إرم نيوز

بعيدًا عن الصراع الميداني في غزة، يوجد صراع من نوع آخر يتعلق بالتحرك الأمريكي لخدمة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، في ظل حسابات انتخابية مُقبلة من الصعب التنبؤ بنتائجها.

وتدعم الإدارة الأمريكية إسرائيل في أهدافها الاستراتيجية للتخلص من حركة حماس لإنهاء حُكمها في غزة، وتحرير الرهائن لدى الفصائل، ما يجعل واشنطن في مأزق كبير، باعتبار أن التوازن الأمريكي بين الدعم المطلق لتل أبيب، والتركيز على البُعد الإنساني أمر صعب.

ورغم العدد القليل للعرب في الولايات المتحدة الأمريكية، يتساءل الكثيرون عن مدى إمكانية تأثيرهم في صنع القرار السياسي في ظل انتخابات رئاسية مُرتقبة، واستغلالهم حالة عدم الرضا تجاه إدارة جو بايدن التي تدعم سياسة إسرائيل.

الموقف الأمريكي لن يتغير

وفي هذا الشأن، يستبعد المفكر السياسي المصري، الدكتور عبدالمنعم سعيد، وجود أي دور للأمريكيين العرب بالولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الرئيس جو بايدن لتغيير مواقفه الداعمة لإسرائيل، قائلًا: "لا يستطيع الأمريكان العرب التأثير في القرار السياسي".

ويوضح سعيد، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "مساعدي الرئيس الأمريكي، مثل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ينفذون رؤيته، على اعتبار أن النظام القائم نظام رئاسي يُنفذ أجندة محددة"، ولفت إلى أنه "رغم الضغوط الداخلية، لن يتأثر بايدن بأي ضغوطات لتغيير موقفه من الملف الإسرائيلي".

ويكثّف التقدميون في الكونجرس الأمريكي الضغط على إدارة بايدن لاستخدام نفوذها لإجبار إسرائيل على معالجة المخاوف الإنسانية المتزايدة في غزة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، طالب العديد من المشرعين البيت الأبيض باتخاذ موقف أكثر صرامةً مع نظرائه الإسرائيليين.

ودعا هؤلاء المشرعون الإدارة إلى دفع الإسرائيليين إلى مشاركة خططهم علنًا لضمان سلامة المدنيين ومعالجة القضايا الإنسانية، مثل الوصول إلى المياه والوقود، قبل أن تضع الولايات المتحدة اللمسات النهائية على المساعدات الإضافية للبلاد.

تغير لغة الخطاب

أما خبير العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، فيرى أن المسلمين في الولايات المتحدة يؤدون دورًا مهمًا في التأثير في الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل.

وأشار، في حديث إلى "إرم نيوز"، إلى انتقادات الأمريكيين العرب التي طالت بايدن جرَّاء تجاهله انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية في حربها ضد غزة، ما يؤثر سلبًا في موقفه بالانتخابات الأمريكية المقبلة، وقال: "جزء كبير من الأمريكيين العرب يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي الذين تبلغ نسبتهم 2% من المجتمع".

وبشأن تغير لغة الخطاب السياسي لإدارة بادين خلال الفترة الماضية، رأى خبير العلاقات الدولية أن "الأمريكيين العرب يمثّلون صوتًا مهمًا في الانتخابات الأمريكية، وليس من مصلحة بايدن أن يخسر هذه الأصوات.

وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية بدأت تتحدث عن أهمية حماية المدنيين الفلسطينيين، وإدخال المساعدات، وضرورة تنفيذ هدنة مؤقتة لإخراج الأسرى والجرحى، لاستمالة الناخب العربي.

ورغم التغيرات الطفيفة في الموقف الأمريكي، يرى المتخصص في الشؤون الأمريكية أن هذا التغير لا يرقى إلى مستوى الضغوط الحقيقية على الجانب الإسرائيلي لوقف الحرب في غزة، ولفت إلى أن "تفاقم الأوضاع الإنسانية جعل بايدن يبتعد عن تبرير الجرائم التي تحدث في القطاع".

قلق أمريكي

وتُشكّل المطالبات بجعل القضايا المدنية والإنسانية أولويةً وجزءًا من مجموعة متزايدة من الديمقراطيين الذين أصبحوا أكثر قلقًا بشأن الحملة الإسرائيلية على غزة مع تقدمها، ويريدون أن يروا وقفًا للقتال، وقال الرئيس جو بايدن إنه يؤيد هذه الهدنة.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفض بشدة هذه الدعوات، قائلًا إن "إسرائيل ستواصل قصف قطاع غزة بكل قوتها".

وانطلاقًا من هذا البُعد، يمكن استنتاج أن "رفض نتنياهو دراسة طلب واشنطن، يهيئ بايدن لصدام سياسي صارخ بين حليف قوي وضغوط تقدمية متزايدة بشأن المخاوف الإنسانية".

ويشير خبير السياسات الدولية، الدكتور أشرف سنجر، إلى أن "أزمة غزة الأخيرة جعلت الأمريكيين متعاطفين مع فكرة عدم قتل الأطفال، وهذا هو الرأي العام الغالب المسيطر الذي يضغط على إدارة بايدن للوقوف ضد إسرائيل".

وتسبب صراع غزة في فقدان بايدن كثيرًا من شعبيته لدعمه إسرائيل، دون أن يقدم حلًا جذريًّا للأزمة، وفق تقدير سنجر الذي توقع، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن يقف العرب الأمريكان ضد بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عقابًا لدعمه غير المحدود لسياسة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.

ويدرس الكونغرس طلب إدارة بايدن بإرسال أكثر من 14.3 مليار دولار إلى إسرائيل، كجزء من حزمة تكميلية للأمن القومي تبلغ قيمتها نحو 106 مليارات دولار.

ومع ذلك، فإن المشرعين الأمريكيين الذين بدأوا الضغط علانيةً لوقف إطلاق النار أو وقف الحملة الإسرائيلية على غزة، يعتقدون أنهم أضاعوا فرصتهم للمطالبة بربط شروط بالمساعدات الإسرائيلية.

دور غير مؤثر

أما الخبيرة في العلاقات الدولية، الدكتورة سارة كير، فأشارت إلى أن أعداد الأمريكيين ذي الأصول العربية بالولايات المتحدة قليلة، ولا تتجاوز 22 مليون مواطن، أما الأمريكيون من أصل عربي، فيشغلون 12% فقط من المناصب الفيدرالية، لذا لا ترى للوجود العربي داخل الدولة أي تأثير يُذكر.

ومن أجل أن يكون للأمريكيين العرب أي تأثير، ترى كير، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "الدور العربي ينقصه تكوين لوبي أو إنشاء جمعيات عدة، حتى يكون ذا تأثير كبير"، مشيرةً إلى أن "الأمريكيين العرب ليسوا مُتحدين بطريقة تسمح لهم أن يكونوا ذي ثقل لتمرير السياسات وإحداث تأثير، وغيرها".

وأضافت الخبيرة في العلاقات الدولية أن "الأمريكان من أصل عربي لا يتمتعون بحقوقهم السياسية بنحو يجعلهم أقوياء في المناصب المهمة".

وأشارت إلى أن "الضغط على السياسات لا يكون إلا من خلال الانتخابات الأمريكية، وهذا يعطي بصيصًا من الأمل فيما هو آتٍ، في ظل رغبة المواطنين الآخرين في عدم التصويت للديمقراطيين".