نشرت القافلة في عددها لشهر شعبان 1390هـ ( أكتوبر 1970) استطلاعاً مصوّراً بقلم محمد عبدالله عنان حول مدينة طليطلة الأندلسية في إسبانيا، تناول فيه تاريخ هذه المدينة وثقافتها التي يتداخل فيها القوطي والقشتالي والإسلامي. وفي ما يأتي مقتطفات منه:
مدينة "طليطلة" هي من المدن الأندلسية القديمة، كانت قبل الفتح العربي حاضرة مملكة القوط، وقد حكمها المسلمون زهاء أربعة قرون، ثم انتزعها القشتاليون أيام الطوائف من أيدي ملوكها المسلمين بني ذي النون في شهر صفر 487 هـ (مايو 1085). فكانت أول قاعدة أندلسية كبيرة تسقط في أيدي القشتاليين جنوبي نهر التاجه.
وإذا لم تكن طليطلة تشتهر بآثارها الأندلسية مثل قرطبة وغرناطة وإشبيلية فإنها مع ذلك تمتاز بطابعها الفريد الذي لم يتغير كثيراً منذ سقوطها في أيدي القشتاليين أو بعبارة أخرى منذ عهدها الإسلامي. وقد كانت طليطلة خلال عصورها المختلفة بموقعها على المنحدرات الصخرية العالية الممتدة على ضفاف نهر تاجه الذي يحيط بها من الشرق والغرب والجنوب، وبأسوارها الضخمة وقلاعها الحصينة، من أمنع مدن العصور الوسطى، وهي لا تزال إلى اليوم متى تأملت موقعها الجبلي الوعر وبقايا حصونها وأسوارها القديمة تذكرنا بحصانتها السابقــة أيام القوط وأيام المسلمين.
ثم هي مدينة فريدة المظهر، فدروبها الصخرية الضيقة القفرة معاً، تنساب من وسطها منحدرة إلى الداخل تظلّلها منازل صخرية منحدرة جامدة كأنها دقّت في الجبال. وكان المسلمون حينما افتتحوا طليطلة قد استبقوا كثيراً من خططها ومعالمها وصروحها الرومانية والقوطية القديمة، وحوّلوا كنيستها القوطية التي تقع وسطها إلى مسجد يمتاز بعظمته وروعته. فلما استولى القشتاليون عليها حوّلوا المسجد إلى كنيسة "كاتدرائية" واستبقوا كثيراً من عقوده وسواريه وحجارته ورخامه.
وقد زار محمد بن عبدالوهاب، سفير ملك المغرب إلى إسبانيا طليطلة في سنة 1691، ووصفها وصفاً شائقاً، فكتب:
"أسوار هذه المدينة وحيطانها وأزقتها باقية على حالها من عهد عمارتها من المسلمين وأثرها أثر الحضارة، إلا أن أكثر أزقتها ضيقة جداً، ودورها باقية على حالها من البناء الإسلامي وتفصيله والنقش في السقف والحيطان بالكتابة العربية. ومسجدها الجامع من عجائب الدنيا، وهو مسجد كبير مبني كله من الحجارة الصلبة القريبة الشبه بالرخام، وسقفه مقبّى من الحجارة، وهو في غاية ارتفاع السماكة، وعلوّه علوّ الجو، وسواريه في غاية الضخامة والصناعة العجيبة والنقوش".
قصر روماني إسلامي إسباني
ونستطيع أن نضع بين الآثار الأندلسية في طليطلة صرحها الشهير المسمّى بالقصر الواقع تجاه القنطرة العربية، وعلى الرغم من أنه يرجع إلى العصر الروماني، إلا أنه جدد أيام المسلمين غير مرة وأنشأ به الحكم بن هشام في سنة 797 قلعة منيعة لضبط المدينة وقمع ثوراتها المتتالية التي كان يكثر وقوعها بسبب أغلبية سكانها من المسلمين المولدين والمستعمرين أو النصارى المعاهدين. وكانت هذه القلعة تستعمل حصناً ومقراً للحاكم المسلم، والقصر عبارة عن صرح ضخم عبوس منيع البناء والموقع، وله فناء مربع معقود وأربعة أبراج كبيرة، يقوم كل منها في ركن من أركانه الأربعة. ولما سقطت طليطلة في أيدي النصارى استعمله الإسبان كقلعة حصينة ثم حوّله الملوك الإسبان بعد ذلك إلى قصر للإقامة فيه. وأسبغت عليه الفخامة الملوكية، ثم استعمل بعد ذلك سجناً لديوان التحقيق الإسباني وهو المسمى خطأ بمحاكم التفتيش.
وتوجد فوق ذلك وفي ظاهر طليطلة بقية من أسوارها الأندلسية القديمة وقد تغيّرت كثير من معالمها في العصور التالية.
وقد حافظت طليطلة على شهرتها القديمة في صنع الأسلحة والآلات القاطعة، وكذلك صنع الأقمشة الحريرية. وكانت صناعة الأقمشة الطليطلية من أزهر الصناعات أيام المسلمين ولا تزال تصنع بها السيوف والمدى الفاخرة التي زينت مقابضها بالعاج والأحجار النفيسة، وتحف أخرى دقيقة الصنع كلها من بقايا الصناعات الأندلسية القديمة.
مدينة "طليطلة" هي من المدن الأندلسية القديمة، كانت قبل الفتح العربي حاضرة مملكة القوط، وقد حكمها المسلمون زهاء أربعة قرون، ثم انتزعها القشتاليون أيام الطوائف من أيدي ملوكها المسلمين بني ذي النون في شهر صفر 487 هـ (مايو 1085). فكانت أول قاعدة أندلسية كبيرة تسقط في أيدي القشتاليين جنوبي نهر التاجه.
وإذا لم تكن طليطلة تشتهر بآثارها الأندلسية مثل قرطبة وغرناطة وإشبيلية فإنها مع ذلك تمتاز بطابعها الفريد الذي لم يتغير كثيراً منذ سقوطها في أيدي القشتاليين أو بعبارة أخرى منذ عهدها الإسلامي. وقد كانت طليطلة خلال عصورها المختلفة بموقعها على المنحدرات الصخرية العالية الممتدة على ضفاف نهر تاجه الذي يحيط بها من الشرق والغرب والجنوب، وبأسوارها الضخمة وقلاعها الحصينة، من أمنع مدن العصور الوسطى، وهي لا تزال إلى اليوم متى تأملت موقعها الجبلي الوعر وبقايا حصونها وأسوارها القديمة تذكرنا بحصانتها السابقــة أيام القوط وأيام المسلمين.
ثم هي مدينة فريدة المظهر، فدروبها الصخرية الضيقة القفرة معاً، تنساب من وسطها منحدرة إلى الداخل تظلّلها منازل صخرية منحدرة جامدة كأنها دقّت في الجبال. وكان المسلمون حينما افتتحوا طليطلة قد استبقوا كثيراً من خططها ومعالمها وصروحها الرومانية والقوطية القديمة، وحوّلوا كنيستها القوطية التي تقع وسطها إلى مسجد يمتاز بعظمته وروعته. فلما استولى القشتاليون عليها حوّلوا المسجد إلى كنيسة "كاتدرائية" واستبقوا كثيراً من عقوده وسواريه وحجارته ورخامه.
وقد زار محمد بن عبدالوهاب، سفير ملك المغرب إلى إسبانيا طليطلة في سنة 1691، ووصفها وصفاً شائقاً، فكتب:
"أسوار هذه المدينة وحيطانها وأزقتها باقية على حالها من عهد عمارتها من المسلمين وأثرها أثر الحضارة، إلا أن أكثر أزقتها ضيقة جداً، ودورها باقية على حالها من البناء الإسلامي وتفصيله والنقش في السقف والحيطان بالكتابة العربية. ومسجدها الجامع من عجائب الدنيا، وهو مسجد كبير مبني كله من الحجارة الصلبة القريبة الشبه بالرخام، وسقفه مقبّى من الحجارة، وهو في غاية ارتفاع السماكة، وعلوّه علوّ الجو، وسواريه في غاية الضخامة والصناعة العجيبة والنقوش".
قصر روماني إسلامي إسباني
ونستطيع أن نضع بين الآثار الأندلسية في طليطلة صرحها الشهير المسمّى بالقصر الواقع تجاه القنطرة العربية، وعلى الرغم من أنه يرجع إلى العصر الروماني، إلا أنه جدد أيام المسلمين غير مرة وأنشأ به الحكم بن هشام في سنة 797 قلعة منيعة لضبط المدينة وقمع ثوراتها المتتالية التي كان يكثر وقوعها بسبب أغلبية سكانها من المسلمين المولدين والمستعمرين أو النصارى المعاهدين. وكانت هذه القلعة تستعمل حصناً ومقراً للحاكم المسلم، والقصر عبارة عن صرح ضخم عبوس منيع البناء والموقع، وله فناء مربع معقود وأربعة أبراج كبيرة، يقوم كل منها في ركن من أركانه الأربعة. ولما سقطت طليطلة في أيدي النصارى استعمله الإسبان كقلعة حصينة ثم حوّله الملوك الإسبان بعد ذلك إلى قصر للإقامة فيه. وأسبغت عليه الفخامة الملوكية، ثم استعمل بعد ذلك سجناً لديوان التحقيق الإسباني وهو المسمى خطأ بمحاكم التفتيش.
وتوجد فوق ذلك وفي ظاهر طليطلة بقية من أسوارها الأندلسية القديمة وقد تغيّرت كثير من معالمها في العصور التالية.
وقد حافظت طليطلة على شهرتها القديمة في صنع الأسلحة والآلات القاطعة، وكذلك صنع الأقمشة الحريرية. وكانت صناعة الأقمشة الطليطلية من أزهر الصناعات أيام المسلمين ولا تزال تصنع بها السيوف والمدى الفاخرة التي زينت مقابضها بالعاج والأحجار النفيسة، وتحف أخرى دقيقة الصنع كلها من بقايا الصناعات الأندلسية القديمة.