تعاني قرية ديفكوفيتشي البوسنية الواقعة بين مكب للنفايات ومحطة لانتاج الطاقة على الفحم في توزلا، تلوثا كبيرا في الهواء هو من الأخطر في أوروبا ما أدى إلى افراغها من سكانها.
ويقول غوران ستوياك البالغ من العمر 43 عاما وهو عاطل عن العمل "في غضون سنوات قليلة، سيصبح الوضع لدينا أشبه بتشرنوبيل: منازل مقفرة". وقد توفي والده العام الماضي بسبب اصابته بسرطان الرئة، فيما هو يتجنب الخضوع لفحوص طبية خشية سماع "نبأ سيء" فضلا عن معاناة طفليه البالغين من العمر عاما واحدا وسنتين ونصف السنة من مشكلات في الجهاز التنفسي. وتعتبر توزلا، وهي مدينة صناعية في شمال شرق البوسنة، إحدى المدن الخمس في البلقان المصنفة من بين أسوأ عشر مدن في أوروبا لناحية مستوى الجزيئات الدقيقة في اجوائها، وفق تصنيف لمنظمة الصحة العالمية. ومن بين هذه المدن أيضا بليفليا في مونتينيغرو وسكوبيي وتيتيفو وبيتولا في مقدونيا. وتتشارك هذه المدن باعتمادها على الفحم أو الليغنيت (الفحم البني) المستخدم أيضا في تدفئة المساكن. ويرزح سكان توزلا البالغ عددهم 110 آلاف نسمة تحت وطأة الهواء الملوث الذي يلبّد أجواء المدينة لدرجة أنهم يكادون يختنقون خلال الشتاء. وفي ديفكوفيتشي التي تتصاعد منها المداخن الحمراء والبيضاء في المحطة، الغلاف الجوي يكون ملبدا بالجزيئات الدقيقة وأيضا بثاني أكسيد الكبريت. ويشير غوران ستوياك إلى أن "من تبقى من سكان ديكوفيتشي البالغ عددهم خمسمئة نسمة اصلا، لا يتعدون الثلاثين. ولا يتوانى من يستطيع المغادرة عن القيام بذلك. كما أن السرطان يفتك باهالي القرية الصغيرة". ويقول هذا الرجل الذي يمثل القرية أمام السلطات إن أمد الحياة المتوقع للسكان لم يعد يتخطى 40 عاما. ويصعّب التلوث الحياة اليومية لسكان سكوبيي بدرجة كبيرة. وفي هذا الإطار، يشير أكو ايفانوف وهو أحد سكان نوفو ليسيتسي المصنف أكثر أحياء العاصمة المقدونية تلوثا إلى أن "فصل الشتاء بمثابة جحيم بالنسبة لي". ويضيف هذا الرجل البالغ من العمر 61 عاما والمصاب بالربو "هذا الشتاء، لم أخرج من المنزل على مدى شهر كامل. الهواء ثقيل وخانق خصوصا خلال الليل" - محطات متداعية - وتضم صربيا والبوسنة ومونتينغرو ومقدونيا وكوسوفو لوحدها خمساً من المحطات الحرارية البالغ عددها خمس عشرة محطة والتي تعتمد عليها بدرجة كبيرة هذه البلدان الواقعة في غرب البلقان. وقد أظهرت دراسة نشرها الاتحاد من أجل الصحة والبيئة في آذار/مارس 2016 أن هذه البنى التحتية المتداعية الموروثة من يوغوسلافيا الشيوعية مسؤولة عن فاتورة طبية تراوح قيمتها بين 2,9 مليار يورو و8,5 مليارات بما يلحق الضرر بسكان المنطقة خصوصا وأيضا بسكان بلدان أوروبية أخرى لأن المواد المسببة للتلوث تنتقل بين المناطق بدفع من حركة الرياح. ويقول زفيزدان كارادجين وهو أستاذ في الأمن البيئي في توزلا إن "وحدات الانتاج في المحطة الحرارة في توزلا هي من الأقدم في اوروبا. الانبعاثات لبعض المواد المسببة للتلوث من بينها ثاني أكسيد الكبريت قد تصل إلى مستويات أعلى بثلاثين مرة" من المعايير الأوروبية. ولم ترد شركة "الكتروبريفردا بي أي اتش" العامة المديرة لمحطة توزلا على أسئلة وكالة فرانس برس. ويضيف كارادجين "مشكلتنا المزمنة الثانية هي المساكن" التي تتم تدفئتها بالفحم "وهو السبب الأول للوفيات خلال الشتاء". ويوظف قطاع المناجم وانتاج الكهرباء نحو 23 ألف شخص في البوسنة. هذا البلد وهو من بين الأفقر في أوروبا أنتج سنة 2015 حوالى 14 ألفا و400 غيغاواط في الساعة من الكهرباء بينها 60 % من قبل المحطات الحرارية وهو من البلدان القليلة المصدّرة للكهرباء في المنطقة. هذه الصادرات درّت 165 مليون يورو في سنة 2016 ما يوازي 20 % من ميزانية الدولة الفدرالية البوسنية. ولهذا الوضع كلفة بشرية. فقد لفت رئيس مستشفى توزلا للأمراض الرئوية سوفاد ديديتش إلى ارتفاع بنسبة 33 % خلال عامين لعدد الإصابات الجديدة بسرطان الرئة التي انتقلت من 216 في 2014 إلى 287 في 2016. كما أن عدد الإصابات الجديدة بالالتهاب الرئوي ازداد بنسبة 18 % بين 2015 و2016 وفق الطبيب. - ازدياد في الوفيات - كذلك يُسجل ازدياد كبير في اعداد الوفيات خلال الشتاء في توزلا، وهو وضع "مقلق" وفق جميلة اجيتش من منظمة "مركز البيئة والطاقة"غير الحكومية المحلية. وتوضح اجيتش "قارننا عدد الوفيات في كانون الثاني/يناير بين 2015 و2017 وهو سجل ازديادا بنسبة 30 % في كانون الثاني/يناير 2017 مقارنة مع ما هو عليه الوضع في الشهر عينه من 2016 و50 % مقارنة مع 2015". وتشير إلى أن استثمار ما يقرب من 100 مليون يورو في آليات إزالة الكبريت من شأنه تقليص انبعاثات الغازات السامة في المحطة بنسبة 90 %. غير أن أجيتش تؤكد أن المسؤولين عن المحطة "يعتبرون أن هذا المبلغ كبير جدا ولا يأخذون في الاعتبار الأضرار الصحية". وقد اقرت الحكومة البوسنية مع ذلك في نهاية 2015 خطة تلحظ تقليصا كبيرا للانبعاثات الصادرة عن المحطات. وتهدف الخطة الى الانتقال من مستوى حوالى 273 الف طن سنويا إلى ما يقرب من 50 ألفا في 2018 و23 ألفا في 2028 أي تقليص هذه الانبعاثات بنسبة تفوق 80 % في خلال ثلاث سنوات وبأكثر من 90 % بحلول 2028. وتنص هذه الخطة الطموحة على اقفال وحدات انتاج وإقامة آليات تنقية للهواء وانشاء بنى تحتية معاصرة، غير أن العبرة تبقى في التنفيذ.
{{ article.visit_count }}
ويقول غوران ستوياك البالغ من العمر 43 عاما وهو عاطل عن العمل "في غضون سنوات قليلة، سيصبح الوضع لدينا أشبه بتشرنوبيل: منازل مقفرة". وقد توفي والده العام الماضي بسبب اصابته بسرطان الرئة، فيما هو يتجنب الخضوع لفحوص طبية خشية سماع "نبأ سيء" فضلا عن معاناة طفليه البالغين من العمر عاما واحدا وسنتين ونصف السنة من مشكلات في الجهاز التنفسي. وتعتبر توزلا، وهي مدينة صناعية في شمال شرق البوسنة، إحدى المدن الخمس في البلقان المصنفة من بين أسوأ عشر مدن في أوروبا لناحية مستوى الجزيئات الدقيقة في اجوائها، وفق تصنيف لمنظمة الصحة العالمية. ومن بين هذه المدن أيضا بليفليا في مونتينيغرو وسكوبيي وتيتيفو وبيتولا في مقدونيا. وتتشارك هذه المدن باعتمادها على الفحم أو الليغنيت (الفحم البني) المستخدم أيضا في تدفئة المساكن. ويرزح سكان توزلا البالغ عددهم 110 آلاف نسمة تحت وطأة الهواء الملوث الذي يلبّد أجواء المدينة لدرجة أنهم يكادون يختنقون خلال الشتاء. وفي ديفكوفيتشي التي تتصاعد منها المداخن الحمراء والبيضاء في المحطة، الغلاف الجوي يكون ملبدا بالجزيئات الدقيقة وأيضا بثاني أكسيد الكبريت. ويشير غوران ستوياك إلى أن "من تبقى من سكان ديكوفيتشي البالغ عددهم خمسمئة نسمة اصلا، لا يتعدون الثلاثين. ولا يتوانى من يستطيع المغادرة عن القيام بذلك. كما أن السرطان يفتك باهالي القرية الصغيرة". ويقول هذا الرجل الذي يمثل القرية أمام السلطات إن أمد الحياة المتوقع للسكان لم يعد يتخطى 40 عاما. ويصعّب التلوث الحياة اليومية لسكان سكوبيي بدرجة كبيرة. وفي هذا الإطار، يشير أكو ايفانوف وهو أحد سكان نوفو ليسيتسي المصنف أكثر أحياء العاصمة المقدونية تلوثا إلى أن "فصل الشتاء بمثابة جحيم بالنسبة لي". ويضيف هذا الرجل البالغ من العمر 61 عاما والمصاب بالربو "هذا الشتاء، لم أخرج من المنزل على مدى شهر كامل. الهواء ثقيل وخانق خصوصا خلال الليل" - محطات متداعية - وتضم صربيا والبوسنة ومونتينغرو ومقدونيا وكوسوفو لوحدها خمساً من المحطات الحرارية البالغ عددها خمس عشرة محطة والتي تعتمد عليها بدرجة كبيرة هذه البلدان الواقعة في غرب البلقان. وقد أظهرت دراسة نشرها الاتحاد من أجل الصحة والبيئة في آذار/مارس 2016 أن هذه البنى التحتية المتداعية الموروثة من يوغوسلافيا الشيوعية مسؤولة عن فاتورة طبية تراوح قيمتها بين 2,9 مليار يورو و8,5 مليارات بما يلحق الضرر بسكان المنطقة خصوصا وأيضا بسكان بلدان أوروبية أخرى لأن المواد المسببة للتلوث تنتقل بين المناطق بدفع من حركة الرياح. ويقول زفيزدان كارادجين وهو أستاذ في الأمن البيئي في توزلا إن "وحدات الانتاج في المحطة الحرارة في توزلا هي من الأقدم في اوروبا. الانبعاثات لبعض المواد المسببة للتلوث من بينها ثاني أكسيد الكبريت قد تصل إلى مستويات أعلى بثلاثين مرة" من المعايير الأوروبية. ولم ترد شركة "الكتروبريفردا بي أي اتش" العامة المديرة لمحطة توزلا على أسئلة وكالة فرانس برس. ويضيف كارادجين "مشكلتنا المزمنة الثانية هي المساكن" التي تتم تدفئتها بالفحم "وهو السبب الأول للوفيات خلال الشتاء". ويوظف قطاع المناجم وانتاج الكهرباء نحو 23 ألف شخص في البوسنة. هذا البلد وهو من بين الأفقر في أوروبا أنتج سنة 2015 حوالى 14 ألفا و400 غيغاواط في الساعة من الكهرباء بينها 60 % من قبل المحطات الحرارية وهو من البلدان القليلة المصدّرة للكهرباء في المنطقة. هذه الصادرات درّت 165 مليون يورو في سنة 2016 ما يوازي 20 % من ميزانية الدولة الفدرالية البوسنية. ولهذا الوضع كلفة بشرية. فقد لفت رئيس مستشفى توزلا للأمراض الرئوية سوفاد ديديتش إلى ارتفاع بنسبة 33 % خلال عامين لعدد الإصابات الجديدة بسرطان الرئة التي انتقلت من 216 في 2014 إلى 287 في 2016. كما أن عدد الإصابات الجديدة بالالتهاب الرئوي ازداد بنسبة 18 % بين 2015 و2016 وفق الطبيب. - ازدياد في الوفيات - كذلك يُسجل ازدياد كبير في اعداد الوفيات خلال الشتاء في توزلا، وهو وضع "مقلق" وفق جميلة اجيتش من منظمة "مركز البيئة والطاقة"غير الحكومية المحلية. وتوضح اجيتش "قارننا عدد الوفيات في كانون الثاني/يناير بين 2015 و2017 وهو سجل ازديادا بنسبة 30 % في كانون الثاني/يناير 2017 مقارنة مع ما هو عليه الوضع في الشهر عينه من 2016 و50 % مقارنة مع 2015". وتشير إلى أن استثمار ما يقرب من 100 مليون يورو في آليات إزالة الكبريت من شأنه تقليص انبعاثات الغازات السامة في المحطة بنسبة 90 %. غير أن أجيتش تؤكد أن المسؤولين عن المحطة "يعتبرون أن هذا المبلغ كبير جدا ولا يأخذون في الاعتبار الأضرار الصحية". وقد اقرت الحكومة البوسنية مع ذلك في نهاية 2015 خطة تلحظ تقليصا كبيرا للانبعاثات الصادرة عن المحطات. وتهدف الخطة الى الانتقال من مستوى حوالى 273 الف طن سنويا إلى ما يقرب من 50 ألفا في 2018 و23 ألفا في 2028 أي تقليص هذه الانبعاثات بنسبة تفوق 80 % في خلال ثلاث سنوات وبأكثر من 90 % بحلول 2028. وتنص هذه الخطة الطموحة على اقفال وحدات انتاج وإقامة آليات تنقية للهواء وانشاء بنى تحتية معاصرة، غير أن العبرة تبقى في التنفيذ.