المصدر: العربية.نت – طه عبد الناصر رمضان

في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، سجّلت مقاطعة غوانغدونغ (Guangdong) الصينية بداية ظهور أولى حالات مرض غريب حمل لاحقاً اسم المتلازمة التنفسية الحادة واختصرت تسميته بـ"سارس".

وطيلة الأشهر التالية، سجّل العالم 8096 حالة إصابة و774 وفاة بسبب هذا المرض توزعت على 26 دولة. وقد كانت جمهورية الصين الشعبية أكثر الدول تضرراً حيث أصيب، بحسب الأرقام التي قدمتها، 5327 من مواطنيها، توفي 349 منهم، بينما مثلت منطقة هونغ كونغ، ذات الحكم الذاتي والتي هي تحت سيادة الصين، ثاني أكثر المناطق تضرراً بالعالم مسجلة 1755 إصابة و299 وفاة.

تعتيم صيني

كما عمدت الصين لممارسة تعتيم إعلامي حول مدى انتشار المرض وتفشيه بمقاطعة غوانغدونغ وأجبرت صحافييها على عدم نقل معلومات خارج المقاطعة، وفق تقارير تلك الفترة. وامتنعت السلطات الصينية عن تقديم معلومات عن تفشي "سارس" لمنظمة الصحة العالمية وعطلت لأسابيع زيارة وفد المنظمة، الذي حل ببكين، لمقاطعة غوانغدونغ.

وعقب ضغوطات داخلية وخارجية، غيّرت الصين موقفها مطلع إبريل/نيسان 2003، فأعلنت عن بذل جهود جبارة لاحتواء الأزمة واعتذرت عن عدم مشاركتها للمعلومات حول سارس مع بقية الدول كما سمحت لأحد وفود منظمة الصحة العالمية بدخول غوانغدونغ.

طبيب إيطالي تدخل في الوقت المناسب

لكن الفضل في إنقاذ العالم من سارس ووقف تفشيه بشكل واسع على النطاق العالمي يعود للطبيب الإيطالي كارلو أورباني، حيث ساهم تدخله في الوقت المناسب للتعرف على طبيعة المرض في نجاة كثيرين حول العالم واحتواء الأزمة.

ولد كارلو أورباني في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1956 بمنطقة كاستلبلانيو بمقاطعة أنكونا الإيطالية. تخرج عام 1981 من جامعة أنكونا للطب وتخصص فيما بعد بمجال الأمراض المعدية والاستوائية بجامعة ميسينا.

على إثر ذلك، باشر كارلو بالتطوع للعمل لصالح عدد من المنظمات الطبية فانتقل لإفريقيا وتواجد بإثيوبيا سنة 1987. عمل كمستشار لدى منظمة الصحة العالمية بداية من العام 1993. وسنة 1996، انضم لمنظمة أطباء بلا حدود وترأس فرعها الإيطالي. وسنة 1999 كان ضمن فريق المنظمة الذي كرّم بجائزة نوبل للسلام.

عام 2000، شاءت الأقدار أن ينتقل إلى العاصمة الفيتنامية هانوي، حيث عيّن حينها مسؤولاً لدى منظمة الصحة العالمية غرب المحيط الهادئ.

وفي أواخر فبراير/شباط 2003، لبى أورباني نداء المستشفى الفرنسي بهانوي لفحص رجل الأعمال الأميركي، جوني شين، الذي عانى من أعراض مرضية غريبة عقب عودته من هونغ كونغ. وبادئ الأمر، ظنّ الأطباء أن شين يعاني من أعراض إنفلونزا حادة. ومع عجزهم عن تشخيص حالته، استدعي الطبيب أورباني المختص في الأمراض المعدية للكشف عن رجل شين وتشخيص مرضه.

وعقب فحصه لرجل الأعمال الأميركي، تحدّث كارلو أورباني عن مرض جديد وغير معروف شديد العدوى وسريع الانتشار.

على الفور، أخبر منظمة الصحة العالمية بهذا المرض محذراً من إمكانية تحوله لوباء في أية لحظة لتصدر بذلك منظمة الصحة العالمية تحذيراً لجميع الدول من المرض، الذي عرف لاحقاً بسارس، مساهمة بذلك في زواله واختفائه بعد نحو 5 أشهر ومجنبة العالم خطر مرض شبيه لدرجة كبيرة بجائحة كورونا المستجد بيومنا الحاضر.

من جهة ثانية، أقنع أورباني وزارة الصحة الفيتنامية بعزل المستشفى وفحص جميع الركاب الذين يحلون بمطاراتها لوضع حد لإمكانية تفشي المرض.

وبفضل هذا التحذير المبكّر، اتخذت جميع الدول إجراءات سريعة ساهمت في وقف تفشي سارس لينجو بذلك عدد كبير من البشر من الموت.

في الأثناء، عرف أورباني نهاية تعيسة على يد المرض الذي حذر منه. فأثناء رحلة لبانكوك يوم 11 مارس/آذار 2003، شعر بالتعب والحمى. ومع فحصه من قبل عدد من الأطباء، تبيّنت إصابته بسارس، حيث انتقلت إليه العدوى بسبب معاينته لعدد من المصابين به بهانوي.

وقد استوجب ذلك نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة بغرفة العناية المركزة يوم 29 مارس/آذار عن عمر يناهز 46 سنة. وعلى حسب وصيّته الأخيرة، أمر أورباني باستئصال أنسجة رئتيه وتقديمها للأبحاث العلمية.