تُعرف مدينة إيوان، التي تقع شمال محافظة عيلام (إيلام)، غرب إيران، باستفحال ظاهرة الانتحار، حيث شكل المنتحرون فيها بالشنق أو بتناول الحبوب أو بإضرام النار بأنفسهم ثلث سكان هذه المدينة، وغالباً ما يكون ذلك بسبب الفقر والبطالة أو التعنيف.
وسلطت صحيفة "إيران" الحكومية الضوء على هذه الظاهرة المتزايدة في هذه المدينة الكردية، وكشفت أنها تحتل المرتبة الأولى في عدد حالات الانتحار في إيران والعالم.
وروت الصحيفة بعض الحالات الأكثر تأثراً لانتحار أمهات وشبان وفتيات.
ومن هذه الحالات قصة شاب قام بجمع صور وثياب زوجته المتوفاة حديثاً ووضعها فوق قبرها ثم ذهب إلى المغاسل وشنق نفسه بخرطوم مياه، حيث تمكن عدد من الشبان الذين كانوا قادمين فجأة لوضع حجر الشاهدة على القبر وأنقذوه، لكنه عاد في اليوم التالي وجلس على القبر حتى الغروب وبقي في المقبرة التي تقع على سفح الجبل، وقد يكرر محاولة الانتحار مرة أخرى، بحسب أصدقائه.
الحالة الثانية تتحدث عن شاب يقول إن كلاً من شقيقه وابنة خاله وابنة عمه انتحروا بطرق قاسية.
ويتابع: كان شقيقي في 24 من عمره عندما ذهب للغابة، حيث أشجار البلوط، وشنق نفسه، لكنه نجا عندما أسعفوه للمستشفى، ومن ثم عاود المحاولة مرتين وذلك لأنه كان محبطاً من البطالة والفقر، لكنه نجا من الموت والآن هو في 34 وعاطل عن العمل ومصاب بالكآبة".
ويضيف: الرجال هنا ينتحرون بسبب البطالة والفقر، لكن النساء لأسباب أخرى".
ويروي قصة ابنة خاله التي كانت تبلغ من العمر 24 عاماً عندما انتحرت بتناول الحبوب، قبل 3 سنوات بسبب أن أشقاءها كانوا يوجهون لها الإهانات واللوم والتأنيب دوماً، لأنها انفصلت عن زوجها.
ما يروي قصة ابنة عمه التي انتحرت شنقاً عندما كانت 25 عاماً، وذلك لأن زوجها أراد أن يتزوج بأخرى كضرة لها.
وفي نفس المقبرة، تجلس عجوزة تبدوا في الستينيات من عمرها، بجنب قبر ابنها المنتحر بسن 32 وتندبه باللغة الكردية لضياع شبابه.
شبان محبطون
امرأة أخرى تقف بجانبها وتتحدث عن الوضع المأساوي للشباب في المدينة، وتقول إنهم يلجؤون للانتحار بسبب البطالة والإحباط وعدم وجود إمكانيات ترفيهية، حيث لم يروا حتى السينما في حياتهم، على سبيل المثال".
شاب يدعى علي يقول إن نسبة المنتحرين الأكبر كانت من نصيب النساء في السابق، لكن الكفة الآن مالت نحو الرجال".
من بين المقابر يبحث علي (32 عاما) عن قبر جده ويقول هو نفسه فكر بالانتحار عدة مرات، لأنه تخرج في الجامعة منذ سنوات وأصبح مهندسا مدنيا لكنه لايزال بلا عمل وبلا منزل ومستقبل.
النساء ينتحرن بالحرق
النساء غالباً ما ينتحرن حرقاً وبإضرام النار بأنفسهن في مدينة إيوان، حسبما يوضح أحد الأهالي للصحيفة، ويضيف: شقيقتان لي دفنتا هنا، فاطمة وزهراء، وهما كانتا قد انتحرتا بإضرام النار بنفسيهما، واحدة تلو الأخرى في فترة أقل من عام بينهما، وذلك بسبب التعنيف من قبل زوجيهما".
ويوضح الرجل: أغلب من ينتحرون هنا هم تحت سن الثلاثين، لكن هناك من هم أكبر سناً. على سبيل المثال، هناك رجل كان يبلغ 80 عاماً عندما شنق نفسه، وهناك من ينتحرون بالسلاح بإطلاق الرصاص على أنفسهم".
حفار القبور
أما حفار القبور الذي طلب عدم ذكر اسمه ومهنته، فيكشف عن آثار الحروق في يديه وجسمه عندما حاول الانتحار هو الآخر بإضرام النار بنفسه عندما كان 29 عاماً، وقد أسرع جاره لنجدته بإطفائه سريعاً.
يقول إنه أقدم على الانتحار متأثراً بحالات انتحار أصدقائه كالممثل المسرحي الذي انتحر بتناول الحبوب وصديقه الآخر الذي شنق نفسه بعد وفاة زوجته أو ثالثهم الشاب الرياضي الذي انتحر بصدم سيارته عمداً بالحائط.
كما ذكر حالة الانتحار الجماعي لثلاثة آخرين من أصدقائه الذين تواعدوا أن يقتلوا أنفسهم بنفس الوقت وقد فعلوا ذلك بتناول السم.
دراسة إحصائية
وتقول صحيفة "إيران" إن الأعداد الكبيرة للمنتحرين وأغلبهم من الشباب، دفعت بمركز علمي لتنفيذ مشروع بحثي بعنوان "بحث أماكن الانتحار في محافظة عيلام"، والذي يهدف إلى إحصاء أعداد وأماكن المنتحرين وأسباب الانتحار من خلال تحديد العمر والمستوى التعليمي والوضع العائلي والعمل ووسيلة الانتحار والنتيجة ومحل السكن وتاريخ الانتحار.
وبينت نتائج الدراسة أن أغلب نسب الانتحار كانت في مدينتي إيوان ودرة شهر، وأقلها في مدينتي دهلران ومهران.
ويقول علي موسى نجاد، عضو الهيئة التدريسية في الجامعة الإسلامية الحرة بمحافظة عيلام، وهو أحد المشرفين على الدراسة، إن متوسط سن الانتحار في المحافظة هو 25 عاما، وكشف أن الانتحار لم يقتصر على الشباب العاطلين عن العمل والشبان ذوي المستوى التعليمي المتدني فحسب، بل هناك خريجو دراسات عليا بمستوى الماجستير والدكتوراه أيضاً من بين المنتحرين".
أما محافظ عيلام، محمد رضا مرواريد، فأرجع السبب الأساسي في ارتفاع نسبة الانتحار إلى " الاكتئاب "، حسب تعبيره.