أثار الهجوم الذي وقع أمام مقر مجلس العموم البريطاني على يد منفذه (خالد مسعود، 52 سنة) في العاصمة البريطانية لندن، المولود باسم (أندريان ألمس) قبل اعتناقه الإسلام، متزوج وأب لـ 3 أبناء، الحديث من جديد عن ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة"، وهو المسمى الذي أسيء استخدامه وفهم وظائفه، حتى باتت لا تخلو عملية إرهابية يرتكبها داعشيو أوروبا والولايات المتحدة، ليتم إطلاقه سريعا على منفذيها وفق مفهوم أوحد "الانتماء الإيديولوجي للتنظيمات التكفيرية دون البعد التنظيمي" فما هي حقيقة استراتيجية التنظيمات المتطرفة لما يطلق عليه بـ الذئاب المنفردة " وهل ينطلق وحوشها بشكل منفرد أم أن هناك أدوارا أخرى؟.
قبل أن يقوم البريطاني (مسعود) والذي وفقا لما تناقلته وسائل الإعلام البريطانية، عمل مدرسا للغة الإنجليزية، ونشأ في منزل قرب الشاطئ البحري بمدينة "راي" تقدر قيمته بـ300,0000 باوند.
معلومات استخباراتية
كانت قد حذرت بريطانيا في 27 فبراير من احتمالية شن هجمات إرهابية ورفعت بسببه أجهزة الأمن البريطانية من مستوى الاستعداد الأمني لتعود رئيسة الوزراء تيريزا ماي مساء أمس، وبعد تنفيذ الاعتداء، التأكيد على وجود معلومات استخباراتية تشير الى احتمالات وقوع هجمات إرهابية أخرى.
إلا أنه وعلى الرغم من توفر المعلومات الاستخبارية تلك، وصفت أجهزة الامن البريطانية كما جاء على لسان رئيس وحدة مكافحة الارهاب، مارك رولي، في بيان ألقاه خارج مبنى سكوتلانديارد منفذ الهجوم أمام البرلمان: "بناء على التحقيقات التي أجريناها فإن المهاجم تصرف منفردا متأثرا بالإرهاب الدولي".
وفقا لمؤشرات عدة سعت "العربية.نت" إلى رصدها، دفعت إلى نفي اختزال استراتيجية "الذئب المنفرد" بالتخطيط والتنفيذ ضمن الإمكانات الذاتية دون عامل الإسناد والارتباط التنظيمي لأحد التنظيمات العابرة للحدود كتنظيم داعش و القاعدة.
رائد عمليات الذئاب المنفردة
حصول الذئاب المنفردة على التوجيهات المباشرة تكشفه إحدى إصدارات التنظيمات المتطرفة حملت عنوان "استراتيجية الذئب المنفرد" لـ"أبو أنس الأندلسي" نشرت في 22 أغسطس 2015، وصف فيها الداعشي محمد مراح بـ"رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ غزوة تولوز المجيدة".
ويقصد بالغزوة سلسلة العمليات الإرهابية التي وقعت في المدينة الفرنسية تولوز في 11 مارس 2012، حيث قام بقتل شاب مظلي بعد استدراجه في كمين، وفي 15 من الشهر ذاته أطلق النار على ثلاثة مظليين آخرين بالبدلة العسكرية في مونتوبان، وبعد 4 أيام قام بقتل أستاذ وثلاثة أطفال، وقام بتصوير جرائمه بواسطة كاميرا مثبتة على صدره.
وبحسب ما تكشف من خلال التحقيقات لم يكن (مراح) حقا ذئبا منفردا وإنما منضما إلى إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة أطلقت على نفسها "جند الخليفة" خلال تنقله في أفغانستان وباكستان في 20111، تمكن خلالها مراح من التقرب من تنظيم القاعدة وحركة طالبان في المناطق القبلية الواقعة شمال غرب باكستان على الحدود الأفغانية متلقيا تدريبا أوليا على استخدام السلاح، وذلك قبل 55 أشهر من ارتكاب جرائم القتل، مؤكدة التحقيقات أن مراد مراح كان له من يتصل به عند عودته إلى فرنسا.
بداية استراتيجية الذئاب المنفردة
كان أول ظهور لاستراتيجية "الذئب المنفرد" الذي تبناه تنظيم (داعش)، في 2010 من قبل تنظيم (القاعدة) وإنما بوصف "الجهاد الفردي" كما ظهر في أحد فصول كتاب (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية) لـ(أبو مصعب السوري) مبتكرا فكرة اللامركزية بحيث يتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود يعتنقها ويمارس مقتضياتها من أعلن ولاءه للتنظيم ولخصها بقوله: "إن كل مسلم يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد".
في 2014 دعا (أبو محمد العدناني) الناطق باسم تنظيم داعش، في تسجيل صوتي له، المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول الائتلاف في أي مكان وبأي وسيلة متاحة.
كما استخدم زعيم تنظيم داعش (أبو بكر البغدادي) مصطلح الذئاب المنفردة في منتصف نوفمبر 2014 خلال دعوته إلى استهداف المواطنين الشيعة في السعودية ، كما توعد داعش عبر مؤسسة (دابق) الإعلامية في يوليو 2016 بحرب جديدة تحت عنوان "الذئاب المنفردة"، جاء ذلك في كلمة للعدناني حث فيها على تنفيذ المزيد من الهجمات على المصالح الغربية في كل مكان قائلا إن استهداف من يسمى بالمدنيين أحب إلينا وأنجع" مضيفا: "لا عصمة للدماء ولا وجود للأبرياء (...) وإن لم تجدوا سلاحا فادهسوهم بسياراتكم".
الأمن والسلامة عند القاعدة
سياسة "الذئب المنفرد" كما دعا إليها داعش في إصدار بعنوان" الأمن والسلامة" مقتبسا مما كتبه أحد عناصر تنظيم القاعدة سابقا، تضمنت بما ورد من نصائح خص بها الذئاب المنفردة "The Lone Wolff", بما يجب فعله منعا لاكتشافهم بمراعاة الاحتياطات الأمنية والحذر.
ومما جاء في الكتاب من نصائح لما يسمى بالذئاب المنفردة: "احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية، واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي على الكحول وشفروا هواتفكم".
وأضاف "أي ذئب منفرد يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا يعني أن يحلقوا لحاهم ويرتدوا ملابس غربية وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكل منتظم"، منوها كذلك "حاولوا أن تكونوا دائما مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود، يجعلكم موضع شبهة ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة، لأن ذلك قد يثير الشبهات والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة".
ويظهر من خلال عدد من العمليات التي تم توجيهها عن بعد في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، تعدد واختلاف بعض ملامح الهجمات الإرهابية إلا أن التوجيه والإدارة بواسطة عناصر تنفيذية في مناطق خاضعة لسيطرة (داعش) و(القاعدة) يكون فقط من خلال الإنترنت وعبر تطبيقات مشفرة والذي يتم من خلاله كذلك تدريب المنتسبين الجدد أو من يعرفون بـ"الذئاب المنفردة" على تنفيذ أعمال العنف.