وكالات بعد 20 عاماً على الغزو الأميركي لأفغانستان وإنفاق مليارات الدولارات، لا يزال حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة يواجهان المعضلة ذاتها التي تبدو مستعصية على الحلّ، وهي كيفية سحب القوات من البلاد، من دون إقحامها في مزيد من الفوضى.وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن الانسحاب السريع للولايات المتحدة في الأشهر الماضية، الذي نفذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، يؤشر إلى ما قد ينتظر الأفغان، إذ تشهد بلادهم تصاعداً في العنف، نتيجة عمليات تنفذها حركة "طالبان" و"تنظيم الدولة"، وأمراء حرب، وعصابات إجرامية ومسؤولون حكوميون فاسدون.يفيد الموقع الإلكتروني للحلف الأطلسي بأنه ينشر حوالى 9600 جندي في أفغانستان الآن، بينهم 2500 جندي أميركي.ويعقد وزراء دفاع دول الحلف اجتماعات، يومَي الأربعاء والخميس، فيما يراجع الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاقاً أبرمه ترمب مع "طالبان" العام الماضي، يمهل القوات الأميركية حتى 1 مايو المقبل للانسحاب من أفغانستان، لكن ثمة دعوات متزايدة في واشنطن، لتأجيل الانسحاب النهائي أو إعادة التفاوض على الاتفاق، للسماح بوجود قوة أميركية محدودة، تنشط في العمل الاستخباري.تعاون "طالبان" و"القاعدة"وتسيطر "طالبان" الآن على نصف مساحة البلاد، كما أن محادثات السلام التي بدأتها مع حكومة الرئيس أشرف غني في الدوحة العام الماضي، لم تمنع الطرفين من مواصلة نزاعهما العسكري.واتُهمت الحركة أخيراً بتنفيذ عمليات قتل استهدفت صحافيين وقادة مدنيين، وهي تنفي ذلك. لكنها ترفض الموافقة على وقف للنار، كما أن لا دليل على قطعها علاقاتها مع تنظيم "القاعدة"، التزاماً باتفاقها مع الولايات المتحدة. وأفاد تقرير نشرته وزارة الخزانة الأميركية الشهر الماضي، بأن الجانبين يواصلان تعاونهما، وأن "القاعدة" يزداد قوة.وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن قوات التحالف الدولي جنّدت أمراء حرب أفغان، بعضهم مُتهم بارتكاب جرائم حرب، منذ انهيار نظام "طالبان" في عام 2001، فكدّسوا قوة وثروة. وفي الفراغ الذي سيلي انسحاب القوات الأجنبية، يخشى ناشطون وأفغان أن يقتتل مجدداً أمراء الحرب، كما حصل بين عامَي 1992 و1996، حين قُتل أكثر من 50 ألف شخص، معظمهم مدنيون، ودُمّر جزء كبير من العاصمة كابول.كذلك أفاد تقرير أعدّته الأمم المتحدة، ونُشر الشهر الماضي، بأن حوالى ثلث المحتجزين في مراكز اعتقال في أفغانستان، يشكون تعرّضهم لتعذيب أو سوء معاملة. في الوقت ذاته، ذكرت هيئة رقابية أميركية أن الفساد متفش، فيما أن الحكومة لا تلتزم وعودها بمعالجته. وبات "تنظيم الدولة" أكثر جرأة وعنفاً، وشكّل اختباراً لجهاز أمني ضعيف."عار مطلق"والفوضى متفشية في أفغانستان، رغم إنفاق نحو تريليون دولار فيها، جزء كبير منها على الأمن. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى انتشار واسع للجريمة في كابول، علماً أن المجرمين ينشطون عادة في مجموعات ويستخدمون قوة مميتة. وأضافت الوزارة: "السلطات المحلية بشكل عام غير فعالة في ردع الجريمة. يطلب شرطيون رشوة علناً، على كل مستويات إنفاذ القانون المحلي. في بعض الحالات، يرتكب شرطيون الجرائم".كما أن المعايير الاقتصادية ليست أفضل حالاً، إذ أعلن البنك الدولي أن معدل الفقر ارتفع من 55% في عام 2019 إلى 72% في عام 2020. ويعيش ثلثا الأفغان على أقلّ من 1.90 دولار في اليوم، فيما ارتفعت البطالة في عام 2020، إلى 37.9% من 23.9%.وتحدث سعد محسني، مالك قناة "تولو تي في" الأفغانية المعروفة، عن "عار مطلق، نظراً إلى المليارات التي أُنفقت على هذا البلد، خلال العقدين الماضيين". وسأل: "مَن سيتحمّل المسؤولية؟".في الوقت ذاته، يشعر شبان وناشطون وأقليات ونساء أفغان، بقلق من خسارتهم الحريات التي تمتعوا بها منذ عام 2001، رغم أنها لا تزال هشة، لمصلحة حكومة تشارك فيها "طالبان"، أو أمراء حرب متقاتلين.سيّاف وحكمتياروأفادت "أسوشيتد برس" بأن الأمن القومي هو الهاجس الأكبر، بالنسبة إلى الولايات المتحدة و"الأطلسي"، إذ يريدان ضمانات بأن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى ملاذاً آمناً لجماعات إرهابية، كما كانت في عهد "طالبان" وحقبة أمراء الحرب.وبين هؤلاء عبد الرسول سيّاف، وهو الآن شخصية نافذة في كابول، علماً أن جماعته جلبت أسامة بن لادن إلى أفغانستان من السودان، في مايو 1996. وكان سيّاف مصدر إلهام لجماعة "أبو سيّاف" الإرهابية في الفلبين.كذلك منح قلب الدين حكمتيار، وهو أمير حرب آخر في كابول، بن لادن ملاذاً آمناً لفترة وجيزة، بعد الغزو الأميركي في عام 2001، الذي أطاح بـ "طالبان"، التي كانت تؤوي زعيم "القاعدة" آنذاك. وفي عام 2017، وقّع حكمتيار اتفاق سلام مع أشرف غني، وهو الآن عضو في مجلس المصالحة للسلام في البلاد.وقالت باتريشيا غوسمان، المدير المساعد لآسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" (مقرّها نيويورك)، إن الأخيرة حذرت "الأطلسي"، في عام 2012، من أن "إرث التحالف سيكون دولة يديرها أمراء حرب متعسفون، بما في ذلك طالبان، وقوات أمن غير خاضعة للمساءلة"، إن لم تُحاسب القوات الحكومية و"طالبان" على انتهاكاتهما.حرب أهلية؟ويتفق محللون على أن لا حلّ سهل للوضع المتدهور في أفغانستان، بصرف النظر عمّا إذا كان "الأطلسي" سيبقى أم يغادر. وقال مايكل كوغلمان، نائب مدير "برنامج آسيا" في "مركز ويلسون" (مقرّه واشنطن): "لنكن واضحين جداً، إن عملية السلام الهشة التي تستهدف تحقيق استقرار في البيئة الأمنية، معلّقة في الميزان على خلفية مارقين ومفسدين".أما طارق فرهادي، وهو محلل سياسي ومستشار سابق للحكومة الأفغانية، فاعتبر أن "على الولايات المتحدة والحلف الأطلسي أن يكونا واضحين جداً.. بأنهما لا يرغبان في مزيد من الحرب في أفغانستان، ويريدان تسوية سياسية بين الأطراف المتحاربة، وأن القادة الساعين إلى مزيد من الحرب، على الجانبين، لم يعودوا شركاء صالحين للمجتمع الدولي".وأضاف: "في غياب تسوية سياسية، تتجه أفغانستان نحو حرب أهلية مريرة، وربما تنقسم البلاد على المدى الطويل"، وفق "أسوشيتد برس".