أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، الوثيقة التي انتظرها الأرمن لعقود، وهي الاعتراف بـ"الإبادة الجماعية"، التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية لما يقدر بنحو 1.5 مليون مدني أرمني، إبان الحرب العالمية الأولى.

ووصفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية الإعلان بأنه "خطوة جريئة" لبايدن، الذي تجاوز ما كان أي رئيس أميركي على استعداد للقيام به. حتى الآن، حيث رفض الرؤساء الأميركيين السابقين تطبيق مصطلح "الإبادة الجماعية" رسمياً خوفاً من إثارة رد فعل عنيف من قبل تركيا، التي تنفي ذلك بشدة.

وفقاً للرواية التركية، أدى العنف في حقبة الحرب العالمية الأولى بين العثمانيين والمسيحيين الأرمن إلى خسائر كبيرة في كلا الجانبين. ومع ذلك، وفقاً لمعظم المؤرخين، فإن الدليل واضح أن الأتراك شاركوا في حملة "تطهير عرقي" استمرت لسنوات شملت "مسيرات الموت القسري" و"التجويع الجماعي".

ويمثل إعلان بايدن خطوة مهمة نحو الوفاء بالتزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بحسب المجلة.

وأضافت "بوليتيكو": "لقد كان لأميركا دور هام وإيجابي في هذه المأساة الملحمية. كان المراسلون والدبلوماسيون من بين الذين أطلقوا بشجاعة الإنذارات بشأن الفظائع التي تتكشف على بعد آلاف الأميال لشعب مسيحي غير معروف. كانت بمثابة ملجأ لعدد لا يحصى من الناجين من الإبادة الجماعية".

وتابعت: "الذين كانوا محظوظين بما يكفي لشق طريقهم نحو الولايات المتحدة كانوا ممتنين حتى أيام احتضارهم. لقد منحهم هذا البلد الكثير، منحهم فرصة للتعافي وإعادة البناء والعيش بلا خوف. لقد كانت منارة لهم في عالم قاتل ووحشي بشكل مستحيل، المكان الذي منحهم المزيد من الفرص والأمل أكثر مما كان يمكن أن يتخيلوه".

ولفتت المجلة إلى أن "الناجين كانوا دائماً ما يعانون من الصدمة الشديدة، لدرجة أنهم لا يستطيعون النظر إلى الوراء، خوفاً مما قد يرونه. لم يكن هناك وقت للتركيز على الماضي. كانوا منغمسين جداً في نضال المهاجرين، وتركوا هذا العبء للأجيال القادمة".

وقالت "بوليتيكو"، إنه في الولايات المتحدة، "تم رفض الجهود المبذولة لتأمين هذا الإعلان باعتباره محاولة لتسوية بعض الخلافات القبلية القديمة، وهو نزاع لم يكن لأميركا أن تكون جزءاً منه. لكن كان لديها كل الأسباب لممارسة سلطتها الأخلاقية من خلال وصف تصرفات تركيا ضد الشعب الأرمني بعبارات واضحة لا لبس فيها. كانت هذه أول إبادة جماعية حديثة، مخادعة وفعالة في تصميمها حتى أن الزعيم الألماني أدولف هتلر تحدث عنها بإعجاب".

وأشارت المجلة إلى أنه بالنسبة للحكومة التركية، كان تأكيد الإبادة الجماعية "خطاً أحمر"، فيما تعتبره أنقرة "انتهاك يهدد بتفكيك العلاقة مع الولايات المتحدة برمتها"، مضيفة "حتى الجهود الحازمة للمشرعين ذوي الوزن الثقيل مثل السناتور روبرت دول، وهو شخصية مرموقة بين الأرمن الأميركيين، لالتزامه لسنوات طويلة بقضيتهم، لم تكن كافية للتغلب على الخوف من عزل مثل هذا الحليف المهم".

واعتبرت المجلة، أن الخطوة الأميركية، "تركت لبايدن فرصة للوفاء بوعد حملته بالاعتراف رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن. فحين ذكر ذلك خلال حملته، لم يؤخذ تعهده بجدية، حيث تعهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، بالشيء نفسه تماماً خلال حملاته، فقط ليبتعد عن لحظة الحقيقة السنوية في 24 أبريل، وهو التاريخ المعترف به باعتباره يوم ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن حول العالم".

الآن، سجل بايدن الولايات المتحدة كأحدث دولة تعترف رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن وتدينها، وهو ما قد يؤدي إلى "انتكاسة في العلاقات مع الحكومة التركية، إذ من المرجح أن تتدهور العلاقات بين البلدين أكثر"، بحسب "بوليتيكو".

واختتمت المجلة تقريرها بالقول: "لكن بايدن وضع الولايات المتحدة على الجانب الصحيح من التاريخ، وسمح لأبناء وبنات وأحفاد الناجين من الإبادة الجماعية للأرمن بتكريم إرثهم. وبنفس القدر من الأهمية، فقد منع بشكل دائم خيار أي رئيس مقبل أن يطلق على العنف المروع الذي حدث في عام 1915 أي شيء آخر غير اسمه الحقيقي".