ترجمات
اعتدنا عند كل انتخابات رئاسية أميركية سماع المحللين يقولون إنها انتخابات في غاية الأهمية، غير أنها هذه المرة تبدو الأهم منذ أي وقت مضى، على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالكل يترقب مَن سيكون سيد البيت الأبيض؟
فعلى الصعيد الداخلي، أظهرت بيانات رسمية، مساء السبت، أن عددا قياسيا من الأميركيين بلغ 90 مليون ناخب، صوتوا مبكرا في الانتخابات الرئاسية.
ويمثل هذا نحو 65 بالمئة من إجمالي المشاركين في انتخابات عام 2016، ويعكس الاهتمام الشديد بالانتخابات قبل ساعات من انتهاء الحملات الانتخابية.
وبالنظر إلى عام 2016، أدلى نحو 58.3 مليون أميركي فقط في التصويت المبكر.
إذن هذه إشارة فارقة على اهتمام غير مسبوق في الانتخابات بين الأميركيين، فهناك 30 مليون أميركي رأوا أنه من المناسب أن يدلوا بأصواتهم وأن يضعوا تجاهل السياسة جانبا.
أولويات الأميركيين
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إي بي سي نيوز" وصحيفة "واشنطن بوست" في أكتوبر الماضي أبرز أولويات الأميركيين وهي على النحو التالي:
- الاقتصاد
- فيروس كورونا
- العدالة الاجتماعية
- الرعاية الصحية
وكان استطلاع أجراه معهد "بيو" المستقل في أغسطس الماضي أظهر أن أولويات الأميركيين تشمل على التوالي: الاقتصاد والرعاية الصحية، والمحكمة العليا، وفيروس كورونا والجريمة والسياسية الخارجية.
وقفزت الرعاية الصحية إلى مرتبة متقدمة بسبب أزمة فيروس كورونا، كما تقدمت مسألة العدالة بعد سلسلة الحوادث التي راح ضحيتها مواطنون من أصل أفريقي التي أبرزت العنصرية والعدالة بين الأعراق في البلاد.
سيناريو مرعب داخليا
واعتبر الصحفي الأميركي الشهير، توماس فريدمان، أنه من المحتمل أن تتجه الولايات المتحدة نحو الحرب الأهلية، في حال رفض ترامب تسليم السلطة إن خسر الانتخابات، قائلا إن ما يحدث حاليا يفوق الخيال.
ومجرد طرح هذا الأمر شيء غير مسبوق، خاصة أن الحديث عن الولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم.
واعتبرت "سكاي نيوز" في تحليل لها، السبت، أن الانتخابات الحالي هي الأهم منذ عام 1860، عندما واجه الرئيس أبراهام لينكولن في صناديق الاقتراع منافسه ستيفن دوغلاس، بينما كانت الحرب الأهلية تلوح في الأفق.
ونقلت عن المؤرخ الأميركي، إد واتس، قوله إنه يرى قواسم مقلقة بين وضع الولايات المتحدة حاليا والدولة الرومانية عندما بدأت تتداعى.
وأعرب عن قلقه من الضرر البالغ الذي لحق بالمؤسسات الديمقراطية خلال عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب.
وأضاف واتس: "هذه أهم انتخابات منذ عام 1860"، موضحا "اعتقد أنه من السهل تخيل سيناريوهات لهذه الانتخابات، مثل انهيار الإدارة السلمية للولايات المتحدة. وهذا أمر خطير للغاية".
ويمضي المؤرخ في رسم سيناريو قاتم لما سيحدث في أميركا، إذ أشار إلى أن البلاد "ذاهبة نحو جمهورية تعتمد القوة لا القوانين، فالأشخاص الممسكين بالسلطة يفعلون ما يريدون دون قيود، وهذا أمر خطير"
أميركا والعالم
ويرى آخرون أن هذه أهم انتخابات منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، ويقول كبير المعقلين في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مارتن وولف، إنه يعتقد أن هذه الانتخابات هي الأهم منذ عام 1932، عندما انتخب فرانكلين روزفلت رئيسا في أوج الكساد العظيم وشرع في تغيير أميركا والعالم، وعمل على نقل بلاده إلى مصافي القوى الكبرى.
ويوصف الرئيس الأميركي بأنه الشخص الأقوى في العالم، إذ يمتلك نفوذا كبيرا، لكونه قائد القوة العظمى الوحيدة في العالم، فقراراته تؤثر على بقية أنحاء الكرة الأرضية مثل روسيا والصين وأوروبا وإيران والشرق الأوسط، وعلى شتى المجالات مثل الاقتصاد والحروب والأزمات الدولية.
وهو قائد دولة نووية وعضوة دائمة في مجلس الأمن الدولي وقائدة حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاقتصاد الأكبر على وجه الأرض، وتهيمن على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتنتشر قواتها في أكثر من 170 دولة حول العالم.
ومما يزيد من أهمية الانتخابات الحالية هو سياسة الرئيس ترامب الحالية، التي قطعت مع كل السياسات السابقة التي انتهجها أسلافه، إذ تراجع عن اتفاقيات دولية، وأبدى إعجابه بالدكتاتوريين والمتسلطين فيما كان يسخر من حلفاء واشنطن التقليديين.
وقال مارتن وولف: "لقد اعتمدنا على أميركا. عشنا في العالم الذي أنشأته، وازدهرنا بما صنعته".
وأضاف: "إذا انسحبت أميركا (من التزاماتها الدولية)، فإن بريطانيا، وخاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ستكون بمفردها بطريقة لم تكن كذلك منذ العشرينيات".
وتابع: "لذلك، فإن إعادة انتخابات ترامب قد تؤدي إلى نهاية النظام العالمي الديمقراطي الذي ساهمت أميركا في صناعته بعد الحرب العالمية الثانية".
"أميركا تغيرت"
وكانت مجلة "فورين بولسي" قد ذكرت في وقت سابق أن هناك اجماع غير مسبوق بين المؤرخين والسياسيين والخبراء والدبلوماسيين أن هذه الانتخابات ترتقي إلى صفة التاريخية.
وقالت إن انتخابات عام 1860 و1932 جرت في ظروف لم تكن الولايات المتحدة فيها قوة عظمى، كما هي اليوم، تؤثر على كل شيء في العالم، مما يجعل الـ3 من نوفمبر الجاري يوم مفصليا في تاريخ أميركا والعالم.
ونقلت المجلة قلق عدد من المسؤولين السابقين الذين عملوا مع الإدارات الجمهورية منذ عهد رونالد ريغان وحتى دونالد ترامب، وذكر هؤلاء أن ولاية ثانية لترامب تمثل تهديدا وجوديا للديمقراطية الأميركية.
وقال دبلوماسي أوروبي من دولة حليفة لواشنطن:" حبسنا أنفسنا لمدة 4 سنوات. 8 سنوات ستكون طويلة جدا".
لكن أرقام استطلاعات الرأي لا تتفق مع ما يقول هؤلاء، فترامب يحظى بتأييد كبير بين الأميركيين، ولا يتقدم منافسة الديمقراطي إلا بنقاط محدودة لا تتعدى 8، وهي استطلاعات يشكك فيها ترامب أصلا.
وحتى في حال فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، فإن أميركا لن تعود كما كانت قبل عهد ترامب كما يرى المؤلف، تشارلز كوبشان.
ويقول صاحب كتاب "الانعزالية": "السياسة الخارجية الأميركية لن تعود إلى النظام القائم على المعاهدات التي تلت الحرب العالمية الثانية"، مشيرا إلى انهيار غير مسبوق في تأييد أعضاء الكونغرس لدور أميركا في العالم، مما يظهر الأثر الذي تركه ترامب خلال ولايته الأولى.