تلقى بهداد إسفاهبود، وهو إيراني يحمل الجنسية الكندية وكان يعمل مهندس برمجيات بـ"فيسبوك"، رسالة نصية من حساب مجهول عبر "أنستقرام"، لكنه كان يعلم بالضبط من خلفه.

وطبقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، كان الحساب المجهول يعود لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني، أما الرسالة فكانت شفرة مرتبة مسبقًا.

وورد بالرسالة: "كنت ضيفنا في طهران، وتناولنا الكباب، هل تذكر؟ تحادثنا عن البرتغال وعملك وأنك هناك. لدي بعض الأسئلة بشأن الإقامة في البرتغال".

كانت الرسالة تنبيه بضرورة العمل لحساب الحرس الثوري الإيراني في أمريكا الشمالية، وإشارة لتجنيده من أجل التجسس على الأصدقاء والمعارف في الجالية الإيرانية هناك.

كان إسفاهبود قد اتخذ قراره بالفعل بشأن كيفية الرد، وتجاهل الرسالة وعقد العزم على عدم فعل شيء، لكنه تلقى في اليوم التالي رسالة تقول: "مرحبًا، أيها السيد المهندس، هل تعرفني؟"، لكنه تجاهل هذه الرسالة أيضًا، لتتواصل الرسائل عبر حسابه على "واتساب"، و"التليجرام" وغيرهما.

قرر المهندس الإيراني أنه لن يقوم بالدور المكلف به، بل وحتى سيحكي قصته، وقال: "ضغطوا علي من خلال عائلتي بدون أن يكون لدي وسيلة للضغط عليهم. لذا، كشف الأمر سيمنحني السبيل للضغط عليه للتراجع".

وفي 7 يناير/كانون الثاني، سافر إلى إيران في عطلة لمدة أسبوعين لرؤية عائلته وأصدقائه، وكان وقتًا عصيبًا، حيث جاء بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، والليلة التي وصل فيها، نفذت إيران ردًا انتقاميًا بالهجوم الصاروخي على القاعدة الأمريكية في العراق، وصباح اليوم التالي، أسقطت الطائرة الأوكرانية بالخطأ.

كانت زوجة إسفاهبود في البرتغال قد حثته على عدم الذهاب، لكنه فكر في أنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، وبالتالي ليس هناك ما يخشاه، وهو افتراض ساذج، دفع ثمنه لاحقًا.

وطبقًا لـ"الجارديان"، وصلوا إليه يوم 15 يناير/كانون الثاني، بعد لحظات من لقائه والده في طهران، فرغم أنه لم يكن يستخدم "واتساب" في التواصل مع أصدقائه، وحتى أنه حادث والده بالطريقة المعتادة، لكن كان جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني يتنصت عليه.

وقال: "كنت في طريقي للقاء أصدقائي، دعوني باسمي الأخير الذي لا أستخدمه، وإذ بي ألتفت لأجد أربعة أشخاص يرتدون زيًا مدنيًا. أظهروا مذكرة اعتقال، كانت تحمل شعار استخبارات الحرس الثوري وأولئك هم أكثر عصبة مفزعة في إيران. لا تود التعامل معهم طوال حياتك.. ولأكون صادقًا، لوهلة اعتقدت أنني لن أرى العالم الحر مجددًا".

دفع المهندس الإيراني داخل إحدى السيارات، وطلب منه فورًا الرقم السري لهاتفه، ثم نقل لجناح الحرس الثوري في سجن إيفين سيئ السمعة، حيث سجن للأسبوع، ويوميًا كان يتم استجوابه لساعات بشأن الرسائل النصية، ورسائل البريد الإلكتروني، والصور الموجودة على هاتفه.

قيل له مرارًا وتكرارًا إنه لم يتم العثور على أي شيء يدينه، وإنه سيتم إطلاق سراحه اليوم التالي، لكن في اليوم السابع، ظهر محقق آخر وأخبره أن مصيره أصبح بيد المحكمة، وسيتم احتجازه حتى المحاكمة، وربما يمضي عقوبة لأسبوعين أو عامين، إلا إذا كان مستعدًا للعمل لصالح الحرس الثوري، وأن ينقل معلومات بشأن أنشطة الإيرانيين في الغرب.

كما قيل له: "ستعيش حياتك وتخرج مع هؤلاء الناس، وتواصل إمدادنا بمعلومات عما يفعلونه. ومن ثم، ستبقى القضية معلقة لأجل غير مسمى، ويمكنك العودة لإيران، وكل شيء سيصبح على ما يرام."

وعندما عاد أخيرًا عبر مطار نيوارك، إلى الولايات المتحدة الأمريكية سحبه المسؤولون هناك جانبًا واستجوبوه لبضع ساعات بشأن إقامته في إيران.

وقال المهندس الإيراني: "أخبرتهم كل شيء، فأحضروا ضابطين آخرين بدا أنهما يعرفان الحرس الثوري جيدًا جدًا. لذا، استمعوا لقصتي، وأجرينا محادثة جيدة. كانوا ودودين للغاية. وفي النهاية رحبوا بعودتي إلى الديار، وأخبروني أن وكالة أخرى ربما ستتواصل معاه لاحقًا للمتابعة، لكن لم يفعلوا أبدًا."

وعندما عاد إلى سياتل، كانت جائحة كورونا المستجد قد ضربت البلاد، ليجد نفسه عالقًا بالولايات المتحدة، غير قادر على زيارة أقاربه في كندا، أو العودة لزوجته في البرتغال.

وأثناء انتظاره، بدأ يعاني تداعيات الضغوط النفسية التي تعرض لها، وتم تشخيص حالته بالإصابة باضطراب ثنائي القطب من الدرجة المتوسطة العام الماضي، وقال: "خلال فبراير/شباط كنت مصابًا بارتياب شديد ولم أتمكن من التحدث أو الذهاب للخارج، وحصلت على إجازة مرضية طوال مارس/آذار."

وعندما حل الصيف، جاء الاتصال المنتظر، حيث بدأت تصل إليه رسائل "الانستجرام"، وبعدها وصل خطاب رسمي إلى شقيقته في طهران تستدعيه للمحاكمة؛ فلم تعد القضية معلقة.

وفي النهاية، قرر كتابة تجربته عبر موقع "ميديم"، خاصة أنه استقال من وظيفته، وانهارت علاقته بشريكته البرتغالية، وانتقل إلى كندا ليعيش مع أقاربه ويبدأ حياة جديدة.