دبي - (العربية نت): ابتلعت معظم وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا الرواية المتداولة حول دونالد ترامب وإيران. وعلى حين أن إيران دولة استبدادية عدوانية، بحسب ما تقول الرواية، لكنها مع ذلك ضحية للشراسة الأمريكية، وفقا لما جاء في مقال رأي مشترك من إعداد الباحث راؤول غيرشت في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD، والباحث راي تاكيه في مجلس العلاقات الخارجية CFR، تم نشره في صحيفة "وول ستريت جورنال".
كانت طهران ملتزمة بخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، أو "الاتفاق النووي" الذي تم التفاوض عليه مع إدارة أوباما، إلى حين تخلى ترامب بعنف عن الاتفاق في خطوة مفاجئة. ولأكثر من عام، وفقًا للرواية، أظهر الملالي الصبر من خلال الاستمرار في الالتزام بالاتفاقية، حتى مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية.
يشكو النقاد من أن الصبر الإيراني قد نفد بسبب الإعلان الأخير لإدارة ترامب بأنها ستحاول النزول بصادرات النفط الإيراني إلى الصفر. وأنه حاليا أصبحت اليد العليا لـ"المتشددين" في طهران. وكما تمضي الرواية، فإن حرب واشنطن الاقتصادية قد تستفز النظام الديني وتجره إلى صراع عسكري. وإذا جاءت الحرب، فإن الملالي مستعدون لإيقاع أمريكا في مستنقع شرق أوسطي آخر.
ولكن السرد يفتقد إلى نقطة رئيسية، فإيران ليست في حالة تمكنها من مواجهة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، ذلك أن النظام في وضع غير مستقر سياسياً، لأن الطبقة الوسطى الإيرانية المتجهمة قد نفد صبرها بشأن إمكانية الإصلاح أو الازدهار. كما أن الطبقات الدنيا، التي كانت مرتبطة بالنظام من خلال دولة الرفاه الآخذة في الاتساع، أصبحت أيضا غير موالية. ولم يعد المثقفون يعتقدون أنه يمكن أن يكون هناك توافق بين الإيمان والحرية، وأصبح الشباب هم الجانب الأكثر انتقادا للنظام بلا هوادة.
ولا تستطيع ثيوقراطية إيران الهشة استيعاب صدمة خارجية هائلة، ولهذا السبب التزم المرشد الأعلى علي خامنئي، في معظم الوقت، بالاتفاق النووي، ومن ثم كان من المرجح أنه يتطلع إلى التفاوض بدلا من المواجهة مع الشيطان الأكبر.
يعتبر رجال الدين في السلطة الحاكمة، ومنهم خامنئي على وجه الخصوص، من الخبراء الاستراتيجيين الأكفاء، وهم يقدرون الحاجة إلى تعزيز نفوذهم قبل أية محادثات. كان الإرهاب دائمًا الطريقة المفضلة للنظام لإلحاق الألم بالخصوم. وتتزايد محاولات الاغتيال التي يخطط لها "الدبلوماسيون" الإيرانيون في أوروبا. ويبدو أن هذه العمليات الفاشلة، التي كان يمكن أن تقتل الكثير من الأشخاص، أنها اجتذبت الأوروبيين نحو مزيد من الحوار مع طهران، وليس العكس.
يسيطر النظام الإيراني أيضا على ميليشيات أجنبية مثل حزب الله، الذي يستخدمه لاستهداف الخصوم الإقليميين، دون الاعتراف بالمسؤولية المباشرة. كما أن هناك المزيد من الوسائل المباشرة لزيادة النفوذ التفاوضي. ومن المحتمل أن تكون الهجمات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة على ناقلات النفط في خليج عمان هي بفعل وحدات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، والتي تتدرب بانتظام على استخدام الألغام. وكان الهدف من أحدث الهجمات على ناقلات النفط تأثيرها المقصود، ولذلك يطالب المسؤولون الأوروبيون والساسة الديمقراطيون ومعظم الصحف الأمريكية بإجراء الحوار.
إن مفتاح التعامل مع إيران هو إدراك أنها نظام منهك، وربما في طريقه إلى الانقراض. ولكن العدو الضعيف الناقم هو عدو خطير. ويتعين على الولايات المتحدة تعزيز قوتها العسكرية في المنطقة وتشديد دفاعاتها حول القواعد والتجمعات الدبلوماسية. ولكن ضعف النظام الأساسي يعني أنه لا يمكن حشد قوة كافية لصراع طويل الأمد مع قوة عظمى ذات عزيمة قوية. ويجب عدم الخلط بين قبضات يد الملالي المطبقة، وشعارات الاستشهاد، والمظاهرات المنظمة، حيث إنها لا يمكن أن تصمد أمام القوة الحقيقية. ولا ينبغي تخفيف استراتيجية إدارة ترامب الخاصة بالضغط إلى الحد الأقصى، بينما يقترب الجانبان من الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
وعلى الرغم من الانتقادات من جانب الديمقراطيين والأوروبيين، فإن سياسة ترامب تجاه إيران حققت نجاحا كبيرا، إذ قام بإلغاء اتفاق منقوص كان يمهد الطريق أمام إيران نحو امتلاك سلاح نووي. كما استعاد العقوبات التي أصر الكثيرون، من أنصار الصفقة مع إيران، على أنه لا يمكن تطبيقها على نحو فعال. إن الألم الاقتصادي الذي تشعر به طهران اليوم هو الألم الذي كان الأوروبيون يستشعرونه عندما فرضوا الحظر على النفط في عام 2012. لقد تقلصت صادرات النفط الإيرانية بسرعة، لتحرم النظام من مليارات الدولارات بالعملة الصعبة.
إن التحدي الرئيسي الذي تواجهه إدارة ترامب حاليا هو الحفاظ على استراتيجيتها مع بدء الإيرانيين في التعلق بإمكانية الانفتاح الدبلوماسي.
تتمثل أهم مساهمة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هي الاستغناء عن الفكرة التي كانت شائعة في السابق، في أن القضية النووية يمكن فصلها عن الطموحات الإقليمية للنظام الديني. وطرح خطابه الذي ألقاه في مايو 2018، "12 نقطة" افترض فيها بشكل معقول أن الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم يجب ألا يمتلك ترسانة نووية.
وطورت الإدارة الأمريكية استراتيجية احتواء غير تقليدية وتقوم على ضبط النفس، ولم يتم استهداف قوات الحملة الاستكشافية الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في شمال الشرق الأوسط، لكن ما زالت العقوبات مفروضة معاقبة ضدها. وطالما ظل ترامب مستعدا للرد على أي تحدٍّ مباشر، سواء تقليدي أو نووي، وطالما ظلت طهران مقتنعة بحمية الرئيس فإن الوقت في صالح واشنطن.
وسوف تستمر مشكلة أمريكا مع إيران قائمة إلى حين تنهار جدران الثيوقراطية، مع الأخذ في الاعتبار أن عجز النظام الإيراني عن الهروب من التناقضات التي صنعها بنفسه، فإن ذلك اليوم يقترب. وتحتاج الولايات المتحدة إلى القدرة على التحمل وإلى الفهم الواضح لكيفية رؤية العدو لنفسه.
كانت طهران ملتزمة بخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، أو "الاتفاق النووي" الذي تم التفاوض عليه مع إدارة أوباما، إلى حين تخلى ترامب بعنف عن الاتفاق في خطوة مفاجئة. ولأكثر من عام، وفقًا للرواية، أظهر الملالي الصبر من خلال الاستمرار في الالتزام بالاتفاقية، حتى مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية.
يشكو النقاد من أن الصبر الإيراني قد نفد بسبب الإعلان الأخير لإدارة ترامب بأنها ستحاول النزول بصادرات النفط الإيراني إلى الصفر. وأنه حاليا أصبحت اليد العليا لـ"المتشددين" في طهران. وكما تمضي الرواية، فإن حرب واشنطن الاقتصادية قد تستفز النظام الديني وتجره إلى صراع عسكري. وإذا جاءت الحرب، فإن الملالي مستعدون لإيقاع أمريكا في مستنقع شرق أوسطي آخر.
ولكن السرد يفتقد إلى نقطة رئيسية، فإيران ليست في حالة تمكنها من مواجهة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، ذلك أن النظام في وضع غير مستقر سياسياً، لأن الطبقة الوسطى الإيرانية المتجهمة قد نفد صبرها بشأن إمكانية الإصلاح أو الازدهار. كما أن الطبقات الدنيا، التي كانت مرتبطة بالنظام من خلال دولة الرفاه الآخذة في الاتساع، أصبحت أيضا غير موالية. ولم يعد المثقفون يعتقدون أنه يمكن أن يكون هناك توافق بين الإيمان والحرية، وأصبح الشباب هم الجانب الأكثر انتقادا للنظام بلا هوادة.
ولا تستطيع ثيوقراطية إيران الهشة استيعاب صدمة خارجية هائلة، ولهذا السبب التزم المرشد الأعلى علي خامنئي، في معظم الوقت، بالاتفاق النووي، ومن ثم كان من المرجح أنه يتطلع إلى التفاوض بدلا من المواجهة مع الشيطان الأكبر.
يعتبر رجال الدين في السلطة الحاكمة، ومنهم خامنئي على وجه الخصوص، من الخبراء الاستراتيجيين الأكفاء، وهم يقدرون الحاجة إلى تعزيز نفوذهم قبل أية محادثات. كان الإرهاب دائمًا الطريقة المفضلة للنظام لإلحاق الألم بالخصوم. وتتزايد محاولات الاغتيال التي يخطط لها "الدبلوماسيون" الإيرانيون في أوروبا. ويبدو أن هذه العمليات الفاشلة، التي كان يمكن أن تقتل الكثير من الأشخاص، أنها اجتذبت الأوروبيين نحو مزيد من الحوار مع طهران، وليس العكس.
يسيطر النظام الإيراني أيضا على ميليشيات أجنبية مثل حزب الله، الذي يستخدمه لاستهداف الخصوم الإقليميين، دون الاعتراف بالمسؤولية المباشرة. كما أن هناك المزيد من الوسائل المباشرة لزيادة النفوذ التفاوضي. ومن المحتمل أن تكون الهجمات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة على ناقلات النفط في خليج عمان هي بفعل وحدات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، والتي تتدرب بانتظام على استخدام الألغام. وكان الهدف من أحدث الهجمات على ناقلات النفط تأثيرها المقصود، ولذلك يطالب المسؤولون الأوروبيون والساسة الديمقراطيون ومعظم الصحف الأمريكية بإجراء الحوار.
إن مفتاح التعامل مع إيران هو إدراك أنها نظام منهك، وربما في طريقه إلى الانقراض. ولكن العدو الضعيف الناقم هو عدو خطير. ويتعين على الولايات المتحدة تعزيز قوتها العسكرية في المنطقة وتشديد دفاعاتها حول القواعد والتجمعات الدبلوماسية. ولكن ضعف النظام الأساسي يعني أنه لا يمكن حشد قوة كافية لصراع طويل الأمد مع قوة عظمى ذات عزيمة قوية. ويجب عدم الخلط بين قبضات يد الملالي المطبقة، وشعارات الاستشهاد، والمظاهرات المنظمة، حيث إنها لا يمكن أن تصمد أمام القوة الحقيقية. ولا ينبغي تخفيف استراتيجية إدارة ترامب الخاصة بالضغط إلى الحد الأقصى، بينما يقترب الجانبان من الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
وعلى الرغم من الانتقادات من جانب الديمقراطيين والأوروبيين، فإن سياسة ترامب تجاه إيران حققت نجاحا كبيرا، إذ قام بإلغاء اتفاق منقوص كان يمهد الطريق أمام إيران نحو امتلاك سلاح نووي. كما استعاد العقوبات التي أصر الكثيرون، من أنصار الصفقة مع إيران، على أنه لا يمكن تطبيقها على نحو فعال. إن الألم الاقتصادي الذي تشعر به طهران اليوم هو الألم الذي كان الأوروبيون يستشعرونه عندما فرضوا الحظر على النفط في عام 2012. لقد تقلصت صادرات النفط الإيرانية بسرعة، لتحرم النظام من مليارات الدولارات بالعملة الصعبة.
إن التحدي الرئيسي الذي تواجهه إدارة ترامب حاليا هو الحفاظ على استراتيجيتها مع بدء الإيرانيين في التعلق بإمكانية الانفتاح الدبلوماسي.
تتمثل أهم مساهمة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هي الاستغناء عن الفكرة التي كانت شائعة في السابق، في أن القضية النووية يمكن فصلها عن الطموحات الإقليمية للنظام الديني. وطرح خطابه الذي ألقاه في مايو 2018، "12 نقطة" افترض فيها بشكل معقول أن الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم يجب ألا يمتلك ترسانة نووية.
وطورت الإدارة الأمريكية استراتيجية احتواء غير تقليدية وتقوم على ضبط النفس، ولم يتم استهداف قوات الحملة الاستكشافية الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في شمال الشرق الأوسط، لكن ما زالت العقوبات مفروضة معاقبة ضدها. وطالما ظل ترامب مستعدا للرد على أي تحدٍّ مباشر، سواء تقليدي أو نووي، وطالما ظلت طهران مقتنعة بحمية الرئيس فإن الوقت في صالح واشنطن.
وسوف تستمر مشكلة أمريكا مع إيران قائمة إلى حين تنهار جدران الثيوقراطية، مع الأخذ في الاعتبار أن عجز النظام الإيراني عن الهروب من التناقضات التي صنعها بنفسه، فإن ذلك اليوم يقترب. وتحتاج الولايات المتحدة إلى القدرة على التحمل وإلى الفهم الواضح لكيفية رؤية العدو لنفسه.