في يوليو من عام ٢٠١٧ أعلنت بريطانيا أنها أسقطت الجنسية عن ١٥٠ من الإرهابيين والمجرمين، وذلك لمنع عودتهم إلى بريطانيا، قلقا من سفر حوالي ٨٥٠ بريطانيا للقتال مع جماعة داعش الإرهابية، وغيرها، في العراق وسوريا.من بين من أسقطت الجنسية عنهما شخصان صارا الآن حديث الساعة داخل بريطانيا، في ما يعرف بقضية " البيتلز البريطانيين"، أي المسلحين البريطانيين الذين أطلق عليهم رفقاؤهم في العراق وسوريا اسم البيتلز بسبب لكنتهم التي ذكرتهم بالفريق الموسيقي الشهير.هذان الشخصان هما أليكس كوتي، اعتنق الإسلام، و الشافعي الشيخ، ابن سوداني مهاجر كان يعيش في غرب لندن. ألقت القوات الكردية القبض عليهما. السؤال الذي يناقشه البريطانيون الآن: هل يعود هذان إلى بريطانيا ليحاكما هناك، رغم إسقاط الجنسية عنهما، أم ينقلا إلى سجن غوانتنامو الأميركي؟كوتي والشيخ، حسب الأخبار، ارتفعا داخل مصاف داعش إلى درجة كانت قاصرة على مؤسسيها العراقيين. وهما بالتالي مصدر مهم للمعلومات. وتقول تقارير إنهما قدما بالفعل معلومات قيمة عن هيكل داعش. لكنهما في الوقت نفسه معروفان بسبب سجلهما الإجرامي، حيث كانا ضمن خلية من الحراس ضمت أيضا المسلح البريطاني الشهير، المولود في الكويت، محمد إموازي أو محمد جاسم الظفيري، الذي عرفناه إعلاميا باسم "جون الجهادي". هذه الخلية المكونة من أربعة أفراد كانت مسؤولة عن إعدامات بحق ستة رهائن على الأقل، بالإضافة إلى جنود سوريين.في الجدل حول عودتهما إلى بريطانيا تختلف الآراء. بعضها يرفض إعادتهما لأنهما مجرمان خطيران وعودتهما ستمثل سابقة، وستعني أن القرار السابق بإسقاط الجنسية كأنه لم يكن مما يفتح الباب أمام غيرهما للعودة. هناك عشرات من البريطانيين نجحوا في الفرار والتسلل إلى تركيا ولا شك أنهم يترقبون هذه القضية. كما أن محاكمتهما ستستخدم في مزيد من التجنيد لصالح داعش والتطرف الإسلامي. ويلفت أصحاب هذا الرأي النظر إلى صعوبة إثبات التهم في مجمل قضايا الانتماء إلى داعش، لغياب الشهود، وغياب الإطار الرسمي. مما يجعل القضية أصعب حتى من محاكمة المنتمين إلى الحزب النازي بعد الحرب العالمية الثانية. حيث توافرت سجلات انتماء في كثير من الأحيان، وتوافر شهود في أحيان أخرى.الرأي المقابل يحبذ إعادتهما لأنهما مصدر مهم للمعلومات، ولتعامل معهما بالقانون فيه ترسيخ للقيم البريطانية.لكن بعيدا عن الجدل حول هذه النقطة فإن القضية تلفت النظر إلى جوهر العطب في السياسة البريطانية إزاء الإرهابيين وجماعاتهم، ويكمن في التخبط.فما تغزله بريطانيا قويا في فبراير تنقضه أنكاثا في مارس، وما تمده من بحر يونيو في النهار، تجزره مع أمواج يوليو في المساء. هذا يتكرر في قضايا كثيرة ومتعددة. عرض معروف في السياسة، وفي الحياة أيضا، يسمونه غياب القيادة.غياب القيادة في قضايا مصيرية جعل بريطانيا مركز قيادة الإخوان في العالم، على حساب علاقتها بدول عربية تمثل جماعة الإخوان لها تهديدا مباشرا، وتدفع ثمن تحريض الجماعة على العنف داخل أراضيها. تدفعه من أرواح أبنائها ومن استقرارها الاقتصادي. فرغم التقارير والتحقيقات الاستقصائية عجزت بريطانيا عن اتخاذ إجراء ملموس ضد جماعة الإخوان.وعبثا يحاول العارفون إقناعها بالعلاقة العضوية بين الإخوان وبين تربية الإرهاب، فضلا عن توافق أغراض الإرهابيين دائما مع أغراض الإخوان السياسية. عبثا يعرض المتابعون على المسؤولين البريطانيين التحريض الإعلامي الإخواني باللغة العربية ضد غير المسلمين، وضد المسلمين ذوي المواقف السياسية والفكرية المختلفة عنهم.بريطانيا لديها أزمة منتصف عمر سياسية. الإمبراطورية تراقب بوجل غياب شمسها عن حضور قيادي مؤثر في العالم. تستبدل به شعارات أثبتت فشلها العملي. واكتفت بأخلاقية المنطلقات وتخلت عن أخلاقية النتائج في تناقض مع إسهامها الفلسفي البراغماتي. فكانت بريطانيا صاحبة النصيب الأكبر من عدد العمليات الإرهابية في أوروبا خلال الصيف الماضي، من مانشستر إلى لندن. وبالمجمل فإن أكثر العمليات الإرهابية دموية على الأرض البريطانية نفذها إرهابيون تربوا في بريطانيا، وتحولوا إلى التطرف الديني في مساجدها.حتى ثوابت سياستها كالعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة صارت أضعف من المزايدات الكلامية، في زمن تحتاج فيه بريطانيا إلى مزيد من الحلفاء مع انفصالها المزمع عن الاتحاد الأوروبي. تنتصر النزوات في منتصف عمر الأشخاص، والدول.نشأ في أسرة مسيحية أرثوذوكسية ثم اعتنق الإسلام بعد أن وقع في غرام فتاة مسلمة، وأنجب منها لاحقا طفلين.أورد بيان للخارجية الأميركية في يناير ٢٠١٧ اسمه ضمن "خلية الإعدام" الرباعية، المعروفة باسم البيتلز. وأضاف بيان صحافي أنه ضالع في عمليات إعدام، وعمليات تعذيب وحشية تشمل التعذيب بالكهرباء وبالإغراق في الماء. ووصفه بأنه مسؤول عن تجنيد غيره من المواطنين البريطانيين.من هو الشافعي الشيخ؟التحق بالقتال مع داعش وعمره ٢٣ سنةوالده شاعر ومترجم سوداني، رشيد سيد أحمد الشيخ، قدم إلى بريطانيا لاجئا في بداية التسعينيات.نشأ الشافعي في غرب لندن، وعمل ميكانيكي سيارات. انتقل إلى سوريا في فبراير ٢٠١٢. وكذلك فعل أخوه محمود الذي قتل مع داعش في العراق في ٢٠١٥.أخوه الأكبر، خالد، حكم عليه بالسجن عشر سنوات لحيازة سلاح ناري (في قضية تتعلق بعصابات في لندن).ضمته قائمة الخارجية الإرهابيين في مارس ٢٠١٧، واصفة إياه بأنه عضو في خلية الإعدام الرباعية المعروفة باسم البيتلز. ونسبت إليه المشاركة في التعذيب بالإغراق، والإعدام الوهمي، والصلب.