العين الإخبارية
"ستذهب للعنف كلما ضاق الخناق عليها".. بهذه الكلمات عبر اليساري التونسي الراحل شكري بلعيد عن سياسة جماعة الإخوان وكأنه كان يقرأ الواقع.
مرة أخرى يضرب الإرهاب موعدا في تونس ليستهدف القوات العسكرية عبر أربع ضحايا جدد يسقطون، الأربعاء، نتيجة انفجار لغم في منحنيات جبل "مغيلة" الواقع بمحافظة القصرين الحدودية.
عودة النشاط الإرهابي في تونس يربطها العديد من المتابعين بالعملية السياسية المعقدة بعد 10سنوات من حكم الإخوان الذي أوصل البلاد إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
وأكدوا على أن إخوان تونس الذين تدفقوا منذ نحو عقد من الزمن قادمين من المنافي والسجون، سمموا البلاد بفكرهم المتطرف، وحولوها لحاضنة إرهاب عابر للحدود.
ووفق مصادر أمنية لـ"العين الإخبارية" فإن إجمالي وفيات المؤسستين الأمنية والعسكرية وصل إلى قرابة 700 فرد منذ 2011، إضافة إلى وجود عدد من الاغتيالات السياسية التي طالت اليساري شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي.
وشهدت البلاد أكثر من 50 عملية إرهابية دامية طيلة السنوات الماضية، كما تم تفكيك قرابة 320 خلية إرهابية تنشط ميدانيا في الجبال وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
وتتمركز التنظيمات الإرهابية في تونس طيلة 10 سنوات بالجبال الغربية (الشعانبي والسلوم وسمامة)، وتتبع تنظيم القاعدة وداعش.
العملية الأخيرة لا تخلو من الخلفيات السياسية خاصة وأنها جاءت في سياق تقلص شعبية حركة النهضة التي يحملها التونسيون أسباب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
عمليّة إرهابية بأجندة سياسيّة
وفي هذا الصدد، كتب الفيلسوف التونسي، عبيد الخليفي، صاحب كتاب "الجهاد لدى الحركات الإسلامية المعاصرة " تدوينة شرح فيها ارتباط الأجندة السياسية في تونس بالإرهاب.
وقال الخليفي إن أغلب العمليات الإرهابية التي حدثت في تونس، كانت عملا حربيا ميدانيا حاملا لأجندة سياسيّة سياقيّة، حيث لم يكن اللغم من مخلفات عمليات التلغيم السابقة، بل هو لغم حديث الزرع، على اعتبار أنه استهدف مركبة عسكرية في طريق جبلية تسير فيها المركبات العسكرية يوميا.
وأضاف: "حجم التفجير والقتل يبيّن أن اللغم من النوعية المضادة للمركبات وليس الأفراد، وهذه الألغام المركّبة تحتاج صناعة متقنة وإحكاما في التنفيذ والتفجير".
اللغم يحمل دلالات سياسيّة، حسب الفيلسوف التونسي، تتعلق بالسياق العام الذي تعيشه البلاد ما بين التمرد الأمني لبعض النقابات الخارجة عن القانون واستهداف المؤسسة العسكرية التي يراهن عليها الكثير.
الإخوان وصناعة الموت
ويعيد العديد من الخبراء في تونس انتشار الظاهرة الإرهابية طيلة 10سنوات إلى الخطاب الإخواني ذي الطابع التكفيري، والذي كان سببًا في زرع ثقافة الموت لدى فئات واسعة من الشباب.
الإخوان متهمون من قبل هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي بامتلاك جهاز سري يمثل أداة تواصل بين حزب النهضة والجماعات الإرهابية، هدفه تصفية الخصوم وإرهاب المؤسستين الأمنية والعسكرية ومحاولة اختراقهما.
ويرى المحامي التونسي، فريد التائب، أن 10سنوات من خطاب التكفيريين في تونس عزز وجود الخلايا الإرهابي، التي حدد عددها وزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين بـ38 خلية، معتبرا أن حكم الإخوان تساهل مع هذه الجماعات منذ وصوله للسلطة وجعلها ذراعه العنيف في مواجهة الأطراف المناهضة لحزب النهضة.
وأكد في حديث لـ"العين الإخبارية" أن التاريخ السياسي لتونس لم يشهد ضربات إرهابية قاصمة كما عرفه في السنوات الأخيرة، وذلك بدعم معنوي وسياسي من بعض الكتل البرلمانية مثل ائتلاف الكرامة وحزب النهضة.
وتتطابق التحليلات في تونس التي تربط بين الحاضنة الإخوانية للإرهاب والارتباط العضوي بينهما، تجسدت في خطابات زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي عندما هدد في آخر ظهور إعلامي له التونسيين بإما القبول بالحركة أو دفع البلاد إلى الاقتتال الداخلي، وكأنه يعلن بذلك الحرب على التونسيين جميعًا.