقات التركية المصرية مهمّة جداً للأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الجانبين خسرا أكثر من 10 سنوات بقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية.

وحول تزايد الإساءة إلى القرآن مؤخراً في عدد من الدول الأوروبية، شدد على أهمية ضرورة تكاتف جميع البلدان العربية والإسلامية للدفع باتجاه إقرار اتفاق دولي يجرّم الإساءة إلى القرآن والكتب السماوية المقدّسة.

كما أكد على ضرورة تضافر الجهود العالمية لحلّ أزمة تغيّر المناخ كونها قضية عالمية تهدّد كوكب الأرض كله، ولا يمكن حلّها إلا من خلال الإجراءات المشتركة وتكاتف دول العالم أجمع بشكل فوري وجماعي.

وحول سُبُل مواجهة التحدّيات العالمية المتصاعدة، قال إن دول العالم بصدد تشكيل تحالفات وشراكات جديدة في ضوء ما أفرزته الأزمة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لاستشراف فرص التعاون ومواجهة التحديات الجديدة السياسية والاقتصادية والأمنية وفي مجال الأمن الغذائي وغيرها. وفيما يلي نص اللقاء:

كيف تقيّمون نتائج منتدى آسيا الوسطى الأول للأمن والتعاون وأهمية المواضيع والقضايا التي نوقشت فيه؟

- أظهر منتدى آسيا الوسطى الأول للأمن والتعاون في أستانا مرة أخرى كيف سيكون العالم وكيف ستتعامل دوله مع التحديات والأزمات الدولية بعد نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 24 فبراير 2022.

فقد كان نشوب هذه الحرب نقطة تحوّل مفصلية على المستوى الدولي، أو كما أسماها المستشار الألماني أولاف شولتز «The Global Zeitenwende»، وقد كان هذا المؤتمر أحد مظاهر لجوء بلدان العالم إلى التحالف والتكتل والبحث عن شراكات وفرص جديدة، وقد كشفت موضوعات المؤتمر عن تحديات جديدة للاقتصاد والأمن العالميين وأن مراكز القوى العالمية الدائمة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي لديها الآن عضو جديد وهي الصين والتي ستكون مركز القوة الدائم في هذا القرن.

كما كشف المؤتمر أن بلدان آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط، ومن البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية تغيرت نظرتهم إلى السياسة العالمية وبدأت حقبة جديدة من التاريخ، سيكون فيها للتكتلات الإقليمية حيز كبير، كما سيشهد التعاون الدولي داخل المنظمات الدولية نموذجاً جديداً وستنشأ العديد من نماذج التعاون والتكتلات العالمية الجديدة. وبلاشك، فإن مؤتمر أستانا شكّل منبراً مهمّاً للغاية للنقاش الفكري وقدم المشاركون فيه عدة أطروحات جديدة. ونجاح المؤتمر تمثّل في المقاربات الفكرية التي قدّمها لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية ومحاولة استشراف التاريخ الجديد وسبل التعامل مع المستقبل. التاريخ لم ينتهِ حتماً ولكنه يبدأ بطريقة صعبة ومختلفة.

كيف ترون مخاطر استمرار الحرب الروسية الأوكرانية على المستوى العالمي؟ وفي رأيك كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يوقف هذه الحرب؟

- الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر على الأرجح وليس هناك ما يشير إلى وقف إطلاق النار قريباً، في ضوء مواصلة روسيا للقتال واستمرار الهجوم الأوكراني المضاد.

ما يمكنني التأكيد عليه في ضوء معطيات هذه الحرب الطاحنة أنه من الصعب للغاية هزيمة روسيا في هذه الحرب، كما أن استسلام أوكرانيا أيضاً غير مطروح أو وارد، ولذلك ستطول الحرب وستطال تبعاتها العالم أجمع، ويمكن تلمّس ذلك في ضوء إلغاء اتفاقية الحبوب مؤخراً، وفي حين أن روسيا وعدت الدول الأفريقية بأن التسليم سيستمر، يظلّ السؤال المطروح هو كيف بعد إلغاء الاتفاقية؟ لايزال العالم يعاني من التأثيرات السلبية لهذه الحرب وتداعياتها كل يوم، دون قدرة على وقفها. وبعبارة أخرى، «النار تتزايد كل يوم» ولا يوجد وقف لإطلاق النار في الأفق.

ماذا عن الدور التركي والجهود المبذولة للتهدئة بين أوكرانيا وروسيا؟

- سياسة تركيا تقوم على مراعاة «توازن القوى» ولكن خلال قمّة حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي انعقدت مؤخراً في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أيدت تركيا انضمام أوكرانيا إلى الناتو.

لكن بالمقابل تركيا لا تفرض أي عقوبات على روسيا، ولذلك فهي تحتفظ بعلاقات جيدة جداً مع كل من أوكرانيا وروسيا، تتيح لها التواصل مع الطرفين والقيام بأي دور فيما بينهما، كما أن هذه العلاقات الجيدة مربحة جداً لتركيا فقد حصلت على 13 مليون طن من صفقة الحبوب وأنتجت وباعت سلعاً من القمح إلى أفريقيا وقارات أخرى. ولاتزال كلٌّ من أوكرانيا وروسيا تحتاج إلى تركيا باعتبارها دولة قوية وجارة لكليهما على البحر الأسود، لأن تركيا تسيطر على الدردنيل والبوسفور وتتمتع بالسيادة الكاملة هناك.

كيف تقيّمون علاقات تركيا مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟ وأهمية تعزيز التعاون بين الجانبين في ضوء جولة الرئيس أردوغان الخليجية الأخيرة والاتفاقيات الناتجة عنها؟

- زيارة الرئيس أردوغان لعدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ضمن جولته الأخيرة جاءت انطلاقاً من الرغبة الجادة بإعادة العلاقات السياسية المتميزة مع دول الخليج العربية وتأمين الحصول على استثمارات اقتصادية مباشرة، وهو ما تحتاجه تركيا بشكل كبير خلال هذه الفترة، وقد جاءت هذه الجولة الخليجية ضمن النهج الجديد للرئيس أردوغان والذي يهدف لتقليص الخلافات وزيادة الأصدقاء، وهذا النهج والعودة للسياسة البراغماتية يحظى بترحيب وقبول من دول الخليج العربية التي تُعتبر من أبرز وأهم المستثمرين في تركيا، وتشتري بعض الأصول الدفاعية والاقتصادية في تركيا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن استثمار دولة الإمارات وحدها بقيمة 50.3 مليار دولار وهو يُعتبر أكبر الاستثمارات، وهو حتى أكبر من الاستثمار في محطة مرسين أكويو النووية الروسية بقيمة 22 مليار دولار. كما تبدو تركيا أيضاً وجهة استثمارية مربحة لرؤوس أموال دول الخليج العربية، وهناك بالتأكيد زيادة كبيرة في العلاقات في الآونة الأخيرة خاصة بعد أن تخلّى الرئيس أردوغان عن لهجته الاستقطابية بشكل عام وعاد الآن لخطابه «الناعم والمتعاون» والذي يجسّد السياسة الحقيقية لتركيا من الناحية الكلاسيكية.

وتبقى الحقيقة المؤكدة أن تركيا خسرت الكثير من الوقت والطاقة والمال بدعم ما يسمّى بالربيع العربي، واختارت نهجاً غير صحيح بالانخراط في الشؤون العربية، وهو ما لم يكن موجوداً بالسياسة التركية من قبل. وتركيا دولة تجارية وليست دولة مستقطبة. وقد أدركت القيادة التركية ذلك وأصبح لديها «دروس مستفادة». وهذا التغيّر الجيد هو ما يرجّح توقع زيادة العلاقات مع دول الخليج ونموها خلال الفترة المقبلة.

بما تصف علاقات البحرين مع تركيا؟

- علاقات طيبة وممتازة، ويسرّني بهذا الصدد الإشارة إلى أن سفيرة تركيا لدى البحرين إيسين تشاكيل هي إحدى طلابي من خريجي جامعة تقنية الشرق الأوسط في أنقرة، وأعتز كثيراً بإسهاماتها لتعزيز العلاقات الممتازة بين تركيا والبحرين.

ماذا عن عودة العلاقات بين مصر وتركيا في الآونة الأخيرة؟

- لطالما كانت العلاقات التركية المصرية مهمة جداً للأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط. وقد خسر الجانبان أكثر من 10 سنوات بقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية. ولذلك فإن إعادة العلاقات بين البلدين حالياً هو خطوة صحيحة ومهمة، وتحقيق الخطوة الأولى بتبادل تعيين السفراء مبادرة جيدة، يجب أن يتلوها مزيد من الخطوات لاستعادة العلاقات بشكل كامل لما كانت عليه والبناء على الدروس المستفادة من الماضي، فقد كانت سياسة الرئيس أردوغان الأيديولوجية غير فعالة والآن عادت البراغماتية للسياسة التركية، مما سيكون له أثره الإيجابي لعلاقات تركيا مع دول المنطقة وللتطورات السياسية الاقتصادية والأمنية الإقليمية.

ما مدى تأثير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا على الحياة السياسية في السنوات المقبلة؟

- انتهت الانتخابات وجرى انتخاب الرئيس أردوغان وائتلافه الأغلبية في البرلمان. وبات على الجميع مواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد. أزمة اللاجئين والأزمة الاقتصادية هي الأهم الآن في تركيا. هناك أكثر من 4 ملايين سوري يخضعون للحماية المؤقتة، بالإضافة إلى ملايين غيرهم من الأفغان والأفارقة وغيرهم، ويكلف حوالي 10 ملايين لاجئ تركيا أكثر من 12 مليار دولار في السنة وجميع الأطراف السياسية معنية بهذه المشكلة. إن محادثات تركيا مع سوريا مهمّة للغاية وقد أعادت تركيا بالفعل أكثر من 500 ألف سوري. يجب أن تكون تركيا مستعدّة للعديد من الأزمات الاجتماعية غير المتوقعة في السنوات القادمة إذا لم يكن هناك تحسّن اقتصادي في البلاد. لقد بدأت «أصعب فترة في الحكم للرئيس أردوغان وسنرى كيف تحلّ السياسات البراغماتية المشاكل. لكن هذه «فترة صعبة» للغاية في فترة رئاسته.

ما آخر التطورات بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟ واشتراط تركيا الانضمام للتكتل قبل موافقتها على ضم السويد للناتو؟

- لن تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في ظل ظروف اليوم وعضويتها بالاتحاد ستظلّ معلّقة «في السماء» بحسب وصف أحد التحليلات الأكاديمية. لكن واقعياً ستظلّ القيمة الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية لتركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي مهمة للغاية.

وسيكون هناك المزيد من العلاقات التبادلية النافعة بدلاً من «القيمة - على أساس العلاقات» حتى الآن، ومن المتوقع أن يقدّم الاتحاد الأوروبي بعض التنازلات السياسية الجديدة فيما يتعلّق بالعلاقات مع تركيا الفترة المقبلة. أما بالنسبة للسويد، فستنضم إلى الناتو حتماً ولا تستطيع تركيا إيقاف هذا القرار الاستراتيجي الكبير لحلف شمال الأطلسي.

برأيك كيف يمكن حلّ أزمة تغيّر المناخ؟

- تغيّر المناخ قضية عالمية تهدّد كوكب الأرض كلّه، ولا يمكن حلّها إلا من خلال إجراءات مشتركة وبتكاتف دول العالم أجمع، توجد بالفعل العديد من المبادرات على المستوى الدولي، لكنها غير كافية، ومازالنا بحاجة إلى مزيد من الوعي بالبيئة وإلى تحرّك دولي مشترك وفوري.

مع تزايد الإساءة إلى القرآن والإسلام مؤخراً، كيف ترى سُبُل التعامل مع هذه القضية من قِبَل الدول العربية والإسلامية؟

- حرق القرآن لا يقلّل من أهمية وقيمة هذا الكتاب العظيم المقدّس في نفوس المسلمين، لكن تعمّد الإساءة في العديد من البلدان الأوروبية يُبرز وجود مشكلة سياسية لديها ويخدم أهدافاً سياسية معيّنة في هذه البلدان التي يحدث بها مثل هذه الإساءات والتي تثير بالطبع غضب العالم الإسلامي بأسره.

ويجب على العالم العربي والإسلامي بأسره أن يُظهر ردود أفعال قوية مفادها أن إهانة الإسلام والقرآن عمل إجرامي بغيض، وأن تتكاتف جميع البلدان العربية والإسلامية للدفع باتجاه إقرار اتفاق دولي مُلزم يجرّم الإساءة إلى القرآن والكتب السماوية المقدّسة.