واشنطن - (العربية نت): كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن معضلة حقيقية يعاني منها "حزب الله" بعد اندلاع الاحتجاجات حيث بدأت قاعدته الشعبية بالتفكك ولم تعد المقاومة المزعومة مصدر إلهام لهم كما كانت في السابق.

واعتبرت الصحيفة أن المحتجين من معاقل "حزب الله" يبحثون عن حياة أفضل ومستقبل قابل للعيش.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحزب في ورطة حقيقية فقد كان في السابق يركز على الصراع مع إسرائيل.

ولم يشارك في الحكومات اللبنانية لكنه الآن يدير الحكومة وسط انهيار مالي واقتصادي في لبنان وبات الآن في عين عاصفة غضب المحتجين من الفساد. وأكدت الصحيفة أن "تورط الحزب في الحكم مؤخراً انعكس على قاعدته الشعبية وباتت حواضنه في حالة غليان نتيجة فشل الحكومة التي يهيمن عليها "حزب الله" في إدارة البلد وقالت إن إدارة حرب العصابات التي يتقنها الحزب أسهل من إدارة لبنان التي فشل فيها".

وروت الصحيفة قصصاً لمحتجين من الطائفة الشيعية تعرضوا للتعذيب والقمع بعد أن خرجوا أمام التلفاز للتعبير عن غضبهم من الفساد واتهام حزب الله وزعيمه حسن نصرالله بالتسبب بالمصاعب الحالية، لكنهم عادوا وأجبروا للخروج أمام التلفاز وعبروا عن اعتذارهم للحزب ولزعيم الحزب نصر الله.

وتضيف الصحيفة كان الاعتذار على الكاميرا تمهيداً لمزيد من عمليات العنف والقمع ضد المتظاهرين من الطائفة الشيعية، والتي اعتمدت على مدى عقود على حزب الله للحماية وتوفير الوظائف والخدمات الاجتماعية والنضال المشترك ضد إسرائيل والأعداء الآخرين.

وفي الوقت الذي يتعثر فيه لبنان في شهره الخامس من الانهيار السياسي والاقتصادي، لا تزال الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد متواصلة ومن جميع الخلفيات الدينية، ويتحدون في ازدراء الطبقة السياسية التي لا تستطيع حتى تقديم الأساسيات، الكهرباء على مدار 24 ساعة، أو إدارة الاقتصاد أو الحكم الجدير بالثقة.

وتضيف الصحيفة لكن الاحتجاجات أجبرت العديد من الشيعة اللبنانيين على التساؤل: كيف يمكنهم أن يحافظوا على ولائهم لحزب الله الذي يدعم الوضع الراهن؟ وهل سيواصل حزب الله محاولة إخماد التمرد، أو الاستماع إليه؟

ويقول علي إسماعيل، 51 عاماً، وهو متظاهر من كفر رمان، وهي بلدة شيعية في جنوب لبنان والتي هيمن عليها "حزب الله وحركة أمل" منذ فترة طويلة "أنا أؤيد المقاومة ضد إسرائيل" لكني أؤيد المقاومة ضد الفساد".

ومثله مثل كثير من المحتجين حيث استدان لدفع الرسوم المدرسية لأبنائه. وقالت زوجته، فرح، إنها لم تقبل من جميع وظائف التدريس التي تقدمت إليها لأنها تفتقر إلى الصلات الحزبية.

حتى الرجل الذي اعتذر علنا للسيد نصر الله ربما يكون قد تخلى عن إهاناته، لكن ليس عن ندائه. فقد خرج في فيديو آخر يقول "الرجاء مساعدتنا حقا، نحن نتضور جوعاً. ليس لدينا وظائف".

من جهتها تقول رندا سليم، المحللة اللبنانية في معهد الشرق الأوسط، إن الاحتجاجات بين الشيعة تنبع جزئياً من النجاح العسكري المتزامن لحزب الله وإهماله للقضايا المحلية. كما أن التهديدات الأمنية التي حشدت قاعدة الجماعة، سواء كانت إسرائيل أو المتطرفين السنة في سوريا المجاورة، قد تراجعت بشكل عاجل. وعندما دخل حزب الله في السياسة اللبنانية عام 2005 لحماية وضعه كجيش ظل، دعم عجز الحكومة والفساد بدلاً من الوفاء بوعودها بالإصلاح.

وتشير الصحيفة إلى أن العقوبات الأمريكية على "حزب الله" ورعايته، إيران، جعلته أقل قدرة على تقديم الدعم والخدمات والوظائف التي اعتاد أنصارها الاعتماد عليها، تماماً كما كان الاقتصاد اللبناني يتأرجح. وكما هو الحال مع حركات التحرير الأخرى، وجد حزب الله الحكم أكثر تعقيداً من حرب العصابات.

وقالت السيدة سليم، "حزب الله لم يعط أولوية لقضايا الخبز والزبدة، لكن فجأة واجهوا مجتمعاً يقول أساساً إن الخبز والزبدة يمثلان أولوية". "إنه الآن جزء من حكومة فاسدة، ولا يمكنه إلقاء اللوم على الآخرين بسبب الفساد؛ إنهم جزء من معادلة الفساد. لذا فإن السؤال هو، كيف سيردون؟".

وتضيف الصحيفة لقد عززت حركة أمل الولاء من خلال الوظائف والرعاية، لكن ينظر إلى زعيمها نبيه بري، رئيس البرلمان، على نطاق واسع باعتباره دعامة فاسدة بعمق لطبقة الحكم السائدة في لبنان.

وحتى الآن، يحشد حزب الله وحركة أمل لحماية الوضع الراهن، وتقلصت الاحتجاجات في المناطق ذات الأغلبية الشيعية بشكل واضح حيث تحرك الطرفان لخنق الانتفاضة.

وفي وقت مبكر، انتقد نصر الله الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر. واندلعت مشاجرات عنيفة عندما ضمن بعض المحتجين نصر الله من بين الشخصيات السياسية التي أرادوا اقتلاعها من السلطة، وهتفوا "كلهم يعني كلهم - نصرالله واحد منهم".

وعلى الرغم من أن نصر الله لا يشغل أي منصب، فقد سيطر حزب الله وحلفاؤه على الحكومة الأخيرة التي استقالت وسط الاحتجاجات في أكتوبر، وكذلك الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في يناير.

واجتاح أتباع حزب الله وأمل مراراً وتكراراً مواقع الاحتجاج في بيروت وغيرها من المدن وضربوا المحتجين بالعصي والهراوات. وفي المقابلات التي جرت في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، أبلغ المتظاهرون عن تلقي مكالمات تهديد أو ملاحظات صوتية مجهولة من WhatsApp تحذر من "التأثير السلبي على حياتك" ويطلبون منهم التوقف عن الاحتجاج.

محمد ديب عثمان، 29 عاماً، الذي كان يساعد في تنظيم المظاهرات الصغيرة والمستمرة في بعلبك، قال إن نوافذ سيارته قد تحطمت بعد اليوم الأول من الاحتجاجات في منتصف أكتوبر. حذره معارفه من أن الجماعات التابعة للحزب كانت تصفه بأنه خائن في غرف الدردشة في WhatsApp.

يقول "الثورة هي أملنا الوحيد. وإذا تم سحقها، فقد انتهينا، وقال إنه تم إقصاؤه من جميع الوظائف الحكومية البالغ عددها 36 التي تقدم إليها بعد تخرجه من الجامعة لأنه يفتقر إلى الصلات الحزبية.

لكنه كان يأمل أن شيئاً ما قد تحول. وقال "عندما انتقد نصر الله الثورة، سقط القناع للجميع".

إيهاب حسان، 29 عاماً، شيعي من صور كان يحتج منذ اليوم الأول، قال إنه فقد الأمل في التغيير السريع. كان يخطط لمغادرة البلاد. لكنه يعتقد أن المتظاهرين حققوا إنجازاً واحداً على الأقل. حيث اعتاد الناس على مشاهدة خطب نصر الله دون طرح أسئلة. "لكن الآن، على الرغم من أنهم ما زالوا يدعمونه فقد بدأوا في طرح الأسئلة".